لماذا قامت الولايات المتحدة بتعيين مبعوث خاص لها للأزمة اليمنية؟. هل هذا القرار يندرج ضمن قرارات الإدارة الجديدة بطي صفحة الإدارة الأميركية السابقة، أم السبب يعود إلى تعثر مهام الممثل الأممي في التقريب بين أطراف الأزمة اليمنية، ودعت الحاجة إلى ضرورة تبني آليات أخرى تساعد بالتعجيل بحل الأزمة؟.
منذ إعلان إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أنَّها ألغت بشكل رسمي مشروع القرار الذي تقدمت به إدارة الرئيس دونالد ترمب السابقة إلى الكونغرس بشأن إدراج جماعة الحوثي على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، فسرته الجماعة الحوثية بشكلٍ خاطئ وواصلت عدوانها على الأراضي اليمنية في مأرب وفي المناطق المحررة الأخرى، ولم تكتفِ بعدوانها على تلك المناطق اليمنية، بل عمدت إلى تكثيف عملياتها وعدوانها على أراضي المملكة العربية السعودية بشتى أنواع الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، كيف يمكن تفسير هذا التصعيد.. هل هي مجرد مناورات، أم أدوات ضغط كالتي تستخدمها إيران ضد الولايات المتحدة وحلفائها حول شروط العودة إلى الاتفاق النووي؟
بقدوم إدارة بايدن وإبداء الرئيس الأميركي اهتماماً بالملف اليمني في أول حديث له عن توجهاته في السياسة الخارجية، من مقر وزارة الخارجية في يوم الخميس 4 فبراير (شباط) الماضي تفاءل المراقبون بالشأن اليمني بإمكان اقتراب نهاية أزمة الست السنوات التي أثرت على جميع أطراف الأزمة، وشكّلت كابوساً إنسانياً للمجتمع الدولي.
وكان تعيين وزير خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن مبعوثاً أميركياً خاصاً لليمن للسيد تيم ليندر كينغ -الذي يتمتع بخبرة طويلة في المنطقة- مؤشراً قوياً لاهتمام الإدارة الأميركية الجديدة بالأزمة اليمنية.
ومن قبيل الصدفة أن ترأس السفيرة الأفرو -أميركية ليندا توماس غرين مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة مجلس الأمن الدولي في بداية شهر مارس (آذار) الجاري، وهي التي كانت مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.
هل التعقيدات الذاتية للأزمة اليمنية وارتباطها بمحاور صراعات إقليمية جعلتها تأخذ أبعاداً دولية عبر وجود مبعوث أممي، ودعمه الآن بمبعوث أميركي؟
اهتمام الإدارة الأميركية الجديدة بالملف اليمني لا ينطلق فقط بدوافع إنسانية بحتة، بل أيضاً له أبعاد استراتيجية ذات علاقة بالموقع الجيو -استراتيجي لليمن، ومخاوف أميركا على أمن حلفائها في المنطقة، والحفاظ على السلم والأمن الدوليين في أكثر المناطق حساسية في العالم.
الموقع الجيو -استراتيجي الذي تحتله اليمن من باب المندب إلى خليج عدن والمحيط الهندي يمثل خطورة بالغة على المصالح الأميركية والمجتمع الدولي، إذا وقع تحت هيمنة وكلاء إيران في المنطقة مما سيجعل إيران تعزز سيطرتها في آن واحد على مضيق هرمز وباب المندب، أضف إلى ذلك موقع اليمن في محاذاة أكبر مخزون للنفط للدول العربية، وعلى رأسها أهم احتياطي للنفط العالمي الذي تمتلكه المملكة العربية السعودية، وهي الدولة الحليفة الرئيسية في المنطقة منذ أمد بعيد لعدة عقود، واستمرت علاقاتهما على مدى طيلة هذه الفترة، سواء كان الرئيس في البيت الأبيض من الحزب الجمهوري أو الحزب الديمقراطي.
فأي توتر في المنطقة لن ينحصر جغرافيا على دول المنطقة فحسب، بل بإمكان ذلك زعزعة الاستقرار العالمي بذاته.
ولذلك كان اهتمام أميركا بالحفاظ على مناطق نفوذها التقليدية في العالم، وعلى رأسها اليمن ومنطقة الخليج العربي والدول العربية بصفة عامة، وذلك لمواجهة القوة الدولية الصاعدة، مثل الصين التي تتحدى النفوذ الأميركي خاصة عبر مشروعها الضخم «الطريق والحزام» الذي يغطي الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا.
من هنا يتضح الاهتمام العالمي الدائم باليمن برغم تعقيداته، وبمنطقة الخليج العربي كلها.
تعقيدات الملف اليمني بأبعاده المحلية من صراع على السلطة بين الجمهوريين والملكيين في حرب اليمن في الستينات بعد اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962، وتحول الصراع بعدها بين القبائل والعسكر، ومنها سيطرة الجيش على السلطة في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح والحرب بين الجنوب والشمال في 1972 – 1979، وتوجههم إلى حل النزاع عبر مشروع الوحدة بين الدولتين في الشمال والجنوب، وفشل هذه الوحدة حين الهجوم على الجنوب في حرب 1994 برفع شعار الوحدة أو الموت، وسعي الرئيس عبد ربه منصور هادي لحل هذه الإشكالية بتنظيم ما سمي الحوار الوطني، الذي تمخضت عنه مخرجات الحوار، وصياغة مشروع دستور مدني انقلب عليه الحوثيون. وسعوا بعد استيلائهم على العاصمة صنعاء إلى تكرار محاولة ضم الجنوب مجدداً، وإقصاء الشعب اليمني برمته بالغزو في مطلع 2015. واستطاعت المقاومة الجنوبية الممتدة والمنبثقة من الحراك الجنوبي لعام 2007 التصدي لهذا الغزو الحوثي، وهزيمته بدعم من دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، التي استجابت لنداء طلب المساعدة التي وجهها لها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
وتتضح من خلال التذكير بتسلسل تلك الأحداث أبعاد تعقيدات الأزمة اليمنية، وكيف انتقلت من صراع حرب أهلية في إطار اليمن الشمالي إلى صراع بين دولتين توحدتا ولم ينجح مشروعهما الوحدوي، برغم محاولتي فرضها بالقوة المسلحة في 1994 – 2015.
في إطار ثورة سبتمبر 1962 كانت مصر والسعودية القوتين الإقليميتين حينها وتمكنتا بمساعدة الأمم المتحدة من حل إشكالية دورهما في اليمن الشمالي، ونجح المبعوث الأممي الأفرو – أميركي رالف بانش، ومبعوث الرئيس جون كينيدي من الحزب الديمقراطي في التفاهم في إطار مجلس الأمن الدولي مع دول المعسكر الاشتراكي.
وفي الحرب بين الجنوب والشمال 1972 – 1979 كانت الوساطات العربية والكويتية على وجه الخصوص، والدور المؤثر والحاسم الذي قامت به الدبلوماسية السوفياتية للضغط على دولة اليمن الجنوبية أدت إلى إيقاف عملياتها العسكرية التي شارفت على تهديد العاصمة اليمنية صنعاء.
وفي حرب 1994 نجحت المبادرة العربية من مصر ودول مجلس التعاون الخليجي باستثناء قطر في إصدار قرارين من مجلس الأمن الدولي، وإرسال المبعوث الأممي الدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي وطي الأزمة وإنهاء الصراع المسلح.
لكن هذا الصراع بالطبع مختلف، إذ تحاول قلة قليلة الهيمنة على اليمن برمته، وإقصاء الغالبية العظمى من شعب اليمن.
أيضاً لعل الاختلاف الأساسي مع الصراعات السابقة يتمثل على مستوى الصراع اليمني في زيادة عدد مبعوثي الأمم المتحدة الذين تعاقبوا في الأزمة اليمنية: 1 – جمال بن عمر (2011 – 2015)، 2 – إسماعيل ولد الشيخ أحمد (2015 – 2018) ثم مارتن غريفيث منذ عام 2018 حتى الآن.
هذا الاهتمام الأميركي يفسر أنَّه، وللمرة الأولى منذ عام 1963، قامت الإدارة الأميركية بتعيين نائب مساعد وزير الخارجية تيموثي ليندر كينغ مبعوثاً خاصاً إلى اليمن، مما يجعل الملف اليمني بيد مبعوث أممي من أصل بريطاني ومبعوث أميركي، وكلا بلديهما من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، والسؤال المطروح هنا ما الإضافة الجديدة التي قد يحدثها وجود مبعوث أميركي بجانب المبعوث الأممي؟
ما يجب التذكير به أن غريفيث يعمل في إطار قرارات الأمم المتحدة الخاصة باليمن، ولذلك من الطبيعي أن يجري لقاءات مع أطراف الأزمة، واستفادت الحركة الحوثية من لقاءاته بإظهارها رغم كونها حركة متمردة، فهل سيقوم المبعوث الأميركي بالنهج نفسه؟
تنديدات وزير الخارجية الأميركي مؤخراً باستهداف المدنيين في السعودية وهجومهم على محافظة مأرب لا توحي بذلك، بل يتوجب على الحوثيين عدم استبعاد ما قامت به الولايات المتحدة مؤخراً في شرق سوريا في بعث رسالة إلى الحكومة الإيرانية، وهي التي قال عنها بلينكن إن إيران تؤجج في اليمن لهيب الصراع، وتهدد بمزيد من التصعيد، فهل يعني ذلك إذا تمادت الحركة الحوثية في تصعيد عملياتها ضد اليمن والسعودية أنها ستلقى إنذاراً مماثلاً.. أم أنه سيتم ذلك بشكل مختلف؟
*نقلا عن صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية