تحاول الجهات الأممية والدولية والإقليمية المنخرطة في جهود البحث عن تسوية سلمية للصراع اليمني التغاضي عن قضيّة جنوب اليمن التي تبدو بسبب السكوت عنها بمثابة تفصيل هامشي، لكنّها قد تتحوّل مع تقدّم تلك الجهود وتطرّقها إلى مناقشة القضايا التفصيلية إلى عقبة كأداء تمنع التوصّل إلى التسوية المنشودة.
وركّز المبعوثان الأممي مارتن غريفيث والأميركي تيم ليندركينغ جهودهما على جلب الطرفين المتضادّين وهما حكومة الرئيس عبدربّه منصور هادي والمتمرّدون الحوثيون إلى طاولة التفاوض، لكنّ المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تحوّل إلى كيان سياسي وعسكري ذي وزن ملموس في مناطق جنوب اليمن يرفض تلك المعادلة الثنائية، معلنا قراره بعدم الانصياع لأي سلام يتمّ إقراره على أساس اليمن الموحّد.
وعبّر عن ذلك نائب رئيس الدائرة الإعلامية في المجلس الانتقالي منصور صالح بالقول إنّ أي توجه لفرض حلول للأزمة في اليمن على أساس بقاء الوحدة ولو في أبسط أشكالها لن يجد قبولا في الجنوب.
ورغم أنّ المجلس الانتقالي الجنوبي دخل في حكومة شراكة برئاسة معين عبدالملك تمّ تشكيلها بناء على اتفاق الرياض الذي رعته المملكة العربية السعودية بهدف فضّ الاشتباك الذي تحوّل في وقت سابق إلى صدام عسكري بين قوّات الشرعية وقوّات المجلس، إلاّ أنّ الأخير يعتبر الوضع الحالي مسألة مرحلية، أمّا الوضع الدائم الذي يطالب به ويسعى إلى تحقيقه فهو استعادة دولة جنوب اليمن التي كانت قائمة قبل الوحدة المعلنة في بداية تسعينات القرن الماضي.
وأضاف صالح متحدّثا لوكالة سبوتنيك الروسية “طرح أي حلول على أساس بقاء الوحدة يجعل من خيار العنف والمواجهة خيارا قائما، ما يعني عدم تحقق حالة الاستقرار المنشودة في المنطقة”.
ورغم كثافة الاتصالات التي أجراها غريفيث وليندركينغ في المنطقة وانخراط الولايات المتحدة إلى جانب قوى إقليمية فاعلة على رأسها سلطنة عمان في جهود السلام في اليمن، إلاّ أنّ تفاصيل الحلّ المنشود ما تزال غائبة ما جعل التركيز ينصرف نحو التهدئة ووقف إطلاق النار.
ويرجع متابعون للشأن اليمني غياب التفاصيل إلى عدم وجود رؤية واضحة ومشروع متكامل للسلام بسبب وجود معضلات حقيقية تتجاوز مجرّد تباعد الرؤى بين الشرعية والحوثيين إلى تعدّد القوى الحاملة السلاح والممسكة بالأرض من جهة، وتعدّد الأطراف داخل الشرعية نفسها، فضلا عن القضية الجنوبية التي يوجد أنصار كثيرون لها بجنوب اليمن كما أصبح لها حامل سياسي وعسكري مهمّ يتمثل في المجلس الانتقالي الجنوبي.
وتقدّمت المملكة العربية السعودية التي تقود تحالفا عسكريا داعما للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في مواجهة المتمرّدين الحوثيين، مؤخّرا بمباردة لوقف إطلاق النار في خطوة وصفت ببالغة الأهمية في سياق تهدئة الصراع تمهيدا لإطلاق عملية سلام أشمل في اليمن.
وجاء ذلك في وقت كثّفت فيه الأمم المتحدة والولايات المتّحدة الأميركية من جهودهما لتقريب وجهات النظر بين الشرعية اليمنية والحوثيين وجلبهما إلى طاولة الحوار.
لكنّ تشدّد الحوثيين المرتبطين بدائرة القرار الإيراني وتمنّعهم عن الاستجابة لتلك الجهود كشف حجم الصعوبات التي تواجه إطلاق عملية سلام في اليمن، بقدر ما مثّل نموذجا عن تمسّك أفرقاء الصراع كلّ بمكاسبه، خصوصا وأن تلك المكاسب لا تقتصر على الجوانب السياسية، بل هي أيضا مكاسب ميدانية وسيطرة حقيقية على الأرض، وهو أمر لا ينطبق على الحوثيين وحدهم بل ينسحب على عدّة أطراف حاضرة في رقعة الشطرنج اليمنية ومن بينها جهات منخرطة ضمن الشرعية نفسها مثل حزب الإصلاح الفرع اليمني من جماعة الإخوان المسلمين.
وأثار تقرير نشر حديثا على موقع معهد بروكينغز سيناريو تفكّك اليمن بين الكيانات الفرعية التي نشأت فيه وتمكنت من بسط سيطرتها على مناطقه. وقال غريغوري دي جونسن في التقرير المعنون «نهاية اليمن» إنّه بعد ست سنوات من الحرب وآلاف الصواريخ والقنابل ومئات الآلاف من القتلى وأسوأ أزمة إنسانية في العالم، انقسم اليمن إلى درجة أنّه من غير المرجح أن تتم إعادة تشكيله كدولة واحدة.
ورجّح الباحث في شؤون الحرب والسلام الذي سبق له العمل ضمن فريق الخبراء المعني باليمن في مجلس الأمن الدولي أن يتجاوز تفكّك اليمن مجرّد التقسيم الثنائي الذي كان قائما قبل وحدة سنة 1990 على أساس شمال وجنوب إلى تجزئة متعددة وكيانات صغيرة ومناطق سيطرة تابعة لعدد متزايد من الجماعات المسلحة ذات الأهداف والمسارات المتباينة.
فالحوثيون تمكنّوا بعد بسط سيطرتهم على أجزاء واسعة من شمال اليمن حيث توجد غالبية السكان وبعد إزاحتهم من المشهد حليفهم الظرفي الرئيس السابق علي عبدالله صالح، من إيجاد كيان واضح المعالم لهم في مناطق سيطرتهم تصعب إزالتهم منه، وتتعسّر في وجوده إعادة توحيد اليمن.
وعلى طول ساحل البحر الأحمر، يضيف دي جونسن، يقود طارق صالح ابن شقيق الرئيس السابق مجموعة من المقاتلين المتمركزين في مواجهة الخطوط الأمامية للحوثيين بمحافظة الحديدة. لكن طارق لا يعلن إلى حدّ الآن خروجه عن سلطة الشرعية اليمنية التي يمثّلها الرئيس هادي.
أما في مدينة عدن الساحلية الجنوبية فيسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي والوحدات العسكرية التابعة له، في ظل عاملين ثابتين معلنين بوضوح من قبل قيادات المجلس وهما رفض سيطرة جماعة الإخوان المخترقة للشرعية، والعمل على استعادة دولة الجنوب التي كانت قائمة قبل وحدة مطلع التسعينات من القرن الماضي.
وبينما يبدي الحوثيون تشدّدا في اشتراطاتهم للدخول في وقف لإطلاق النار والجلوس إلى طاولة التفاوض ويطالبون بوقف التحالف العسكري الداعم للشرعية اليمنية بقيادة السعودية لكلّ عملياته ضدّهم وفتح المنافذ البرية والبحرية والجوية لليمن، ترفض الشرعية خروج أي تسوية سياسية للصراع عن الثوابت المتمثّلة في ما يعرف بالمرجعيات الثلاث، وهي المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني والقرار الأممي 2216.
لكنّ تلك المرجعيات لا تعني الكثير للمجلس الانتقالي الجنوبي وهو ما عبّر عنه نائب رئيس دائرته الإعلامية بالقول إنّ “الحديث عن المرجعيات الثلاث كأساس للحل في اليمن لن يكون سوى تأسيس لمشروع حرب قادمة، فلا حل من وجهة نظر المجلس سوى ذلك الذي يرتضيه شعب الجنوب ويقبل به، وأي شيء خلاف ذلك سيكون مضيعة للجهد والوقت وإطالة لأمد الصراع”.
واعتبر صالح أنّ السير في عملية تسوية على أساس اليمن الموحّد يتناقض مع المزاج الشعبي في الجنوب الذي قال إنّه “ضد الوحدة”، مؤكّدا أنّ ما يمكن ملاحظته بوضوح هو وجود “مزاج شائع في الشارع الجنوبي يرفض حتى فكرة يَمْنَنَة الجنوب، باعتبار أن هذا الأمر كان في الماضي القريب مدخلا لاحتلال أرضه واستعباد شعبه ونهب ثرواته”.
وفي ظل رسوخ فكرة استعادة دولة الجنوب شعبيا كما تقول قيادات المجلس الانتقالي فإنّ الحلول المطروحة لتسوية الصراع في اليمن سلميا تغدو في نظر منصور صالح “بعيدة عن فهم جوهر المشكلة واستيعاب الوضع في الجنوب”، مؤكّدا أنّ “كل تلك الحلول لن تحقق سلاما دائما لا في الجنوب ولا في اليمن، ولا تخدم الشعبين الجارين (الجنوبي والشمالي) اللذين واجها معاناة كثيرة من الحروب والظلم من قبل قوى النفوذ التي تشن الحروب باسم الوحدة”.