مأربمقالات

عن “مأرب” التي تدفع اليوم ضريبة “اتفاق استكهولم” وتجريف القضية اليمنية!

بات من المعلوم بالبداهة أن “مباحثات استكهولم” كانت بمثابة عملية إنقاذ دولية للجماعة الحوثية من انهيار عسكري متسارع كانت تواجهه حينها في الساحل الغربي، أمام زحف عسكري جديد وجاد وكاسح سيطر خلال أشهر قليلة على المناطق التي كانت تسيطر عليها من باب المندب وصولاً إلى داخل مدينة الحديدة. 

كان هذا التقدم العسكري مفتوحاً على الحديدة وما بعدها إلى كامل الساحل الغربي.. ما كان سيؤدي عفوياً إلى عزل الجماعة الحوثية، وفرض الحصار البحري عليها، وعلى الأسلحة التي تأتيها من إيران، بجانب تجريدها من أهم مواردها المالية متمثلة بموارد الموانئ الغربية. 

قد لا نفهم بالضبط دوافع بعض كبار أعضاء المجتمع الدولي، ونواياهم تجاه اليمن، لكن هذا ما حدث: تدخلت بريطانيا بشكل خاص بسرعة وبقوة وبكل ثقلها الدولي والإقليمي، لوضع حد لتقدم المقاومة في الساحل الغربي، وتجنيب الجماعة الحوثية مثل هذا المصير.! 

قبيل ذلك: كانت الشرعية غارقة كعهدها منذ سنوات في العجز والفشل والفساد والإحباط والتشظيات الداخلية.. في حين كان الانقلاب الحوثي مصرا كعادته على تحكيم السلاح، ومواصلة تمدداته العسكرية المتتابعة، بينما الأمم المتحدة قد وصلت إلى جدار مسدود بشأن جمع الأطراف المتحاربة على طاولة الحوار، من أجل تفاهمات تفضي إلى حلول سلمية. 

المقاومة في الساحل الغربي كانت الرقم الجديد الذي غير هذه المعادلة المحبطة، على حساب الجماعة الحوثية التي اضطرت على غير عادتها لرفع الراية البيضاء للأمم المتحدة من أجل الحوار؛ لكسب الوقت وتدارك ما يمكن تداركه من خلال المفاوضات. 

الأمم المتحدة من جهتها اعتبرتها فرصة لإثبات حضورها العقيم، بينما “الشرعية” -التي كان في صالحها أن يستمر هذا التقدم العسكري المجاني بالنسبة لها- سارعت وفق حسابات عجيبة. للانخراط في المباحثات التي تم تدشينها في استكهولم لهذا الغرض الذي يتم على حسابها.! 

في المحصلة: تمخضت تلك المباحثات عن اتفاق وقرار أممي جديد. يومها خرج الطرفان: الشرعية والحوثي يحتفلان بهذه النتيجة، وكل منهما يفسرها كنصر استراتيجي لصالحه، ويتحدث عنها كما لو أن له نسخة مختلفة منها.! 

لكننا نعرف اليوم من كان الرابح والخاسر في تلك الجولة. نعرف أن الغرض من تلك الاتفاقية وذلك القرار هو فقط: وضع صيغة شرعية لسيطرة الحوثي على الساحل الغربي، والأهم هو تكبيل المقاومة هناك، ووضع حد لتقدمها العسكري. فضلا عن كون القرار الأممي رقم: 2451 “قد” يتضمن نسفاً للقرارات الأممية السابقة ذات العلاقة. 

ومع ذلك. ورغم كل شيء. الشرعية لا الحوثي، هي المتمسكة بذلك الاتفاق الكارثي الذي يبدو أنها فهمت منه أنه يطال أيضاً مختلف الجبهات العسكرية التابعة لها. بالشكل الذي تشاهد فيه اليوم مأرب على وشك السقوط دون أن تحاول تخفيف الضغط عنها بفتح معارك من جهتها.! 

الحوثي على العكس. كما كان متوقعا. قضى غرضه من تلك المباحثات ثم ضرب بنتائجها عرض الحائط. وكما يحدث الآن: الجماعة الحوثية تحشد مقاتليها من كل الجبهات من أجل جبهة مارب. في معركة تعتبرها معركتها المصيرية.! 

قد يقول بعضهم إن الشرعية أيضا تحشد مقاتليها أيضا إلى هذه الجبهة، لكن الواقع أن قبائل مأرب هي التي تقاتل لوحدها تقريبا، كما كانت تفعل طوال السنوات الماضية، وما كانت لتواجه هذه الظروف العصيبة لو أن الشرعية فتحت بقية الجبهات المهترئة. 

ثمّ إن الحرب هي في الأصل من أجل تحرير صنعاء لا محاولة بائسة للدفاع عن مأرب، ضمن قضية جوهرية تتمثل بإسقاط الانقلاب، لا كما أصبحت عليه منذ اتفاق استكهولم على الأقل، مهادنة الحوثي وفتح معارك ضد الانتقالي والمقاومة الغربية.. والإمارات والسعودية.. وكل ما من شأنه إضعاف الصف الوطني وتحريف وتجريف القضية اليمنية حتى العظم.! 

زر الذهاب إلى الأعلى