الإدارة المثلية!
عُرف نظام ممارسة السلطة في الولايات المتحدة الأميركية باسم الإدارة الأميركية.. لا الرئاسة، ولا فخامة الرئيس، ولا الوزارة أو أمر سيدي الوزير.. الإدارة، هذا ما كان منذ تأسيس الولايات الثلاثة عشرة الأولى قبل نحو مائتي عام.. لكن يبدو أن الحالة تغيرت عند بدايات عام الناس هذا، حسب وجهة نظر بعض اليمنيين على الأقل.. يقولون ها هي الإدارة الأميركية قد تحولت إلى الإدارة بالمثليين، أو المتحولين جنسياً، الذين يطلق عليهم العابرين جنسياً، أو مجتمع الميم، من باب الدلع أو التحبب.
هذا، لأن نتائج الانتخابات الأميركية أتت بعدد غير قليل من اللوطيين والسحاقيات والمخنثين والمخانيث إلى مجلس النواب ومجلس الشيوخ اللذين إذا تشارك أعضاؤهما في اجتماع يقال عنه كونجرس، وما يزال بعض جهابذة الإعلام عندنا يكتبونها جونجرس! فلأول مرة تدخل مجلس الشيوخ سحاقية شابة طرية تدعى سارة مكبرايد، وهي من الحزب الديمقراطي.. وإلى مجلس النواب الأميركي أضافت نتائج الانتخابات الأميركية عابرات جنسياً أو سحاقيات أخر قمارى ومثل الزبدة: ريتشي تريس.. موندير جونز.. تايلور سمول.. وستيفاني بايرز.. هذا العدد الجديد يضاف إلى الباقين على مقاعدهم من الدورة السابقة، وهي غير الدورة الشهرية.. وقبل أن يخرج الرئيس الجمهوري دونالد ترامب من البيت الأبيض مهيض الجناح، اختار الرئيس الديمقراطي الجديد جو بايدن للوزارات وللبيت الأبيض كائنات من مجتمع الميم، وفتح الطريق أمامهم للالتحاق بالجيش الأميركي الذي كان قبله يضم أقل من تسعة آلاف سحاقية ولوطي ومخنث.
لقد شعر أستاذنا أمين الوائلي بالاشمئزاز حين رأى بيت بوتجيج، الذي رشحه الرئيس بايدن لوزارة النقل، وهو يقول في خطابه أمام المجلس: أود أن أشكر بايدن على ثقته، وأود أقدم لكم زوجي، أنا فخور جداً بوجوده هنا.. وكان زوجه خلفه يهز رأسه فرحاً بالترحيب، وهو من جنس الوزير بيت بوتجيج نفسه.
لنكن صرحاء، فنحن العرب والمسلمين نعيب الأميركيين والأوروبيين على هذا، ونلعن حضارتهم كل ساعة، ونحمل هذه الحضارة الضخمة كل المعايب، ولأننا لا نريدها لأنفسنا نقول لأهلنا: أنظروا، التفسخ هذا، الشذوذ الجنسي هذا، مرده للحضارة الغربية غير المتدينة الفارغة قلبها من الإيمان بالله ورسوله وكتبه وملائكته واليوم الآخر والقدر خيره وشره.. وفي نفس الوقت نفعل الشيء نفسه، ولكن في الخفاء، حتى الخمر يباع وقت الليل، ويشربه المؤمن بالله ورسوله وكتبه وملائكته منفرداً محاصراً بين أربعة جدران، والشيخ يخطب يغري الناس بالولدان المخلدين، ويختم الخطبة الثانية بالدعاء على الكافرين، ولا ينسى نصيبه من الولدان في الدنيا، ولو على سجادة تحت المنبر كما فعلها خطيب جامع بتعز مع قاصر.
نعيب الأميركيين والأوروبيين وننسى أن ظاهرة المثلية الجنسية عرفت في بلاد العرب أولاً.. قبل العابرين جنسياً بألوف السنين عبرت اللوطية أولاً من بلاد العرب.. قوم لوط، وهم قوم من بدو الصحراء، لا مدينة حضرية، ولا تمدين يميع، ولا حضارة غربية، بل شذوا، انحرفوا، فسدوا من تلقاء أنفسهم، وبالعلن، حتى إنهم حاولوا اقتحام بيت نبيهم، لما عرفوا أن فيه ضيوفاً جميلين، لولا أن صدهم نبيهم وتوسل لهم: لا تخزوني في ضيفي! وكان أولئك الضيوف الجميلين هم الملائكة أو رسل الله إلى لوط.
كذلك التخنث، الذي يعالج هذه الأيام بالتحول الجنسي، أو تعديل الهوية الجنسية من ذكر إلى أنثى والعكس.. فقد أفرد مؤلفو كتب الفقه الإسلامي أبواباً خاصة للخنثى والتخنث، وفي كتب الأدب العربي كثيراً ما ترد نوادر المخنثين، وعبارات مثل: رأى مخنث.. سمع مخنث.. أنشد مخنث.
ما يسمى في هذا العصر بالمثليات جنسياً، هن عين السحاقيات عند العرب منذ القدم، حتى العصر الإسلامي، وما بعده يتبع ما قبله.. تذكر مصادر عربية أن أول من سنت السحق أو السحاق هي ابنة الحسن.. إذ هويت امرأة النعمان بن المنذر لما زارتها، فشغفت بها، وظلت تزين لها السحاق ومتعته. قالت لها: في اجتماعنا أمن من الفضيحة، وإدراك للشهوة، فاجتمعتا، تساحقتا يعني.. وبلغ من شغف كل واحدة بالأخرى أنه لما ماتت ابنة الحسن اعتكفت هند على قبرها، واتخذت الدير المعروف اليوم بدير هند في طريق الكوفة، وقد أشار إلى هذا الشاعر الفرزدق في قوله:
وفيت بعهدٍ كان منك تكرما
كما لابنة الحسن اليماني وفت هند
واستمر هذا السلوك بعد الإسلام، ولا يزال شائعاً إلى اليوم.. قال الأصمعي: كنت في دار هارون الرشيد فخرج على غفلة وسأل: أين الأصمعي؟ فمثلت بين يديه فقال لي: من الذي يقول: ولا تستعملي المردي؟ وما أوله؟ قلت له هذا شعر لبعض السحاقيات بالبصرة، وأوله:
ضعي الهن على الهن… ولا تستعملي المردي
فذا أحلى وذا أشهى… من القائم كالوتد
قال الأصمعي: فضحك الرشيد، وأمر لي بألف دينار!
ندرك أن بعض المتزمتين سيعيب علينا إيراد هذه الكلمات، لكن حسبنا أنها وردت في شعر العرب قبل الإسلام وبعده، وبعض منها ذكرت قرآنهم، وفي معاجم اللغة العربية، وفي الأحاديث المنسوبة للنبي محمد، وما توافق العرب على هذه الألفاظ أو الكلمات عبثاً، بل لكي يستخدموها في تفاهماتهم اليومية.
على أن السحاقيات العربيات الأول كان لهن تقاليد مرعية بقيت آثارها إلى اليوم في بعض الشيوخ الذين حرموا على المرأة حلب بقرة أو تناول الموز.. فمن تقاليد المثليات جنسياً أو السحاقيات العربيات اجتناب أي شيء له شبه بالقضيب.. قال الراغب الأصفهاني: عادتهن أن لا يتناولن ما فيه مشابهة من هز الرجال.. فلا يأكلن البقل والجزر والباذنجان لأجل ذنبه.. ولا الفالوذج لأنه يتخذ للوالدات.. ولا يشربن في الكأس بسبب طوله.. ولا من القوارير لعنقها.. ولا يتناولن المراوح لذنبها.. ولا يقعدن في مجلس فيه ناي ولا طنبور لعنقه.. ولا يأكلن العصب ولا المبعر المحشي.. أما الكبار منهن فلا يصلين لأن الصلاة فيها ركوع.. ولا يتخذن الديوك، ولا الحمام لفساده.. ولا يكتحلن لدخول الميل.. والسلام ختام.