الحوثيون في ميزان الخارجية الأميركية “قوة ضاربة بالوكالة عن النظام الإيراني”

الفرصة متاحة لإدارة بايدن لتصحيح أخطاء الماضي وتجنّب المزيد من زعزعة الاستقرار وإنهاء الكارثة غير المسبوقة في اليمن والمرافقة للحروب المتّصلة التي لم ينتصر فيها أي طرف من الأطراف المتناحرة. 

هل سيكون لإيجاد حلول ناجعة وعادلة لأزمة اليمن، ولإنهاء الحرب الدائرة فيه، الأولوية لدى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وسياسته في الشرق الأوسط؟ وهل سيتقاطع التوتر المتواصل والمعارك غير المنقطعة هناك مع ثوابت الأمن القومي الأميركي وفقاً لرؤية الإدارة الجديدة في واشنطن؟ 

بينما تتسلّم إدارة بايدن مقاليد الحكم في مجلسي النواب والشيوخ تشريعياً، وفي البيت الأبيض على المستوى التنفيذي، تستمر نيران الحرب وويلاتها بالتعاظم في عموم اليمن. 

في نظرة على أداء آخر إدارة ديمقراطية أميركية برئاسة باراك أوباما، حيث شغل بايدن منصب نائب للرئيس لفترتين رئاسيتين امتدتا ثماني سنوات، نستطيع أن نميّز الدور السلبي لتلك الإدارة لجهة تضحية أوباما باليمن واستقراره وحياة شعبه على حساب تمرير الاتفاق النووي مع إيران في العام 2015. 

أما في مضمار مكافحة الإرهاب، فكان أوباما قد حاول تحقيق أهداف قصيرة الأجل ومرحلية في هذا الشأن من خلال اللجوء إلى استخدام طائرات الدرونز بدون طيار في غاراته على مواقع “القاعدة في شبه الجزيرة العربية” أو ما يعرف باسم “أنصار الشريعة”، وهي المجموعة المسلّحة الناشطة في اليمن والسعودية بشكل قوي بعد إضعاف القيادة المركزية لتنظيم القاعدة الإرهابي. وفي حين أن قيادات أنصار الشريعة بمعظمهم من المتطرفين اليمنيين، إلا أن واشنطن لم تعلن يوماً الانتصار عليهم أو إنهاء شرورهم. 

أما إدارة ترامب الجمهورية، فقد أنهت فترتها في البيت الأبيض بتصنيف المتمردين الحوثيين كمجموعة إرهابية، وهو قرار نافذ اعتباراً من تاريخ 19 يناير، أي قبل يوم واحد فقط من مغادرة الرئيس ترامب لسدّة الحكم في واشنطن. 

وكانت إدارة ترامب قد دعمت التحالف العربي في حربه على الحوثيين الذين عقدوا العزم على الاستيلاء على اليمن بقوة السلاح بعد أن احتلوا عاصمته صنعاء، ناهيك أن طموحهم كان يتجاوز السيطرة على اليمن بصفتهم يمثلون القوة الضاربة بالوكالة عن نظام الولي الفقيه في طهران، فعملوا على توسيع النفوذ الإيراني باتجاه مضيق باب المندب والبحر الأحمر حيث الممرات المائية الإستراتيجية للتجارة العالمية. 

وكان من اللافت أنه حين كتابة هذه السطور، كان وزير الخارجية الأميركي الجديد أنتوني بلينكن يقول في مجلس الشيوخ المنعقد في جلسة الاستماع الخاصة للتصويت على تعيينه رأساً للدبلوماسية الأميركية “سأعمل على إعادة النظر وتقييم إدراج الحوثيين منظمة إرهابية بقرار من الرئيس السابق ترامب”. 

لعله من المفيد لكافة الأطراف المنخرطة في النزاع اليمني أن تتحرّك إدارة بايدن في سعيها لإيجاد الحلول المجدية والمتوازنة لمعضلة اليمن عبر محورين: الأول هو متابعة الضغط على إيران بهدف تجفيف منابع دعم جماعة أنصار الشريعة بالعتاد والخبراء، وكذا دفع طهران للتوقيع على اتفاق متطوّر بشروط متقدمة عن سابقتها في اتفاق العام 2015 الذي انسحبت منه إدارة ترامب في العام 2018، حيث يكون بإمكان الاتفاق الجديد أن يكفّ يدها ويلجم نزعتها المتواصلة لإنتاج أسلحتها النووية، وكذا يعرقل إصرارها في المضي بتمويل الميليشيات العابرة للحدود من أمثال الحوثيين وحزب الله اللبناني بمشتقاته في العراق وسوريا. 

ستكون الفرصة متاحة لإدارة بايدن لتصحيح أخطاء الماضي، وتجنّب المزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة، وإنهاء الكارثة الإنسانية غير المسبوقة في اليمن والمرافقة للحروب المتّصلة التي لم ينتصر فيها أي طرف من الأطراف المتناحرة حتى اليوم. ويجب أن لا يخفى على واشنطن ضرورة إشراك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة كطرف أساس في أي اتفاق نووي جديد مع إيران بما يضمن التوازن السياسي في المجموعة الجديدة ما بعد مجموعة 5 + 1. 

المحور الثاني يتمثّل بضرورة الإسراع في قطع الطريق على أسباب ومحرّضات الصراع في اليمن ومعوقات السلام هناك للوصول إلى هدنة دائمة وشاملة؛ فهذه الحرب الشعواء إذا ما استمرت فإنها ستشكّل خطراً داهماً على دول الخليج دونما استثناء، وستجرّ الولايات المتحدة إلى ظروف حريق إقليمي في منطقة لها من الخصوصية الجيوسياسية ما بإمكانه أن يهدّد أمنها القومي في عقر دارها. 

ولعل الإدارة الأميركية الجديدة تتمكن من توفير الدعم الأممي بشكل أوسع لمندوب الأمم المتحدة وحامل أعباء الملف اليمني مارتن غريفيث، لإحياء محادثات سلام ستوكهولم التي أطلقها في العام 2018، تلك التي افتقرت إلى إرادة الدول الكبرى النافذة لوضعها على سكّة التنفيذ. 

فصل المقال يكمن في الشروط التي ستضعها إدارة بايدن في حال تم استئناف الحوار بين واشنطن وطهران، بافتراض موافقة الطرفين على العودة إلى المفاوضات بشأن الاتفاق النووي، وفي درجة تفهم واشنطن للزوم أن يشمل هذا الحوار دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة كطرف أساس إلى جانب دول 5 +َ 1. 

أراضي المملكة العربية السعودية تتعرض لهجمات صاروخية مستمرة تطال المدنيين على أراضيها مصدرها شمال اليمن، والقيادة السعودية الحريصة على أمن مواطنيها وسكانها عازمة على إنهاء هذه الاعتداءات عسكرياً أو سياسياً. أما الإمارات العربية المتحدة فتملك الثقل والتأثير السياسي والدبلوماسي على مجريات الصراع ومقوّمات التوازن للقوى الفاعلة هناك. 

هنا يتقدّم دور الخارجية الأميركية لتهيئة أرضية مناسبة تقف عليها اتفاقية سلام نهائية ستشمل بالتأكيد اتفاق وقف اعتداءات الميليشيات على أراضي الجوار وصولاً إلى حلّ هذه الميليشيات تمهيداً لانخراطها في الحياة السياسية المدنية، مع وجوب إشراك أبوظبي والرياض في اتفاقات الأمن البحري الموسعة لمضيق هرمز وباب المندب حيث تكمن مصالحهما المشتركة التي تمر عبر أرض اليمن نحو سواحله. 

*كاتبة سورية أميركية 

Exit mobile version