في صبيحة الرابع من فبراير الجاري، أي بعد ستة أشهر على جريمة تفجير مرفأ بيروت وتدمير ثلث العاصمة اللبنانية، يفاجئنا المجرمون بجريمة جديدة في الجنوب اللبناني وفي منطقة لحزب الله سيطرة شبه كاملة فيها.
هذه الجريمة تمثلت بخطف وقتل الإعلامي لقمان سليم المعروف بمعارضته الشديدة لحزب الله ولنظام مافيا الملالي في طهران. فقد تم اختطافه وقتله في سيارته على طريق عودته من زيارة له إلى بلدة صريفا الجنوبية، حيث وجد مقتولا بأربع طلقات نارية في الرأس وأخرى أصابته في الظهر على طريق قرية نيحا الجنوبية القريبة من مدينة النبطية.
وكان لقمان سليم، ابن النائب السابق محسن سليم، والمقيم في أحد أحياء الضاحية الجنوبية التي يسيطر عليها حزب الله، قد تلقّى، كما كثيرون سواه، وعلى مدى السنتين الأخيرتين، رسائل تهديد متعدّدة من جانب حزب الله أو مناصريه. وهذا ما دفعه إلى إصدار بيان يُحمّل فيه مسؤولية ما قد يتعرض له هو أو أحد أفراد عائلته، لحسن نصرالله ولنبيه بري بصفتِهما القيادية للثنائي الشيعي: حزب الله وحركة أمل.
ليست هي حادثة الاغتيال الوحيدة التي حصلت في لبنان في الآونة الأخيرة، وربما لن تكون الأخيرة. فحزب الله الذي يعاني أزمة اتساع دائرة معارضيه ممن يعتبرهم بيئته الحاضنة ووقودا لحروبه، وحيث بدأ الخناق يضيق على الناس في لبنان نتيجة الأزمات المعيشية والمالية والاقتصادية التي لحزب الله الباع الطويل في تماديها، واستباقا لانفجار اجتماعي قد يحصل في مناطق سيطرته كالذي يحصل في طرابلس، وملاقاةً للقمع الذي تقوم به أجهزة النظام المُهيمَن عليها من حزب الله نفسه والمتمثلة بإطلاق الرصاص المباشر على المحتجين العزّل وحملة الاعتقالات الواسعة للناشطين وبينهم العديد من القصّر، ليس غريبا أن يلجأ إلى التصفيات المباشرة لمعارضيه لإسكات أصواتهم من جهة ولترهيب الآخرين من جهة أخرى. وهو هنا يؤكد لهؤلاء المعارضين أن أمامهم خيارين لا ثالث لهما: الصمت الطوعي أو الصمت بالقتل.
وما اعتاده نظام مافيا الملالي في طهران الذي قام أساسا واستمر حتى اليوم على الإبادة والقتل والإعدامات، تتبناه أذرعه الطائفية في العراق واليمن وسوريا ولبنان وتنفذه باعتباره أجندة احتياط تلجأ إليها كلما اشتدت أزماتها.
في العراق، كما في إيران، مسلسل الخطف والاغتيال المستمر، والذي تصاعد مع ثورة أكتوبر العراقية التي واجهت وعرّت المنظومة الميليشياوية التابعة للحرس الثوري الإيراني (الولائية) كما واجهت تغلغل النفوذ الإيراني الذي دعم واستفاد من منظومة الفساد الحاكمة، خطفَ الاغتيال المئات من خيرة الشباب العراقي الناشط، ولا يزال الأمل بمحاكمة القتلة المعروفين بعيدا. فحيث يكون القضاء ممسوكا من المجرمين، لا يُرتجى حساب ولا عدالة.
يبدأ تعبيد الطريق لعمليات الاغتيال بحملات إعلامية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بهدف التشهير (إطلاق الشائعات الكاذبة والاتهام بالعمالة والتخوين..)، أي أنهم يبدأون بتحضير الخلفية التي يرونها ملائمة لتبرير جريمتهم. وحين ينفذونها تبدأ حملات التنصل منها والقول إن هناك من يرتكب هذه الاغتيالات لـ”لإساءة” إلى حزب الله والمقاومة.. مع إشهار السرور بالتخلص من معارض!
وهكذا غرّد جواد نصرالله ابن الأمين العام لحزب الله يقول “خسارة البعض هي في الحقيقة ربح ولطف غير محسوب”، خاتما بترميز “بلا أسف”! فهل بلغنا في لبنان السيناريو العراقي؟
الواقع اللبناني المتطور في أزماته لا يختلف كثيرا عن الواقع العراقي، وبنية النظام المافيوية وقواه الطائفية تتماثل مع بنية النظام العراقي وقواه، والسيطرة شبه الكاملة لأذرع نظام مافيا الملالي في طهران على المنظومة المسيطرة هي نفسها هنا وهناك، وانتفاضة أكتوبر في كل من العراق ولبنان تواجه بالقمع والعنف من هذه القوى التي هي ليست سوى أذرع لنظام الملالي المتخلف المُمجّد للقتل في طهران، والسلطة القضائية في لبنان كما في العراق ممسوكة أو معطلة.. كل ذلك يدفع إلى توقع أن يصبح الناشطون المعارضون خصوصا لحزب الله في لبنان وبالأخص من أبناء الطائفة الشيعية، في مرمى الاستهداف بعد أن طالتهم على مدى السنتين الأخيرتين سهام التشهير والتخوين والتهديد.
كان المغدور لقمان سليم قد وضع المسؤولين اللبنانيين أمام مسؤولياتهم في حمايته بعد أن تعرّض للتهديد، لكن ذلك لم يحمه من القتل. فهل نعوّل على التحقيقات الجارية في جريمة اليوم بينما لم نلمس من التحقيقات التي جرت باغتيال جو بجاني الذي اغتيل قبل أسابيع أمام بيته في الكحالة ولا بجريمة تفجير مرفأ بيروت أي جديد مفيد؟
*كاتب لبناني