بزيارته المفاجئة إلى طهران.. غريفيث يُخرج التدخل الإيراني في اليمن إلى العلن “منعطف خطير في مسار الملف اليمني”
شجعت المواقف الأميركية الأخيرة من الملف اليمني المبعوث الأممي مارتن غريفيث على “إخراج” التدخل الإيراني إلى العلن، واعتبار طهران طرفا حاسما في إنهاء الحرب اليمنية.
وتشجعت إيران بدورها إثر القرارات الأميركية الأخيرة المتعلقة بالحوثيين، وصارت تتحدث بأريحية عن وضعهم، وهو أمر لا تمارسه عادة مع أذرعها في المنطقة المتمثلة خاصة في الحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان.
واعتبرت مصادر سياسية يمنية الزيارة المفاجئة للمبعوث الأممي مارتن غريفيث إلى العاصمة الإيرانية طهران ولقاء مسؤولين إيرانيين توسيعًا لدائرة الأطراف التي ستلعب دورا مباشرا في رسم شكل التسوية النهائية للملف اليمني، إضافة إلى الاعتراف بدور طهران كطرف إقليمي فاعل في النزاع اليمني.
وعدت المصادر توقيت الزيارة التي جاءت بعد ساعات من رفع الإدارة الأميركية الحوثيين من قائمة الجماعات الإرهابية، وتعيين مبعوث أميركي خاص إلى اليمن، محاولةً أممية لاستيعاب التحولات الدولية المتسارعة تجاه الملف اليمني.
ووصف مصدر سياسي يمني زيارة غريفيث لطهران ولقاء المسؤولين الإيرانيين بشكل مباشر بالمنعطف الخطير في مسار الأزمة اليمنية، بعد أن كان المبعوث الأممي يكتفي بلقاء المسؤولين الإيرانيين في العاصمة العمانية مسقط.
وكشف بيان صادر عن مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، الأحد، عن قيام المبعوث بزيارة إلى إيران تستمر يومين يلتقي خلالها بوزير الخارجية محمد جواد ظريف وعدد من المسؤولين الإيرانيين.
وقال البيان إن الزيارة تأتي “ضمن الجهود الدبلوماسية التي يبذلها المبعوث الخاص للتوصّل إلى حلّ سياسي للنزاع في اليمن عن طريق التفاوض يلبّي تطلّعات الشعب اليمني”.
وتترافق زيارة المبعوث الأممي إلى إيران مع تفاعلات دبلوماسية متسارعة يشهدها الملف اليمني، أبرزها زيارة وفد من الاتحاد الأوروبي العاصمة اليمنية المؤقتة عدن برئاسة سفير الاتحاد الأوروبي لدى اليمن هانس غروندبرغ والتي اختتمت الأحد بعد إجراء الوفد لقاءات مكثفة مع المسؤولين في الحكومة اليمنية لمدة يومين، بمشاركة سفراء بلجيكا وألمانيا وإيرلندا وفرنسا وهولندا وفنلندا والسويد ونائب سفير النرويج لدى اليمن.
وأكد بيان رسمي في ختام زيارة الوفد على “دعم الاتحاد الأوروبي الثابت لحكومة وشعب اليمن في ظل مجاعة وشيكة”، مشددا على “الحاجة الملحة للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة لليمن بأكمله”.
ويشير الاهتمام الأممي والدولي المتزايد بالملف اليمني إلى التوجه نحو الاستفادة من التقدم في الملف الليبي عبر خطة لوضع الأطراف الداخلية على طاولة حوار مباشر، بهدف التوصل إلى تسوية سياسية تضمن مصالح الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في الملف اليمني من ضمان وجود أي دور مباشر لتلك الأطراف على الأرض. وهو ما يعزز سيناريوهات تحويل رؤية المبعوث الأممي غريفيث المعروفة باسم “الإعلان المشترك” إلى إطار عام للحل النهائي في اليمن، مع توفير ضمانات كافية لجيران اليمن بحماية أمنهم، إلى جانب الاعتراف بإيران كطرف جديد يمثل الداعم الإقليمي للميليشيات الحوثية التي استطاعت تحقيق مكاسب عسكرية في الآونة الأخيرة لتعزيز حضورها في مشاورات الحل النهائي.
وساهمت التحولات التي شهدتها مواقف الإدارة الأميركية الجديدة في اقتراب الرؤية الأميركية من الرؤية الأوروبية تجاه الملف اليمني، والتي تنطلق من زاوية الاعتراف بدور طهران الحاسم في المنطقة، في مقابل استئناف الاتفاق النووي معها.
ويرجح مراقبون أن تلعب واشنطن، عبر مبعوثها الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ، دورا متصاعدا خلال الفترة القادمة، لدعم رؤية المبعوث الأممي مارتن غريفيث لآلية وقف إطلاق النار الشامل، والبدء بالمرحلة الانتقالية، واستئناف المشاورات بين الحكومة اليمنية والحوثيين، والضغط على الأطراف اليمنية والإقليمية لتمرير “الإعلان المشترك” والشروع في جولات حوار جديدة.
وعلى الرغم من المكاسب السياسية التي حققها الحوثيون المدعومون من إيران في اليمن خلال الأيام القليلة التي شهدت وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض، من قبيل رفع اسم الحوثيين من قائمة الجماعات الإرهابية، ووقف الدعم الأميركي للتحالف العربي، لم تخف طهران قلقها من تصاعد الدور الأميركي المباشر في اليمن، بعد أن كانت واشنطن تكتفي طوال السنوات الست الماضية من الحرب بدعم مواقف حلفائها في المنطقة.
ونقلت وسائل إعلامية يمنية عن السفير الإيراني لدى حكومة صنعاء غير المعترف بها دوليا، حسن ايرلو، اتهامه واشنطن بالسعي إلى فرض وجودها السياسي والعسكري في اليمن.
ونقلت المصادر عن ايرلو قوله في تغريدة على تويتر لم يتم التثبت من مصداقيتها “أميركا الشيطان الأكبر، ولسنا متفائلين بحديث الأميركي، وبالتأكيد الإدارة الجديدة لها سياسة مختلفة عن سابقاتها وهي فرض الحضور السياسي والعسكري مباشرة في اليمن، كما حدث في كل من العراق وسوريا”.
واعتبرت مصادر سياسية يمنية هذا الموقف الإيراني محاولة لربط طهران أي تسوية في اليمن بحل خلافاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول الاتفاق النووي، انطلاقا من كونها الطرف الوحيد القادر على إجبار الحوثيين على الانخراط في أي تسوية سياسية في الملف اليمني.
وعلى الطرف الآخر بعثت السعودية التي تقود التحالف العربي في اليمن بمؤشرات على عدم استعدادها لتقديم أي تنازلات تتعلق بأمنها القومي، بما في ذلك التصدي لأي تهديدات محتملة قادمة من الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران.
وترك نائب وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، الباب مواربا أمام موقف السعودية، بعد التصريحات الأميركية المتعلقة بوقف الحرب في اليمن، والتأكيد على التزام الرياض بدعم “الشرعية” اليمنية، في إشارة وصفها مراقبون بأنها تعبير عن ثقة الحكومة السعودية في دعم خياراتها المتعلقة بأمنها القومي، بمعزل عن أي ضغوط خارجية.
وشدد نائب وزير الدفاع السعودي على استمرار الرياض في “دعمها للجهود الدبلوماسية للتوصل إلى حل سياسي شامل في اليمن وفق المرجعيات الثلاث ودعمها للشرعية اليمنية سياسياً وعسكرياً في مواجهة الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران في كل الجبهات وبكل حزم”.
استمرار التصدي للهجمات الحوثية
وترافقت التصريحات السعودية الداعمة لأي تسوية سياسية في اليمن مع الاستمرار في التصدي للهجمات الحوثية وتدمير الأهداف المعادية، بمعزل عن إعلان واشنطن وقف دعمها العسكري للتحالف العربي.
وأعلن التحالف العربي، الأحد، اعتراض وتدمير طائرة مسيرة مفخخة، أطلقتها الميليشيات، باتجاه جنوب السعودية.
وكشفت مصادر عسكرية يمنية عن تعرض محافظة مأرب، خلال الساعات الماضية، لإحدى أشد الهجمات الحوثية، ومن محاور مختلفة بالتزامن مع إطلاق عدد من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة على المدينة.
ويسعى الحوثيون لاستغلال حالة التراخي الدولية تجاه ممارساتهم وتحقيق أكبر قدر من المكاسب العسكرية قبيل الدخول في أي اتفاق لوقف إطلاق النار واستئناف المشاورات السياسية برعاية الأمم المتحدة.
واعتبر وزير الإعلام في الحكومة اليمنية معمر الأرياني أن “التراجع عن تصنيف ميليشيا الحوثي منظمة إرهابية… يرسل إشارات خاطئة إلى الحوثيين وخلفهم إيران بمواصلة نهجهم التصعيدي وجرائمهم وانتهاكاتهم بحق المدنيين”.
وأشار الأرياني في سلسلة تغريدات على تويتر إلى “أن إلغاء التصنيف سيساهم في تعقيد الأزمة اليمنية وإطالة أمد الانقلاب، ويفاقم المعاناة الإنسانية الناجمة عن الحرب التي فجرها الحوثيون، ويجعل السلام بعيدا عن متناول اليمنيين، وسيمثل هدية مجانية لنظام طهران وتعزيز سياساته التخريبية في المنطقة وتهديد المصالح الدولية”.
ويصف مراقبون يمنيون الرؤية الأممية والغربية لإنهاء الأزمة اليمنية بأنها تفتقر للواقعية السياسية، وتتسم بجهل الكثير من تعقيدات الملف اليمني السياسية والجهوية والأيديولوجية، مشيرين إلى أن فرض أي تسوية لا تضمن نزع مخالب إيران العسكرية في اليمن سيحول اليمن إلى بؤرة صراع، إضافة إلى أن مكافأة الحوثيين من خلال تمكينهم من المحافظات الشمالية ستوفر المبرر الكافي لتأجيج مطالب الانفصال لدى الجنوبيين، وتقسيم البلاد على أساس جهوي ومناطقي ومذهبي.