يتزايد الشعور لدى القسم الأكبر من اليمنيين بأن مواقف المجتمع الدولي والأمم المتحدة إزاء قضيتهم يكتنفها التناقض والانحياز وانعدام المنطق السياسي والكيل بمكاييل عديدة.
ولا يبدو الأمر ضربا من المبالغة أو الانحياز لنظرية المؤامرة، فهناك سلسلة طويلة من الشواهد تؤكد أن الإدارة الأميركية الجديدة انضمت إلى الاتحاد الأوروبي في رؤيته التي تفتقر لمنهج العدالة والإنصاف، وتم تجاهل المعايير والقرارات الأممية التي يفترض أنها حدّدت أسباب وخلفيات الأزمة اليمنية وملامح حلها القائمة على إنهاء مظاهر الانقلاب الحوثي وما ترتّب عليه من آثار.
وعزز قرار الإدارة الأميركية الجديدة بشطب الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية من مخاوف اليمنيين وفاقم من شكوكهم وعدم ثقتهم بالمجتمع الدولي، حيث تزامن هذا القرار مع تصعيد حوثي غير مسبوق، سواء من خلال مهاجمة السعودية بالطائرات المفخخة والصواريخ أو شنّ هجوم شرس على محافظة مأرب التي تحتضن ما يقارب الثلاثة مليون نازح من الفارين من جحيم الميليشيات الحوثية وقمعها وأساليب تنكيلها بالمعارضين والمحايدين على حد سواء.
وساق الكثير من اليمنيين على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية العديد من الشواهد التي تؤكد انحياز المجتمع الدولي والأمم المتحدة، في سياق مقارنتهم بين مواقف تلك الدول أثناء معركة الساحل الغربي والاقتراب من تحرير ميناء الحديدة، ومواقفها اليوم حيال الهجوم على مأرب، حيث تعالى صوت المجتمع الدولي والأمم المتحدة ووضعت الخطوط الحمراء التي أفضت إلى تجميد معركة الحديدة ومنع استكمال تحرير الميناء الاستراتيجي، الذي كان تحريره كفيلا بالضغط على الحوثيين وإنهاء الحرب وتسريع المسار السياسي.
وبينما تتجاهل الدول الغربية الفاعلة في الملف اليمني الكثير من الحقائق المرتبطة بالملف اليمني، بل وتقفز على المنطق السياسي في أحيان كثيرة، تواصل تلك الدول مطالبتها بضرورة وقف الحرب والدخول في مشاورات سياسية، وهي الدعوات التي تبدو نوعا من الرومانسية السياسية الزائدة، والجهل الفادح بخلفيات الصراع وأسباب الحرب وطبيعة تكوين الحوثيين كميليشيات أيديولوجية لا تؤمن بالحلول السياسية ولا تنصاع للضغوط، وتعتبر الحديث عن “السلام” خدعة مشروعة لالتقاط الأنفاس وإعادة تلقيم مدافع الحرب.
لذلك لم يتعامل معظم اليمنيين أو العارفين بحقيقة الصراع في اليمن بجدية وثقة مع التصريحات المثالية للمسؤولين الدوليين والأمميين التي لا تقوم على جهل صارخ بالحقائق فحسب، بقدر ما هي محاولة لفرض الانقلاب ونتائجه كأمر واقع، بهدف تحقيق غايات سياسية تتجاوز حتى الأزمة اليمنية، وربما يؤكد على ذلك تاريخ الفشل الذريع الذي لازم كل المحاولات لإحلال السلام في اليمن خلال السنوات الست الماضية، حيث يستذكر اليمنيون في هذا المجال ثلاث تجارب رئيسية كان المجتمع الدولي والأمم المتحدة حاضران فيها بقوة، وأول تلك التجارب الفاشلة مرتبط ارتباطا وثيقا بالأمم المتحدة ومبعوثها الأسبق إلى اليمن جمال بنعمر، الذي أشرف على التوقيع على “اتفاق السلم والشراكة” بين الحكومة اليمنية والحوثيين عشية الانقلاب الحوثي في 21 سبتمبر 2014، وهو الاتفاق الذي شرعن للانقلاب، ليتضح لاحقا أن بنعمر كان يسعى فعليا إلى إسداء خدمة مجانية كبرى للحوثيين، الذين أشاد بهم في مقال قبل أيام وهاجم خصومهم بلغة تفتقر للدبلوماسية وتؤكد ما كان يدور في خلد اليمنيين، حول الانحياز الأممي.
أما التجربة الفاشلة الأخرى في الرهان على إحراز سلام مع الحوثيين، فقد تمثلت في مئة يوم من المشاورات التي استضافتها دولة الكويت برعاية الأمم المتحدة في العام 2016، وفشلت في آخر لحظة قبل التوقيع على مخرجاتها، كما أكد المبعوث الأممي السابق إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد في إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي، أشار فيها إلى تعنّت الحوثيين وتراجعهم عن توقيع الاتفاق في الدقائق الأخيرة، وأنه بات متأكدا من أنهم غير مستعدين للسلام.
أما التجربة الثالثة، والتي مازالت مستمرة حتى يومنا، فهي تجربة المبعوث الأممي الحالي إلى اليمن مارتن غريفيث الذي ارتبط اسمه بالفشل في تنفيذ أي من بنود اتفاق ستوكهولم بين الحكومة اليمنية والحوثيين الذي مضى على توقيعه أكثر من عامين، ولم يتحقق منه على الأرض إلا ما يصب في خدمة الميليشيات الحوثية وفي مقدمة ذلك تقييد قوات المقاومة المشتركة في الساحل الغربي بهدنة من جانب واحد فقط، وتبادل دفعة من الأسرى تم فيها إطلاق العشرات من المقاتلين الحوثيين مقابل العشرات من الناشطين والصحافيين والمدنيين الذين اعتقلهم الحوثي لهذا الغرض.
واليوم وفي ذروة التصعيد الحوثي باتجاه مأرب وإطلاق الصواريخ على المدنيين في المدينة واستهداف الأراضي السعودية، ومنع فرق الصيانة من الوصول إلى ناقلة النفط “صافر” التي تهدد بكارثة بيئية في البحر الأحمر، واستمرار الانتهاكات الحوثية بحق المدنيين، وهي كلّها أمور لا ينكرها المجتمع الدولي، تتصاعد الدعوات إلى المطالبة بإحلال السلام مع الحوثيين باعتباره الطريق الوحيد لمعالجة الأزمة اليمنية، في ظل تجاهل تام للكثير من الحقائق والشواهد على الأرض، ومنها أن الحوثي الذي رفض السلام وهو في أضعف حالاته، لا يمكن أن يقدم أي تنازلات وهو يشعر اليوم بنشوة النصر ويتطلع إلى حصد المكاسب السياسية والعسكرية، جراء التخاذل الدولي والتواطؤ الأممي والارتباك الأميركي، الأمر الذي لا يدع مجالا للشك في أن هذه المواقف الدولية والأممية مجرد محاولة لتمكين الحوثي، وإجبار اليمنيين أو القسم الأكبر منهم على القبول بحكم جماعة عنصرية سلالية تنظر إليهم كمواطنين من الدرجة العاشرة وتستبيح أموالهم ودماءهم، ليبدو المشهد كأنه مكافأة لهذه الجماعة على ست سنوات من الانتهاكات والتنكيل وتفجير المنازل والاختطافات وتجنيد الأطفال والتعذيب وزرع الألغام وتكميم الأفواه.
وأمام كل هذه التناقضات والرسائل الخاطئة تتصاعد مشاعر اليمنيين السلبية تجاه الجهود التي تبدو في ظاهرها بأنها مسعى لإنهاء معاناتهم، بينما هي في الحقيقة تؤسس لعقود قادمة من الصراعات السياسية والطائفية والجهوية، فلن يقبل اليمنيون في نهاية المطاف حلولا لا تحفظ كرامتهم ولا تجعلهم يشعرون بالمساواة في وطنهم الذي اختطفته ميليشيات أكثر سوءا من تلك التي يزعم العالم المتحضر مناهضته لها.
وفي المحصلة تبدو رسالة العالم لليمنيين: تحولوا إلى ميليشيات حتى نتعامل مع مطالبكم، ونرفع العقوبات عنكم ونكرّس سياساتكم الإقصائية!