قال مركز الإمارات للسياسيات، إن مليشيا الحوثي تسعى من وراء هجومها الكبير على محافظة مأرب، في هذا التوقيت، إلى استثمار المناخات المُتغيِّرة في المواقف الغربية وتحفيزها على إثبات حُسن النَّوايا.
وأشار المركز في تقرير حديث، إلى أن التصعيد الذي يعد الأكبر يأتي مباشرةً بعد إعلان الولايات المتحدة شطب الحوثيين من قوائم المنظمات الإرهابية الأجنبية، وبالتزامن مع حراك ديبلوماسي بقيادة واشنطن ودعوات أوروبية أممية متكررة لوقف التصعيد العسكري والذهاب نحو حل سياسي شامل للأزمة اليمنية.
وأبان أن جماعة الحوثيين، اشترطت أولاً إعلان وقف الغارات الجوية وفك الحصار المفروض عليهم، بما في ذلك رفع الحظر عن مطار صنعاء الدولي أمام الرحلات التجارية، وإلغاء القيود على دخول سفن المشتقات النفطية، فضلاً عن إجراءات بناء الثقة الأخرى.
وأشار إلى تكرار الجماعة تأكيد أنَّه “لا معنى لأي تصريحات مهما كانت إيجابية”، دون خطوات عملية على الأرض، لا تُشكِّك في جِدِّية تلك المواقف فحسب، وإنما أيضاً تستحثُّها لممارسة مزيد من الضغوط على التحالف العربي.
ونوه التقرير إلى أنَّ هناك ارتفاعا واضحا في سقف مطالبهم (الحوثيون)؛ فهم يضغطون عسكرياً في مأرب وباتجاه السعودية في استعراض واضح للقوة، وذلك للتَّلويح بأنَّهم باتوا في وضعٍ مُريح يستطيعون معه وَضْع شروط التفاوض، وليسوا في عجلة من أمرهم إن لم يتم القبول باشتراطاتهم.
ووفق المركز فإن المليشيا تريد توجيه رسائل للتحالف العربي بقيادة السعودية مفادها أنَّه ليس وارداً في حسابات الجماعة تقديم تنازلات من أي نوع، وبأنَّها ماضية في تعزيز نفوذها والتَّوسُّع داخل البلاد، لا سيما باتِّجاه مارب، لما لها من أهمية خاصة لدى السعودية.
ويشير تكثيف الحوثيين للهجمات علي المملكة، بالطيران المُسيَّر والصواريخ الباليستية، بالتزامن مع استئناف هجومهم على مارب، إلى أنَّهم يهدفون إلى الضغط على الرياض لجعلها أكثر تَحمُّساً لخطة وقف إطلاق النار، وأيضا تحقيق هدف استراتيجي في حربهم معها، وهو تحييد طيرانها عن إسناد القوات الحكومية ورجال القبائل، خاصةً أنَّه يلعب دوراً كبيراً في وقف زُحوفات المقاتلين الحوثيين للسيطرة على المدينة النفطية.
ومن شأن سيطرة الحوثيين على مارب (في حال تمَّت) توجيه ضربة قاصمة لحكومة الرئيس هادي وتحالفاتها، فضلاً عن كونها تُتيح للحوثيين تحسين شروطهم التفاوضية وفرض إملاءاتهم على أي صيغة للحل السياسي، وتُمكِّنُهُم كذلك من وضع يدهم على جزء مهم من نفط وغاز البلاد.
ولفت مركز الإمارات للسياسات إلى أن تصعيد الحوثيين باتجاه مأرب يضيق الخناق على خصوم الجماعة المحليِّين في الحكومة الشرعية وحلفائها؛ ويستنفد طاقاتهم ويرهق مجهودهم الحربي، بالنَّظر للأهمية التي تكتسبها مارب كآخر معاقل الشَّرعية في الشمال ومركز ثقل عسكري واجتماعي لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن (حزب الإصلاح)، ومُنطلق لتهديد صنعاء.
ونبه إلى أن التصعيد العسكري بمأرب يضع حياة أكثر من مليوني نسمة على المحك، وينذر بحدوث موجة نزوح قد تكون الأكبر منذ تفجر النزاع في اليمن، لا سيما أن مارب تضم عشرات المخيمات، وشكَّلت ملاذاً لمئات الآلاف من النازحين الذين شرَّدهم الحوثيون من المناطق التي أخضعوها لسلطتهم في السابق.
الأجندة الإيرانية جزء من التصعيد
ولفت التقرير إلى أن الأجندة الإيرانية جزء من دوافع تصعيد الحوثي، حيث يعمل الأخير على تقديم تطمينات للحليف الإيراني وما يُسمَّى “محور الممانعة”؛ ولا سيما في هذا التوقيت الذي يشهد حراكاً ديبلوماسياً غربياً وتجاوباً ودعماً خليجياً لوقف الحرب والتوصُّل لتسوية سياسية شاملة، تُراعي الحد الأدنى من تطلُّعات اليمنيين وبالتشاور مع مختلف الأطراف الفاعلة.
وقال في هذا السياق، إن قادة الجماعة ينجرون، للاستمرار في لعب دور “الوكيل”، ذلك أنَّ هذا الظَّرف الذي فيه قد تفترق المصالح (في حال قبولهم بالسلام بمَعزَل عن ملفات إيران الشائكة) يُمثِّل امتحاناً وفرصة ليبرهن الحوثيون لطهران تقديمهم أولوياتها ومشروعها الأوسع على حساب مصالحهم وطموحاتهم المحدودة، فضلاً عن مصالح الشعب اليمني.
وممَّا يُدلِّل على ذلك حِرْصُ قادة الحوثيين على التَّناغُم مع منطِق السفير الإيراني المُعيَّن مؤخراً لدى الجماعة، حسن إيرلو، والذي اعتبر أنَّ التَّغيُّر الجديد في السياسة الأمريكية بشأن الأزمة اليمنية “سببه سعي الولايات المتحدة لفرض وجود عسكري، وحضور سياسي بشكل مباشر” في اليمن.
السيناريوهات المحتملة
يقول مركز الإمارات للسياسات إن هناك سيناريوهين محتملين للتصعيد العسكري في مارب، أحدهما حَسْم الحوثيين المعركة لصالحهم، والثاني استمرار التصعيد مع تفاوُت وتيرته من وقتٍ لآخر ومن دون إحداث تغيير حاسم في خريطة السيطرة، وهو سيناريو المراوحة.
ورجح أن النزعة الإيرانية لربط الصراع اليمني بملفاتها المتعثرة قد تكون وحدها كفيلة بجعل الحوثيين يرفعون وتيرة تصعيدهم ويُلقون بكامل ثقلهم في محاولة لحسم المعركة لصالحهم.
ويمكن أن يتحقَّق سيناريو كهذا –يقول المركز- في حالاتٍ منها ضعف الخطط الدفاعية لمناهضي الحوثيين، وقدرة الأخيرين على إحداث اختلالات في صفوف خصومهم أو الاستفادة منها ومفاقمتها، بما في ذلك توجيه ضربات قوية لمراكز قيادة عملياتهم وتكتلاتهم، وقطع خطوط الإمداد الرئيسة عنهم جنوبي مارب أو شمالها الشرقي، وتوقُّف الإسناد الجوي من قِبَل قوات التحالف.
أما السيناريو الثاني –وفق التقرير- فهو استمرار التصعيد مع تفاوُت وتيرته من وقتٍ لآخر دون إحداث تغيير حقيقي في خريطة السيطرة على الأرض.
وقال إن تحقيق هذا السيناريو يقتضي تماسُك خصوم جماعة الحوثي واستماتتهم في الدفاع عن المدينة، وتكثيف الطيران السعودي ضرباته الجوية، والمراهنة على عنصر الوقت لاستنزاف مقاتلي الجماعة واستنفاد معنوياتهم وكبح اندفاعتهم.
وخلص مركز الإمارات للسياسات إلى القول إن المعطيات المتوافرة تشير إلى أن فرص تحقُّق السيناريو الثاني هي الأعلى في المدى القريب. فعلى الرغم من أهمية الحسم العسكري في معركة مارب، لكونها فاصلة ومصيرية بالنسبة لكل الأطراف، إلاَّ أن ذلك هو نفسه ما قد يؤخِّر الحسم عسكرياً فيها ويجعله في المرتبة الثانية.