خونة الجبهات العائدون إلى حضن الإرهاب الحوثي.. تجربة السائلة التي تنتهي بالتحقير والحصار
لم يكن اختيار “السائلة” في العاصمة صنعاء لتصوير من يسميهم الحوثي بـ”العائدين” إلى حضن سلطته، بعيداً عن المعنى الحقيقي لرؤية الجماعة لهؤلاء الذين تتباين أسباب عودتهم إلى المناطق تحت سيطرة الذراع الإيرانية المصنفة منظمة إرهابية، فهم مجرد “صيد” دعائي تنتهي قيمتهم كما ينتهي “غثاء السيل”.
تبدأ مهمة استخدامهم دعائياً، بالإساءة لهم وتصويرهم خونة مرتين: الأولى، حين غادروا مناطق الحوثي وقاتلوا على خطأ، ثم عودتهم إلى تلك المناطق بعد خيانة ثانية، ثم تنتهي بكوها إنجازات تتباهى بها القيادات الحوثية، باعتبارها نجاحاً لها في إقناع البعض من القيادات العسكرية والقبلية والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بالتخلي عن القتال ضد ذراع إيران الإرهابية.
لا تتوقف مزاعم المنظمة الإرهابية عن عودة قيادات عسكرية وقبلية كبيرة ومؤثرة، لكن هذه المزاعم لا تتجاوز الإعلام، فكل من تصورهم كعائدين ينتقلون بعد يوم التصوير إلى “متهمين” تتناقلهم أجهزة التحقيق والاستخبارات والاتهامات الحوثية، أو أسماء مجهولة لا يعود لهم ذكر.
ووفق رصد ميداني وإعلامي لتحركات عدد من العائدين، فإن اهتمام الحوثي الذي يظهره بالعائدين، ينتهي بعد أيام من تصويرهم وإظهارهم في قنواتهم وأخذ التصريحات التي تخدم أهدافه، وترتيب زيارات لهم إلى قبر الصريع صالح الصماد، ثم ينتهي كل ذلك الاحتفاء.
وتؤكد المصادر أن المليشيات تشترط عليهم العودة إلى منازلهم والبقاء فيها وتمنع عليهم ممارسة أي أنشطة أو فعاليات أو ظهور، إلا بإذن، وقد تستغل بعضهم في مساعدتها على تحشيد الأطفال وصغار السن إلى الجبهات في أحسن الأحوال.
باستثناء بعض الاختراقات الطفيفة التي استطاعت المليشيات تحقيقها جراء إقناع بعض القيادات العسكرية والقبلية التي كانت تقاتل في صفوف الجيش الوطني في مناطق نهم والجوف ومارب والتي أسهمت في إسقاط تلك المناطق بيد الحوثي، غير أن تل القيادات لم يتم تصويرها ولا الإعلان عن عودتها.. وكان تحركها اختراقاً منسقاً له خفية بين قيادات المليشيات الحوثية وقيادات اجتماعية في مناطقها تابعة للإخوان المسلمين في اليمن (حزب الإصلاح) التي تسيطر على الجيش الوطني وقياداته وتتولى صنع القرارات الخاصة بتحركاته ومعاركه.
الرقابة الأمنية
يشترك جميع من عادوا إلى حضن الذراع الإرهابية لإيران، بكونهم يخضعون لعملية رقابة أمنية قوية، فالأجهزة الأمنية لا تعترف بتصريحات إعلامية، ولذا ورغم استثمار الجماعة للعائدين إعلامياً، فإن الحفلة تنتهي بتسليمهم للجهات الأمنية التي تظل تنظر إليهم بأعين الشك والريبة وترى فيهم مجرد خونة ومرتزقة باعوا قضيتهم التي ادعوا من قبل إيمانهم بها.
يقول محلل للتعامل الحوثي مع العائدين: “مليشيات الحوثي لا تختلف عن بقية الحركات الإسلامية المسلحة والحركات السرية التي يحكمها منهج الشك وعدم الثقة بأي أصدقاء أو حلفاء مهما كانت درجة القرب أو الجهود التي يبذلونها لإثبات مصداقيتهم مع هذه المليشيات فهم في الأخير في نظرها مجرد أدوات يجب استثمارها في تحقيق أهداف المليشيات دون إعطائهم أي دور أو مكانة تسمح لهم بلعب دور مؤثر في إطار محيطهم الاجتماعي والسياسي”.
ويدلل المراقب على ذلك بـ”تعامل مليشيات الحوثي الإرهابية القائم على الشك والتخوين بموقفها من القيادات السياسية والإعلامية اليسارية والليبرالية التي تخلت عن مبادئها المناقضة لمبادئ وشعارات حركة عقائدية رجعية إرهابية مثل الحوثي، ويقول: “كل هذه الشخصيات لا تجد من المليشيات أي اهتمام وباستثناء الإعلامي اليساري صلاح الدكاك الذي منحته المليشيات دعما لإصدار صحيفة، لم يجد الآخرون أي اهتمام يذكر”، مدللاً بـ”قيادات إعلامية وسياسية كمحمد المقالح، الذي لا يزال مدانا في خطاب الجماعة ولدى قياداتها، والصحفي أحمد الحبيشي الذي فارق الحياة دون ان تمنحه المليشيات ثمن العلاج، وعبدالغني الزبيدي… وغيرهم”.
ويقول: “آلاف الشخصيات التي بقت في صنعاء وتتفق مع الحوثي في شعارات مهمة بالنسبة للجماعة، وتتجنب الخوض فيما لا توافق عليه من شعارات الحوثي، ليس لها أى مكان لدى الجماعة.. فالحوثي يرفض مجرد ذكر الرموز الجمهورية التي قد توفاها الله.. حيث لا تقدس الجماعة إلا شخصيات الولاء لإيران ولها فقط، فكيف بالشخصيات التي لا تزال تعيش بينها، فضلاً عن تلك التي تنصب في حفلات السائلة”.
وأضاف: “إعلامياً، فإن الحوثي يمتلك قنوات وإذاعات وصحفاً، كلها ترى التاريخ ابتدأ من لحظة فرضهم سلطتهم بقوة السلاح، ولهذا ليس فيها أي وجود حتى لمن هم حوثيون ولكن كانوا رموزاً إعلامية وسياسية في العهد الجمهوري”.