حراك دبلوماسي حول السلام في اليمن دون خارطة طريق والحوثيون ينقلون ملف التفاوض إلى طهران

وضوح الرغبة الأممية والدولية في إيجاد مخرج سلمي للأزمة اليمنية لا يرافقه وضوح مماثل في تفاصيل الحلّ الذي يراد فرضه والأسس التي سيقوم عليها، ما يجعل الحراك السياسي والدبلوماسي الجاري حاليا بشأن الملف اليمني يتّسم بالعمومية والغموض، وتحفّ به الشكوك في إمكانية توصّله إلى نتائج عملية ملموسة في أمد منظور. 

وبدأ وزير الخارجية في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا أحمد عوض بن مبارك الثلاثاء جولة خليجية افتتحها بزيارة العاصمة الإماراتية أبوظبي، ويُتوقّع أن يزور خلالها العاصمة القطرية الدوحة في أول زيارة معلنة لمسؤول يمني منذ إنهاء مشاركة قطر في التحالف العربي منتصف العام 2017. 

وتأتي جولة الوزير اليمني الخليجية بالتزامن مع حراك سياسي دولي وإقليمي غير مسبوق على صلة بالجهود التي يبذلها المبعوثان الأممي والأميركي إلى اليمن اللذان يتواجدان في العاصمة السعودية الرياض لاستكمال ما تقول المصادر إنّه “وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق شامل لوقف إطلاق النار في اليمن استنادا إلى مبادرة المبعوث الأممي مارتن غريفيث المعروفة بالإعلان المشترك والتي تحظى بدعم واسع من واشنطن ولندن والاتحاد الأوروبي”. 

والتقى بن مبارك غريفيث في الرياض بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء اليمنية الرسمية التي قالت إنّ اللقاء تطرق لجهود الأمم المتحدة لإحلال السلام في اليمن والتصعيد الحوثي الأخير في محافظة مأرب. 

ونقلت الوكالة عن الوزير اليمني تأكيده على “التزام الحكومة اليمنية بمواصلة انخراطها الإيجابي في جهود إحلال السلام الشامل والمستدام في اليمن”، وتشكيكها في ذات الوقت بجدية الميليشيات الحوثية في تحقيق السلام، وهو الخطاب الذي تنتهجه الحكومة اليمنية في مساعيها لامتصاص حالة الاندفاع الأممي والدولي نحو فرض تسوية سياسية للأزمة اليمنية لا ترى “الشرعية” اليمنية أنها ضمن القاموس السياسي للجماعة الحوثية التي صعّدت من هجماتها على الأراضي السعودية ومن حربها على جبهة محافظة مأرب. 

كما التقى وزير الخارجية اليمني المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ الثلاثاء في العاصمة السعودية وبحث معه مستجدات الأوضاع في اليمن و”مخاطر التصعيد الحوثي في مأرب على عملية السلام”. 

ويتصدر الهجوم الحوثي العنيف على المحافظة الواقعة شرقي العاصمة اليمنية صنعاء الأولوية في النقاشات بين الحكومة اليمنية وسفراء الدول المعنية بالملف اليمني. وفي تصريح لـ”العرب” اعتبر الباحث السياسي اليمني فارس البيل أن انتعاش ملف الأزمة اليمنية سياسيا مع تسليط الضوء الأميركي عليها بشكل لافت مؤخرا، أدى إلى تحريك عجلات الدبلوماسية من الخارج تجاه اليمن ومن اليمن إلى الخارج. 

ولفت البيل إلى أن ملامح تلك التحركات لا توحي بوجود رؤية ناجزة للحل الشامل في اليمن، إذ لا تحمل التحركات الأممية والدولية أي وصفة للتعامل مع تعقيدات الملف اليمني سوى التأكيد على ضرورة التوصل إلى تسوية ما في ظل غياب حقيقي لأي رؤية موضوعية وفاعلة لهذه التسوية وطرق إنهاء الحرب. 

وأضاف “حتى الآن لا توجد خارطة واضحة للحل مع تخلي الوساطات الدولية عن حيثيات القرارات الأممية التي كانت تتضمن بذور الحل أو تصورات أولية له. ولذلك لا نتصور أن هذه التحركات ستفضي إلى خطوات متقدمة على الأقل، إذ تبدو عاجزة عن التوصيف الحقيقي للمشكلة اليمنية من جهة، ومن جهة أخرى عاجزة عن الضغط على ميليشيا الحوثي لتقريبها من السلام باستثناء الضغط السهل على الشرعية. وستبقى هذه التحركات مراوحة في أروقتها الدبلوماسية ما لم تتم صياغة رؤية لحل طويل الأمد يضمن سد كل فجوات الصراع المحتملة مستقبلا، والبداية من علاقة إيران بميليشيا الحوثي في اليمن”. 

ولعل الأسوأ في رأي البيل “أن تتحول هذه المرحلة الدبلوماسية إلى مجرد مظلة لا تنتج حلا سياسيا فاعلا ولا تسمح بضغوط عسكرية، فتزيد معاناة الناس وتتعقد الحلول على الأرض فلا هي تقدّم حلا سياسيا ولا هي تترك الحلّ العسكري يأخذ مداه”. 

وكشفت مصادر دبلوماسية لـ”العرب” أن الحوثيين نقلوا دائرة التأثير في ملف التفاوض من العاصمة العمانية مسقط التي كانت طوال السنوات الماضية تلعب دور الميسّر للمفاوضات بين الحوثيين والمجتمع الإقليمي والدولي إلى العاصمة الإيرانية طهران التي تصاعدت منها تصريحات المسؤولين الإيرانيين في الآونة الأخيرة وخصوصا منذ زيارة المبعوث الأممي إلى اليمن لها، حيث بدأت طهران في التلويح علنا بورقة الحوثيين في ملف مفاوضاتها مع واشنطن والاتحاد الأوروبي حول الاتفاق النووي. 

وواصلت إيران على لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف إطلاق التصريحات المتعلقة بشروط الحل في اليمن، ونقلت مصادر إعلامية عنه الثلاثاء تأكيده على “أن المساعي لحل الأزمة اليمنية مستمرة”، وفق النظرة الأحادية لطهران والحوثيين التي تعتبر أن الحرب في اليمن يمكن أن تتوقف في حال “توقف إطلاق النار ورُفع الحصار عن الشعب اليمني لحل أزمته الإنسانية” بحسب وزير الخارجية الإيراني. 

وفي سياق التحولات المتسارعة في الملف اليمني أشارت مصادر سياسية لـ”العرب” إلى تصاعد الحديث في بعض المحافل الدولية حول صيغة قرار جديد عن مجلس الأمن يمهد لتسوية سياسية قائمة على مبادرة الإعلان المشترك تكون بديلا عن كافة القرارات السابقة الصادرة عن مجلس الأمن وفي مقدمتها القرار 2216 الذي يعتبره الحوثيون أحد عوائق التوصل للتسوية نتيجة تشبث الحكومة اليمنية به كأحد المراجع الضرورية للحل النهائي في اليمن. 

ويؤكد مراقبون أنّ جماعة الحوثي ومن ورائها النظام الإيراني تسعى لاستغلال حالة الارتباك في المواقف الأميركية ورغبة الإدارة الجديدة في واشنطن بتحقيق أي اختراق دبلوماسي في المنطقة وخصوصا في حرب اليمن بوصفها “كارثة إنسانية” وتفعيل الاتفاق النووي الذي انسحبت منه إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. 

وأغرى القرار الأميركي بشطب الحوثيين من قائمة المنظّمات الإرهابية الجماعة بوضع اشتراطات جديدة دون تقديم أي تنازلات مماثلة، من قبيل دعواتهم المستمرة لوقف عمليات التحالف العربي وإعادة فتح مطار صنعاء وإلغاء القرارات الأممية ذات الصلة بالملف اليمني التي صدرت في أعقاب انقلابهم، وهي الاشتراطات التي تترافق مع موجة من التصعيد العسكري سواء عبر استهداف الأراضي السعودية بالطائرات المسيرة المفخخة أو شن الهجوم على محافظة مأرب التي يأمل الحوثيون في السيطرة عليها قبيل الدخول في أي حوار يحرصون على ألّا يتضمن إلزامهم بالتخلي عن أي من مكاسبهم العسكرية والسياسية التي راكموها في الأعوام الأخيرة. 

Exit mobile version