سائق التاكسي، الذي أقلني هذا الصباح إلى قاعة التدريب في عدن، ينتهي اسمه بـ “بير خان”، ويجيد الحديث بالهندية. وفي قاعة التدريب التي ضمت 12 مشاركاً ومشاركة عدنيين، لم يكن بينهم من هو من مواليد عدن سوى مشارك واحد وأنا.
هناك عدانية أتى آباؤهم من تعز وصنعاء وحضرموت وإب وأبين ويافع، ومن هرجيسا ومومباي وكشمير، من بير فضل والعقاربة، ومن عدن نفسها. هناك عدانية من مواليد عدن، وهناك عدانية لم تكن عدن مسقط رأسهم، وهناك عدانية كأسار ابني ذي الست سنين ونصف، الذي أعلن أنه عدني بحزم بعد زيارته الأخيرة لها، ويغضب بشدة لدرجة الصراخ والعراك بوجه كل من يقول عنه أنه ليس كذلك، معلناً “أنا أسار العدني”، وفي ذلك الانتماء لعدن تعبير طفل صادق عن الحب والإعجاب والطمأنينة لهذه المدينة.
يقولون أن عدن مدينة كزموبوليتن، وبالنسبة لي عدن مدينة “أم”، وإلا لما ارتمى أسار في حضنها بكل حرارة، وكذلك فعلوا كل العدانية سابقو الذكر وكل الذين لم يذكروا وكل الذين سيذكرون. لكن، ويا للسحر، تبقى هذه الأم بحروفها الثلاثة ونضارة سمائها وجبالها الكحيلة مُزة المزز، مزة المدائن، مزة الجغرافيا ومزة خطوط الطول والعرض وما بينهم من مناخات وحيوات وأزمنة.