صراع ثلاثي يضرب عمق الانقلابيين في صنعاء ويهدد عرش الحوثي “ماذا يحدث؟”
دفع زعيم المليشيا الانقلابية عبدالملك الحوثي بشقيقه الأصغر عبدالخالق بقوة لمواجهة صراع ثلاثي بين أفراد عائلته على قيادة الانقلاب.
وتحول الصراع بين قيادات الصف الأول للمليشيات الانقلابية من النفوذ والمال والسلطة، إلى سباق دموي يجري وراء ستار الوحدة داخل الدائرة المغلقة، وتهدد بشكل رئيسي عبدالملك الحوثي، وفقا لأحدث تقرير لخبراء الأمم المتحدة.
ويشير التقرير إلى أن “كماشة” ثلاثية حوثية عليا مؤلفة من “محمد علي الحوثي” و”عبدالكريم الحوثي” و”أحمد حامد”، شيدت قواعد اقتصادية وأخرى هياكل أمنية واستخباراتية منفصلة، ضمن صراع عميق على السلطة والمؤسسات المالية طلبا للثراء الشخصي.
ولم يكشف تقرير خبراء الأمم المتحدة مزيدا من التفاصيل عن هذه “الأفاعي الكبرى” التي شيدت كيانات موازية لحكومة الانقلاب الحوثي، وأصبحت تهدد عرش زعيم الانقلاب بشكل رئيسي، وأطاحت مؤخرا بشقيقه إبراهيم مسؤول الأمن الوقائي، ومؤسس رافعته السياسية حسين زيد كجزء من حرب بينية عميقة بلا أفق.
وباتت طهران تخشى بالفعل من أن يؤدي الصراع على كرسي القيادة إلى تفكك وتناحر القيادات الطامعة بالزعامة بدلا عن عبدالملك الحوثي، الذي صعد إلى القيادة خلفا لشقيقة، بتزكية من والده “بدر الدين” الأب الروحي للجماعة.
ويضاعف احتمالات الانقلاب الداخلي بين قيادات الانقلابيين ما قام به مؤسس مليشيا الحوثي من انقلاب على قيادة تنظيم “الشباب المؤمن” من قبل “حسين الحوثي”، والذي حول التنظيم إلى مليشيا طائفية ذات فكر متطرف، ينشد القتال كخيار وحيد للوصول إلى “زعامة الأمة” بحسب الأدبيات لهذه الجماعة.
وذهب مؤسس الجماعة الانقلابية لتجاوز الموروث الزيدي وتكريس الفكر الاثنى عشري في مسعى صريح لتجاوز عقبات الشروط التي يفرضها المذهب الزيدي على كل من “يتولى الزعامة أو الإمامة”، وهي ما لا تتوفر في عبدالملك الحوثي ولا شقيقه من قبله.
ومؤخرا مهد عبدالملك الحوثي لشقيقه الأصغر اللواء عبدالخالق الحوثي، ليحوز نفوذا قويا داخل هيكل المليشيا ليمكنه من الخلافة لاحقا، حيث يعد الأخير هو آخر عناصر الدائرة المصغرة التي اختارها زعيم المليشيا لتشكل فريق أمنه الشخصي.
عبدالكريم الحوثي.. الأخطر
لم يكن ادعاء “النسب المقدس” لـ”آل البيت” حكرا على عبدالملك الحوثي وإخوانه، فقد أصبح أبناء عمومته يتعايشون مع ذات الادعاء، رغم تنبه “حسين الحوثي” لذلك باكرا واعتماده على بناء منظومة فكرية تتجاوز عقبات الوصول إلى زعامة المليشيا، لأن تاريخ العائلات الإمامية حافل بالنزاعات والتناحر والانقلابات تسابقا على السلطة.
وتقول مصادر يمنية مطلعة، إن عبدالكريم الحوثي مسؤول الملف الأمني لمليشيا الحوثي الإرهابية ووزير داخلية حكومة الانقلاب، يعد أقوى المنافسين لـ”عبدالخالق الحوثي” من ناحية امتلاك أدوات النفوذ والقوة داخل هيكل المليشيا، وكذا ادعاء نظرية “الحق الإلهي”.
وأضافت المصادر أن عبدالكريم الحوثي، المصنف رقم 13 على قائمة التحالف بمكافأة 15 مليون دولار، أزاح نائب وزير الداخلية السابق عبدالكريم الخيواني، والذي كان عمليا هو المتصدر للملف الأمني خصوصا في العاصمة صنعاء، كما قرب ضمن دائرته نجل مؤسس المليشيا على حسين الحوثي، وعينه وكيلا للداخلية، ليبني اصطفافا قويا داخل الدائرة الحوثية المسيطرة على القرار الأمني.
كما يملك عبدالكريم الحوثي، وهو عم زعيم المليشيا، نفوذا داخل جهاز الأمن والمخابرات الذي يقوده الخيواني المحسوب على كيان أحمد حامد، مدير مكتب الرئاسة الحوثية وذراع عبدالملك الحوثي الطولى في كل القطاعات والتشكيلات بمفاصل الدولة”، وفقا لذات المصادر.
وكان الخيواني تسلم عقب إزاحته من الداخلية جهاز الأمن والمخابرات كجهاز مستحدث، جمع بين المهام الأمنية والمخابراتية بقيادة ضباط حوثيين من الأمن السياسي والأمن القومي جهازي المخابرات في هيكل القطاع الأمني اليمني.
وأشارت المصادر إلى أن عبدالملك الحوثي حاول إبعاد عمه عبدالكريم الحوثي، الذي يعرف بحاكم صنعاء أو الحاكم الخفي، عن مفاصل النفوذ وسلمه رئاسة مجلس الشورى.
غير أن عبدالكريم عاد ليتسلم الملف الأمني ووزارة الداخلية بدعم من مستشارين إيرانيين يتواجدون في صنعاء لتقييم إدارة مؤسسات الدولة.
وكشف مصدر يمني في إحدى شركات الاتصالات بصنعاء عن توجيهات وصلت من مدير مكتب “زعيم الحوثيين السابق ومساعد أحمد حامد حاليا في خلية مكتب الرئاسة، المدعو مسفر الصوفي، مفادها الكشف عن أرقام خاصة طلب سابقا عبدالكريم الحوثي تخصيصها لمجموعة من المقربين منه، وأن هذه الأرقام خضعت للمراقبة والتجسس.
وطبقا للمصدر، فإن توجيهات “مسفر” تضمنت أيضا عدم اعتماد أي أرقام خاصة بتوجيهات أي قيادي حوثي دون الرجوع، أو يتم إطلاع مكتب زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي.
وقال المصدر إن “قيادات حوثية كبيرة كانت تخاطب شركة الاتصالات بتخصيص مجموعة أرقام بامتيازات معينة”.
قيادي سياسي يمني آخر قال إن عبدالكريم أمير الدين الحوثي، يعد المنافس الأبرز والخطر الحقيقي على زعيم المليشيا الإرهابية.
ولجأ عبدالملك الحوثي لتعيين المحسوبين عليه في العديد من المناصب، لتقوية وإبقاء حضوره في لعبة الصراع مع عمه شقيق والده.
محمد الحوثي.. حاكم أعلى
يعد القيادي في صف المليشيا الأول محمد علي عبدالكريم الحوثي هو المنافس الثاني لزعيم الانقلابيين، لما له من نفوذ قوي في الحرس الثوري الإيراني.
ويعتبر محمد علي الحوثي، الذي يعرف بـ”الحاكم الأعلى”، مهندس اللجان الثورية عقب إعلان المليشيا الانقلاب 21 سبتمبر 2014، وهو الرجل الثاني في العائلة الحوثية الذي يتربص بقيادة المليشيا، رغم حرصه الدائم لدى كل ظهور على تبجيل “عبدالملك” وكيل المدائح.
وبحسب القيادي السياسي بجناح صنعاء، فقد وصل مؤخرا إلى مسامع “عبدالملك الحوثي” مقولة تحدث بها محمد علي الحوثي أمام مجموعة من المقربين له مفادها “لا مشكلة أن يكون هناك إمامان (زعيمان) اثنان بحسب الموروث”، في رسالة لزعيم المليشيات أن يتشارك القيادة مع شخص آخر.
وقال القيادي السياسي إن هذا التصريح كاد يفجر أزمة ثقة بين الطرفين، لكن محمد علي الحوثي تخوف من ردعه، فسارع خلال الأسابيع الماضية إلى المبايعة بشكل علني لـ”عبدالملك الحوثي” في الحديدة أمام حشود أجبرت على الخروج، لمطالبة واشنطن بمراجعة قرار تصنيف المليشيا منظمة إرهابية.
وأوضح القيادي، الذي فضل عدم كشف هويته، أن تأكيد محمد علي الحوثي ولاءه هدفها دفع تهمة الطموح بخلافة زعيم المليشيا أو الانقلاب عليه.
غير أن الواقعة كشفت حجم تربص أبناء العمومة لبعضهم بعضا داخل تنظيم هش يعتمد في تماسه على تدخلات ووساطات حسن نصر الله أو ضباط الحرس الثوري الإيراني.
ومحمد علي الحوثي هو نجل ابن عم عبدالملك الحوثي، ويعد رفيق طفولته ويرجح أن الاثنين ابتعثا سويا إلى إيران أبان زعامة حسين الحوثي.
ومؤخرا بات لـ”محمد” جهاز أمني واستخباراتي واقتصادي بشكل شخصي خارج الأطر المالية للجماعة، فيما يعد المطلوب رقم 4 بقائمة التحالف العربي بعرض مكافأة تقدر بـ20 مليون دولار.
أحمد حامد.. الذراع الطولى
في وقت سابق، تم نشر بشكل منفصل تقرير عن دور الذراع الطولى لزعيم مليشيا الحوثي “أحمد حامد” في شرعنة التمدد الإيراني في اليمن.
وبحسب المصادر، فإن “حامد” دخل في صراع الزعامة وبات رقما في معادلة السباق وراء الستار مدفوع بدعم كبير يحظى به من ضابط الحرس الثوري الإيراني المعروف بحاكم صنعاء حسن إيرلو، والذي بات ضالعا في إدارة كل الملفات ويعمل على توجيه لعبة الصراع بين مراكز النفوذ الحوثية بما يخدم بقاء نفوذ بلاده.
وأكدت المصادر أن المدعو “أحمد حامد” الذي يعد ذراع عبدالملك الحوثي داخل مؤسسات الدولة بات يحظى بقبول كبير لدى المخابرات الإيرانية خاصة بعد تحركاته في الآونة الأخيرة وفرض نفوذه بشكل قوي، وأنه تلقى من “إيرلو” ضوءا أخضر لاستقبال” أي رسائل أمريكية والتعاطي معها كرجل المرحلة المقبلة” وهي ثقة يحصلها أيضا من زعيم المليشيا.
وتشير المراجع التاريخية والشواهد الحالية إلى الصراع داخل الأسر الأمامية السلالية، تأصل خلال قرون من تسلط هذه العائلات على رقاب اليمنيين، وأن هذا الامتداد لنزعة السباق والتناحر سوف يستمر ما بقيت هذه العائلات على رأس أي عصابة أو تنظيم إرهابي.