ختان البنات.. في انتظار نوال يمنية
كان يعرض لنا نوعاً من الكائنات البحرية التي تنفث حبراً أسودَ، ولما سأله صديقنا عن هذا الكائن الغريب، سماه لنا، وأخذ يحدثنا عن مزية أكل لحم الحبار، ومزيته الأولى دعم النشاط الجنسي لدى الرجل والمرأة.. فقلنا له: زوجاتنا بعيدات عنا.. فعليك به أنت.. قال: نسواننا مختونات لا يحركهن حبار ولا هبار.. قلنا له: ولماذا تختنوا بناتكم، ما دمتم قد عرفتم مضرة الختان على الزوج وزوجه.. قال: أمي مختونة، أخواتي مختونات، مراتي مختونة، والناس كلهم من حولي يختنون بناتهم، فأنا ختنت بناتي، وإن لم أفعل يغمزوا ويلمزوا.
وتذاكرنا ختان البنات في مجلس آخر، فقال أحدهم أنا زوج تهامية مختونة، وزوج جبلية غير مختونة، وأجد متعتي مع الأخيرة.. قلنا: لماذا تختنون البنات؟ قال: نود أن لا نختن بناتنا، لكن المجتمع يدفعنا إلى ذلك دفعاً.. كيف؟ يقول لك البنت المختونة أركن عليها، لو كانت في واد، لو كانت في أي مكان بعيد عن أعين الأسرة، فهي لا تفكر بالجنس، لأن قطعة الإثارة قد انتزعت منها، بالختان، حيث قد بتر من فرجها ذلك الجزء الحساس، وهي ما تزال طفلة صغيرة.. قلنا: أنت مقتنع بهذا التفسير؟ قال: لا، فأولاً تؤخذ قطعة من جسمها، وتظل تعاني من فقده، ثم تعاني عندما تشعر بالنقص بعد الزواج، وثانياً البنت تعصمها تربية سليمة، وتعصمها ثقافة وتدين، وليس بتر بظرها، وكم من امرأة مختونة تمارس الدعارة.. لحظنا أن هذا الرجل الأخير يعي المشكلة جيداً، ويتمنى أن يكف الناس عن ختان بناتهم، لكنه في الوقت نفسه يجد نفسه محاصراً بتقليد اجتماعي يراعيه المجتمع كما يراعي تعاليم الدين.
وختان البنات ليس من الدين، بل من بقايا الوثنيات الإفريقية التي انتقلت إلى اليهود فصيروها ديناً، ومن اليهود أخذها العرب وبقيت في سكان المناطق البدوية، ولذلك كان اهتمام الدكتورة نوال السعداوي مركزاً على المناطق الريفية في مصر، حيث تتفشى ظاهرة ختان الإناث، بينما الدكتورة فاطمة المرنيسي لم تول هذه الظاهرة نفس الاهتمام لأنها غير منتشرة في المجتمع المغربي.
ختان الإناث ظاهرة شائعة في تهامة، وتهامة ممتدة من غرب لحج وغرب تعز، إلى حرض أو ما بعدها بقليل.. لدى الناس كأفراد، استعداد لترك هذه الظاهرة، لكن يتعين أن يبرز في هذا المجتمع نساء على قدر كاف من الثقافة والدربة، والإصرار، في النضال ضد هذه الظاهرة.
امرأة واحدة عملت كل هذا في مجتمع كبير مثل مصر.. وهي الدكتورة نوال السعداوي.. كاتب هذه السطور عرف نوال السعداوي في مطلع ثمانينيات القرن العشرين، عن طريق كتابها الأنثى هي الأصل، الذي نشر لأول مرة عام 1971، ثم كتابها التالي وهو المرأة والجنس، الذي خصصت جزءاً منه لظاهرة ختان الإناث بوصفها تقليداً اجتماعياً لتعذيب المرأة جسديا ونفسيا، وفي بداية هذا الكتاب استذكرت نوال عملية الجراحة التي أخضعت لها حين بلغت السنة السادسة من العمر.. أخذوها إلى الحمام وبتروا جزءاً من بضرها، وسال الدم على ملاط الحمام وأمها كانت تشرف على هذا القداس.
نذرت نوال جزءاً من وقتها وجهدها الفكري ونضالها الإنساني، في سبيل حماية البنات من هذا الانتهاك، إذ لم يقتصر كفاحها ضد الختان على ما سجلته في كتابها، بل ظلت تثير هذا الموضوع في بعض الكتب الأربعين التي ألفتها، وفي مقالات، وفي محاضرات ومناظرات وحوارات، فكان نضالها هذا دافعا للحكومة المصرية لكي تضع تشريعا يجرم ختان الإناث، حيث أقر مجلس الشعب في يونيو 2008، نصوصا جديدة اقترحت الحكومة تضمينها في قانون العقوبات تجرم ختان الإناث، وتعاقب عليه بحبس الجاني عامين، أو دفع غرامة تصل إلى خمسة آلاف جنيه.. ويوم وفاة السعداوي في 20 مارس الجاري، أحدثت الحكومة تعديلا في ذلك التشريع ينص على معاقبة مرتكب جريمة ختان البنات بالحبس مدة عشرين سنة.
وبمناسبة ذكر نوال السعداوي، نشير إلى فاطمة المرنيسي.. هذه عالمة اجتماع مغربية، مدافعة عن حقوق النساء، وكانت قصيرة العمر، حيث توفيت قبل ست سنوات، وكان عمرها نحو خمسة وسبعين سنة.. وهي لا تقل شأنا عن السعداوي، فقد كانت هي الأخرى مناضلة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان العربي، وخاصة حقوق المرأة، نشرت في العام 1975 كتابها ما وراء الحجاب، وهو ما يزال عمدة الكتب التي أسست علم الاجتماع النسوي، أو الدراسات الاجتماعية عن المرأة العربية.. ومثل السعداوي المثقفة بالثقافة الإسلامية المستنيرة، كانت المرنيسي أيضا قد درست الإسلام دراسة متعمقة، خاصة في ما يتعلق بعلاقاته بالمرأة، ونالها ما نال السعداوي أيضا، فقد اتهمت السعداوي بتهم من قبيل الإساءة لتقاليد المجتمع، ومخالفة نصوص الدين، وأمر الأزهر بإعدام بعض كتبها مثل رواية سقوط الإمام، فقد شككت المرنيسي في صحة الأحاديث التي تحط من مكانة المرأة، وكان ذلك مدعاة لاتهامها بالطعن في صحة الأحاديث المنسوبة للرسول محمد، وحظرت بعض كتبها كما حظرت بعض كتب السعداوي.