طالبت الجالية الإثيوبية في صنعاء، الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي الانقلابية، المدعوة من ايران بتحقيق دولي في المحرقة التي راح ضحيتها المئات من المهاجرين الأفارقة، في أحد مراكز الاحتجاز في صنعاء.
ونظمت الجالية الإثيوبية مؤتمراً صحفياً، السبت، تحدث فيه رئيس الجالية الإثيوبية في صنعاء، عثمان جلتو، عن تطورات ومستجدات جريمة المحرقة التي تعرض لها المهاجرون من أبناء الجالية الإثيوبية في مركز احتجاز غير شرعي تابع لمليشيا الحوثي الانقلابية في صنعاء، الأحد الماضي.
وطالب عثمان جلتو، خلال المؤتمر الصحفي، بتحقيق دولي في الحادثة، محملاً السلطات التابعة للمليشيات في صنعاء، والمنظمات الدولية، مسؤولية الحادث المروع.
وجاء انعقاد المؤتمر الصحفي بعد يوم واحد من قيام مليشيا الحوثي بدفن جثامين العشرات من الضحايا الإثيوبيين، الذين قضوا في محرقة مركز إيواء المهاجرين، دون استكمال التحقيقات في الحادثة.
وقالت جماعة الحوثي أنه تم تشييع 43 مهاجراً، يوم الجمعة، بحضور قيادات في الميليشيا وجمع غفير من قيادة وأعضاء الجالية الإثيوبية والجاليات الإفريقية الموجودة في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
وتشير المعلومات إلى أن المليشيا كانت قد أقدمت على دفن عشرات الجثامين لضحايا المحرقة قبل الشروع في عملية التحقيق وكشف أسباب الجريمة، التي أودت بقتل وإصابة المئات من المهاجرين.
وقالت مصادر مُطلعة، إن مليشيا الحوثي كانت قد ضغطت على رئيس الجالية الإثيوبية لحضور مراسم التشييع، وإصدار بيان موقع من رؤساء الجاليات الإثيوبية والصومالية والجيبوتية والإريترية والسودانية، يحمل منظمة الهجرة الدولية مسؤولية المحرقة، في حين أن ضحايا المحرقة معظمهم إثيوبيون وعدد من الصوماليين.
وأوضحت المصادر، أن مليشيا الحوثي سمحت لرئيس الجالية الإثيوبية بعقد مؤتمر صحفي لتكرار ما جاء في البيان المشترك للجاليات لتبرئة ساحة المليشيات، غير أن رئيس الجالية خرج عن النص تحت ضغط أسئلة الصحفيين خلال المؤتمر، الذي عقده، أمس السبت، ليطالب بتحقيق دولي.
وفي السياق، كان قد كشف بعض الناجين من هذه المحرقة عن ضلوع مليشيا الحوثي في هذه الجريمة، مؤكدين أن المحتجزين الذي يقدر عددهم بالمئات، احتجوا على نقص وسوء وجبات التغذية المقدمة لهم، غير أن المليشيا الحوثية أطلقت قنابل حارقة ومسيلة للدموع لإخماد الاحتجاجات، الأمر الذي أدى إلى اندلاع حريق في مبنى مركز الاحتجاز المكتظ، الكائن بمقر مصلحة الهجرة والجوازات في صنعاء.
وكشفت تقارير إعلامية، أن مليشيا الحوثي أجبرت المئات من الأفارقة من جنسيات متعددة، مثل إثيوبيا والصومال وغيرهم على المشاركة في قتالها، مشددةً على أن المليشيات الحوثية دفنت القتلى الذين احترقوا مؤخراً في مركز الاحتجاز بصنعاء بإحدى المقابر المُستحدثة بشكل جماعي، في ظل تكتيم ومحاولات للتغطية على الجريمة.
إلى ذلك بعث رئيس الوزراء، اليمني في الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا والمقيمة في عدن معين عبدالملك، رسالة إلى نظيره الإثيوبي، آبي أحمد، بشأن الجريمة التي ارتكبتها ميليشيا الحوثي بحق المحتجزين الإثيوبيين في سجن الجوازات بصنعاء، في حين التقى القائم بأعمال السفارة اليمنية في أديس أبابا، السفير يحيى الإرياني، الجمعة، رئيس دائرة الشرق الأوسط في الخارجية الإثيوبية، أسايي ديجني، وسلمه الرسالة، بحسب وكالة الأنباء اليمنية (سبأ).
وقدم السفير اليمني الإرياني للمسؤول الإثيوبي شرحاً كاملاً حول الجريمة، مؤكداً مسؤولية “عصابة صنعاء الانقلابية عن جريمة الإحراق بشهادة مواطنين إثيوبيين ناجين من الحريق الذي ارتكبته الميليشيا دون مراعاة للإنسانية والقوانين الدولية”.
إلى ذلك، بعث وزير الخارجية وشئون المغتربين، في الحكومة اليمنية بعدن أحمد عوض بن مبارك، أمس، رسالة إلى جميع السفارات والبعثات الدبلوماسية اليمنية، حذر فيها من رسالة مزورة بعثت بها مليشيا الحوثي للأمم المتحدة، تحمل شعار الوزارة، في مسعى منها لتضليل الرأي العام العالمي حول أحداث محرقة المهاجرين الأفارقة، التي وقعت الأحد الماضي في صنعاء.
ولفت وزير الخارجية، إلى أن جميع المعلومات الصادرة عن الخارجية اليمنية إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، سيتم نشرها فقط من خلال البعثة الدائمة لليمن في الأمم المتحدة.
وقالت وزارة الخارجية اليمنية في الحكومة المعترف بها، إن “ميليشيا الحوثي تسببت بالمحرقة التي أودت بحياة أكثر من 170 مهاجراً إثيوبياً ممن رفضوا الانصياع لأوامر هذه المليشيات لتحشيدهم في جبهات القتال في مأرب”.
وأشارت، في بيان لها، إلى أن الميليشيا “تمنع حتى هذه اللحظة المنظمات الدولية المختصة من الوصول إلى مكان الجريمة”.
واتهمت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان مليشيا الحوثي بـ “التسبب بمقتل وإصابة العشرات عقب اندلاع حريق مميت في مركز احتجاز مكتظ بالمهاجرين واللاجئين الأفارقة بصنعاء، في 7 مارس/ آذار 2021”.
وقالت، في تقرير صدر عنها الأربعاء، إنه ومنذ اندلاع الحريق، لازالت جماعة أنصار الله (الحوثيين) تحتجز عدداً من المهاجرين الجرحى، كما منعت وصول المساعدات الإنسانية، ومنعت أفراد أسر المهاجرين من زيارتهم.
ونقل تقرير “مواطنة” عن أحد المهاجرين الذين تم احتجازهم في المنشأة، قوله، إن “جماعة أنصار الله (الحوثيين)، بالإضافة إلى احتجاز المهاجرين في ظروف مروعة، كانت تبتزهم أيضاً، وتطالب برسوم مقابل الإفراج عنهم”، مضيفاً: “أن هذه الممارسة قد تزايدت منذ أوائل فبراير/ شباط 2021”.
وقال: “دفع بعضهم أموالاً وتم إطلاق سراحهم بالفعل، لكن معظمنا لم يكن لديه أي نقود لدفعها. مكثت 15 شهراً في مركز الاحتجاز هذا حتى اندلع الحريق”.
وطبقا لتقرير “مواطنة”: في حوالي الساعة 1:00 ظهراً، حاول رجال مسلحون من جماعة أنصار الله (الحوثيين) إنهاء إضراب المهاجرين عن الطعام بالقوة. اندلع عراك بالأيدي بين بعض المهاجرين ومسلحي أنصار الله (الحوثيين). قال شهود عيان إن قوات أنصار الله (الحوثيين) بدأت بعد فترة وجيزة بإطلاق الرصاص في الهواء. جاءت قوات إضافية تابعة لأنصار الله (الحوثيين)”.
وقال شهود لـ “مواطنة”، إن عناصر الحوثيين أغلقوا باب العنبر، وبدأوا بإطلاق المقذوفات من خلال نوافذ العنبر، والتي لم يتمكن الشهود من التعرف على ماهيتها. وصف الشهود تصاعد الكثير من الدخان والأصوات العالية. تسببت المقذوفات في نشوب حريق انتشر بسرعة.
ووصف أحد الناجين ما حدث قائلاً: “ثم جاءت قوات مكافحة الشغب. صعد أحد الحراس على السلم وسمعتهم يقولون “جاهز”. بدأوا في إلقاء مقذوفات ينبعث منها الدخان من النوافذ العلوية للعنبر. لم نسمع سوى أصوات انفجارات ودخان كثيف”.
وتابع: “حاولنا الهروب لكن أبواب العنبر كانت مقفلة وكنا مكتظين بالداخل. كنت أسمع أصوات الانفجارات وأصوات أصدقائي يتأوهون… لكني لم أستطع مساعدة أحد”.
وبعد الحادثة، دعت منظمة الهجرة الدولية، ميلشيا الحوثي، إلى السماح للعاملين الصحيين والإنسانيين بالوصول إلى المهاجرين المصابين في الحريق.
وكانت منظمة الهجرة الدولية، في بيان يوم الاثنين، قالت إنها “تواجه تحديات في الوصول إلى الجرحى بسبب الوجود الأمني المتزايد في المستشفيات”.
وأضافت المنظمة، أن “العدد الإجمالي للمهاجرين الذين لقوا حتفهم في الحريق لا يزال غير مؤكد، حيث لم يتم الإفراج عن السجلات الرسمية بعد”، في إشارة إلى تحفظ جماعة الحوثي على تلك السجلات.
وأوضحت منظمة الهجرة الدولية، أن موظفيها كانوا “موجودين في الموقع عندما اندلع الحريق في الهنجر بجوار المبنى الرئيسي”، وقالت: “كان ما يقرب من 900 مهاجر، معظمهم من الإثيوبيين، في منشأة الاحتجاز المكتظة وقت اندلاع الحريق. كان أكثر من 350 في منطقة الهنجر”.
وفي السياق ذاته، عبّر السفير البريطاني لدى اليمن، مايكل آرون، عن صدمته من إطلاق مليشيات الحوثي النار على مركز للمهاجرين في صنعاء.
ودعا السفير البريطاني إلى السماح بوصول المفوضية السامية لحقوق الإنسان والوكالات الإنسانية إلى موقع المركز والمصابين في الحادث.
وشدد على ضرورة إجراء تحقيق مستقل وشفاف وموثوق به، وإحصاء دقيق للقتلى والجرحى.
وقال إن معاملة المليشيا غير الإنسانية للمهاجرين، بما في ذلك خلق ظروف مكتظة في المركز، هي التي أدت إلى هذه الخسارة الفادحة في الأرواح.
وبالرغم من مرور سبعة أيام على الجريمة التي أثارت الرأي العام المحلي والدولي، إلا أنه لا يوجد عدد مؤكد لضحايا الحريق المروع، وذلك بسبب إصرار الميليشيا الحوثية على التكتم حول أعداد ضحايا الجريمة.