في ما يتعلق بالموقف الحوثي من السلام

لن تحظى المبادرة السعودية بوقف إطلاق النار في اليمن بموافقة الحوثيين. ذلك ما لا يخرج عن السياق العام للأزمة التي فتحت أبواب اليمن على الحرب. ما من مفاجأة. فالحوثيون ينظرون إلى ما هم فيه وإلى محيطهم الإقليمي بعيون إيرانية. لذلك فإن ما يدخل ضمن المصالح الإيرانية يمكن أن يشكل مدخلا لرضاهم، أما ما يتعارض مع تلك المصالح فإنه سيكون محل رفضهم. 

وبما أن إيران قد اتخذت من حرب اليمن ورقة تضغط من خلالها على الولايات المتحدة لما يشكله حراك الحوثيين العسكري من خطر على المصالح الأميركية، فليس مقبولا ولا مسموحا به أن يُطوى الملف اليمني بما يخدم الأطراف اليمنية كلها ومن ضمنها الطرف الحوثي الذي لن يخرج خاسرا بكل تأكيد من أي مفاوضات يمنية ــ يمنية. 

مشكلة الحوثيين تكمن في أنهم يطابقون بين مصالحهم والمصالح الإيرانية، بل إنهم يقدمون المصالح الإيرانية على مصالحهم باعتبارهم أتباعا صالحين ومؤدلجين يتعاملون مع قضيتهم من جهة المنفعة المذهبية التي تفصلهم عن الآخرين لا من جهة الضرورة الوطنية التي تجمعهم بالآخرين. لذلك فإنهم لا يرون في الإملاءات الإيرانية ما يشكل انحرافا عن مبادئهم التي لا تشكل مقياسا يمثلهم في التعامل وطنيا في صراعهم مع الشرعية. 

ولكن هناك عقبة سيواجهها الحوثيون حين يعلنون عن رفضهم القاطع للمبادرة السعودية. تتمثل تلك العقدة في أن المبادرة حُظيت بمباركة الجزء الأكبر من المجتمع الدولي وهو الجزء الفاعل والمؤثر الذي تسعى إيران إلى أن تحصل منه على تنازلات في طريقها إلى اتفاق نووي جديد. ذلك الجزء تمثله دول، صارت اليوم أكثر اقتناعا بضرورة إنهاء الحرب في اليمن لا للأسباب الإنسانية المُقنَعة التي يتحدث عنها الحوثيون علنا وهم يفكرون بفك الحصار المفروض على التسلح بل لأسباب تتعلق بمصير الإنسان في اليمن الذي بات على حافة الهاوية أو هوى إليها. 

الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مقتنعان اليوم بضرورة إنهاء الحرب وهو ما أدركته المملكة العربية السعودية فالتقطته واختصرت الطريق وأعلنت عن مبادرتها التي من شأنها أن ترفع الغطاء الإيراني عن الحوثيين. كما أنها ستضعهم في مواجهة مباشرة مع العالم. وليس مستبعدا أن يفرض العالم قرار السلم على اليمن مثلما حدث في ليبيا. فهل يقوى الحوثيون على مواجهة العالم عسكريا على سبيل المثال؟ 

الحوثيون وقد وقعوا في الحفرة العقائدية التي أمدّتهم بالمال والسلاح طوال سنوات حربهم لا يمكنهم التفكير بطريقة سليمة بما يضمن مستقبلهم في إطار وطني يجمع كل الأطراف اليمنية. إنهم مجرد عصابة طائفية سبق لها وأن هُزمت في ست حروب وخرقت غير مرة الاتفاقات التي وقعت عليها وأخيرا قامت بذلك مستغلة فوضى “الربيع العربي” التي أدت إلى أن يتواطأ معها الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح. وهو الشخص نفسه الذي قتلته في ما بعد. لقد قاتلت تلك العصابة عبر السنوات الماضية دفاعا عن مصلحة إيران في أن يكون لها ذيل على البحر الأحمر. 

وينبغي الاعتراف هنا أن كل ما حققته إيران من نفوذ عسكري وسياسي إقليمي لا يمكن إدراجه في ما هو متوقع على الصعيد الواقعي. كان هناك الكثير من الخيال في أن تستولي إيران على العراق ولبنان. ولكنها نجحت في تنفيذ مشاريعها من أجل توسيع نفوذها وبسط هيمنتها. فلمَ لا نصدق أن خطتها في اليمن قد نجحت هي الأخرى؟ لقد صدق الحوثيون أنهم شيعة أثنا عشرية وأن قم هي مرجعيتهم الدينية وأن الولي الفقيه هو قائدهم في اتجاه اليوم الآخر وهو مصدر قرارهم في الدنيا. 

لا يمكن اتهام الشرعية بأنها تقاعست في مواجهة تلك الظاهرة المرضية. فالأحداث كانت أكبر منها وبالأخص أن الرئيس السابق كان قد شق الجيش بما شكل عنصر إسناد للحوثيين في خروجهم على الاتفاق الأخير الذي وقعوه مع الحكومة، وهو ما يسّر لهم احتلال العاصمة صنعاء وأجزاء أخرى من اليمن. 

الآن لا يعني تراجع الحوثيين عن مكتسباتهم شيئا مقابل ما ينطوي من خسائر بالنسبة إلى إيران. لذلك فإنهم سيرفضون المبادرة السعودية حتى وإن جرّهم ذلك الرفض إلى الهلاك المحتم. 

يرفض الحوثيون المبادرة السعودية لأن إيران ستخسر واحدة من أهم أوراقها في صراعها مع الولايات المتحدة. وهنا ينبغي أن يكون الموقف الدولي حاسما. إما فرض السلم أو القضاء على التمرد الحوثي وتجريد إيران من الورقة اليمنية. 

*كاتب عراقي 

Exit mobile version