قبل سنة نشرت صحف بريطانية وفرنسية أن تعقيدات تجارة الحرب في اليمن عامل من عوامل تأخير الحسم، وهو ما أشار إليه إسماعيل ولد الشيخ المبعوث الأممي السابق إلى اليمن في إحدى إحاطاته لكن ذلك لم يكرر في إحاطات من خلفوه في مهمته.
ويمثل سوق العقار حجر زاوية في تجارة الحرب في اليمن، مأرب شهدت طفرة في العقار والاتجار بها خلال خمس سنوات وحجم العقارات الجديدة التي امتلكها قيادات إخوانية وعسكرية موالية لهم كبيرة.
تمتد هذه السوق التي تبدأ من مأرب ثم تسافر الأموال إلى الخارج لتلتحق بأسواق العقار في دول عديدة أهمها تركيا ومدنها المختلفة، واسطنبول هي الأهم في هذا التدفق، حيث أصبحت موطن ومستقر غسل الأموال لتجار الحرب في اليمن عبر سوق العقارات التركي والمتنوع.
أخبرني زميل في تركيا أنه شاهد فللا وشققا فارهة لبعض قادة ما تسمى “المقاومة” اسعارها كبيرة لا يملكها متوسطو التجار اليمنيين والأتراك ايضا، والأشخاص الذين امتلكوها طفيليات كانوا على الهامش ووجدوا في الحرب فرصة نادرة للتكسب ومعظمهم كانوا يعيشون الفاقة ويقبعون في هامش الحياة.. ناهيك أن البعض كانوا في السجون أو ملاحقين بتهم مختلفة، وشكلت لهم الحرب فرصة نادرة للتكسب، باسم “المقاومة”.
هذا الأمر امتد حتى لطواقم المنظمة الدولية ومبعوثه والفرق العاملة، إذا صح بعض ما نشر إعلاميا أن النفقات للمبعوث الأممي والعملية السياسية تفوق عشرين مليون دولار في بعض الأشهر، وهنا تظهر أيضا بعض تجليات هذه التجارة العابرة للقارات، إن عدد المنتفعين من الحرب في اليمن يتوسع ليصل لقيادات وسطية ودنيا أحيانا.
هناك شبكة مصالح وفساد لها كتائبها الخاصة استثمرت من أموال الشعب أو الدعم العسكري، وضخته إلى الخارج منذ السنة الأولى للحرب وحتى اليوم.
ويقع على الحكومة الجديدة مسؤولية ايقاف هذا المد المسعور الذي يصل إلى التجارة بالنفط والسلاح.
هذه الشبكات تنسج شبكات جديدة وتتوسع عابرة للخلافات، حيث تصل ببعض رجالات الحوثي عندما يتعلق الأمر بالنفط والسلاح والتهريب ويشكل السماسرة المتمرسون مفتاحا وسيطا بين معسكر الحوثي وقيادات إخوانية وجهادية، لا سيما في محافظات البيضاء ومارب وتعز.
وتعد مجالا خصبا لتجار الحرب باستغلال تواجدهم على الارض وتمرير وحماية هذه الصفقات.
ويشكل دعم التحالف وبيع السلاح الذي يصل احد مسارب ومداخيل هذه التجارة، كما تشكل مداخيل التجار وابتزازهم منبعا من منابع الثراء، وتتوسع حلقات التواصل لتصل لغسل هذه الاموال عن طريق فتح شركات الصرافة والمدارس والجامعات الأهلية.
وتأتي محافظة مأرب في طليعة المحافظات التي تشيع فيها هذه التجارة، كاشفا لها بصورها المختلفة حتى إن النفط في بعض مناطق من مأرب يباع بنصف ثمنه مقارنة بالمحافظات الأخرى وغالبا من حصص من يسمون بالمشايخ أو حصة المحافظة أو المخصص لدعم جبهات قتال مزعومة.
كما أن السيولة التي تراكمت في مأرب من إيرادات النفط والغاز ولم تخضع لعمليات الرقابه المالية، شكلت زخما وافرا لتجارة حرب نوعية وفريدة.
قبل سنة سألت أحد المختصين في المالية: كيف يدار الشأن المالي في مارب؟
أجابني بوضوح مثل أي بقالة، صاحب الدكان يأخذ من (المغل)، ويصرف وقد لا يقيد الصرف أو يسجله إلا على ورق السجاير، كل ما في الأمر أمر بالتلفون أو ورقة صغيرة يأمر الرئيس بأي مبلغ فيصرف، ومثله يصنع المحافظ في مارب، ويأخذ إخلاء عهدة متى شاء.
والأرقام التي تسربت لما تم صرفه غير معقولة وإن تاكدت فإنها إحدى كوارث الحرب المقيتة.
إنها عملية طويلة وعميقة غير متابعة للاسف ولم تجد تسليط ضوء كاشف من الاعلام عليها حتى الآن بما يكفي وتفاصيلها متشعبة وتحتاج إلى استقصاء واسع وستظهر أرقام فلكية قد لا تصدق أنها في بلد فقير كاليمن.
وربما انها السبب الرئيس في إطالة الحرب واستمرارها لا سيما والعتاولة يمسكون بالملف العسكري والسياسي والاقتصادي بمستويات مختلفة، لكن ما يجمعهم هو الإرادة الكاملة لتطويل الحرب لأمد غير معلوم على حساب ضياع شعب كامل وتجويعه وافقاره وإطالة سنوات الحرب.
والغريب أن تقارير الخبراء الدوليين والمتابعين للشأن اليمني وكذلك احاطات مندوب الأمم المتحدة لليمن الأخيرة لا تتعرض لذلك مطلقا.
وفي ظل وضع كهذا تبقى هذه التجارة المكتملة الأركان تعقيدا جديدا ينبغي الالتفات إليه وتجفيف منابعه وتسليط الأضواء عليه، وهو ملف من ملفات الحكومة الجديدة، إن أرادت أن تسهم في حل معضلة الاقتصاد.
مأرب وتركيا كاشفتان لهذه التجارة لا سيما سوق العقار، الذي هو التسكين الآمن لهذه الأموال خلال خمس سنوات، ولا نزال بحاجة إلى صحافة استقصائية دقيقة لهذه السوق وحجمها ورجالها المغاوير.