حلم الأفارقة ينتهي بهجرة عكسية من اليمن إلى بلدانهم “الحوثيون ومأساة المهاجرين”

طرح محللون مع بداية النزاع اليمني وتحديدا بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء مصير الآلاف من المهاجرين الأفارقة الذين وجدوا أنفسهم في بلد تنهشه الفوضى السياسية والعسكرية، ومنذ ذلك الحين لم يستطع أحد الإجابة بدقة عن ذلك التساؤل، لكن تأزم الأوضاع وظهور الوباء كشفا بوادر هجرة عكسية لأولئك الحالمين بمستقبل أفضل بعيدا عن أوطانهم. 

 لم تعد الأوضاع في اليمن تغري المهاجرين الأفارقة بالبقاء بانتظار تصيد الفرصة المناسبة للاتجاه إلى دول الخليج العربي الغنية، كما كان في السابق بسبب الأزمة الحادة التي يعيشها البلد، فقد أصبح ملف هؤلاء القادمين من إثيوبيا وباقي دول القرن الأفريقي يشكل عبئا ضاغطا لكلا طرفي النزاع في ظل ازدياد أعدادهم بشكل ملحوظ. 

وبات اليمن الذي كان قبلة للمهاجرين الأفارقة، حاليا بيئة طاردة لهم بسبب النزاع الدموي القائم للعام السابع على التوالي، وما خلفه من ظروف قاسية. ويتدفق باستمرار المهاجرون الأفارقة عبر سواحله لكن ما أن يصل هؤلاء سرعان ما يفكرون بالعودة ولو عبر رحلات بحرية خطيرة ومميتة. 

وطيلة سنوات كان اليمن محطة عبور للآلاف من المهاجرين الذين يسافرون بين القرن الأفريقي والسعودية ودول خليجية أخرى، رغم قسوة الحرب، والتي أودت بحياة الآلاف وأدت إلى نزوح الملايين في إطار أزمة إنسانية تعتبرها الأمم المتحدة الأسوأ في العالم. لكن اليوم يبدو أن الهجرة باتت عكسية مع عودة المئات من المهاجرين منهم إلى دولهم الأصلية. 

وقرر عدد كبير من المهاجرين الرحيل لينقلب بذلك مسار المهاجرين في رحلة بحرية محفوفة بالمخاطر من القرن الأفريقي إلى شمال اليمن سعيا للوصول إلى دول خليجية بحثا عن عمل، رغم أن الهجرة تشكل جزءا مهما من التهديدات الأمنية غير التقليدية في السنوات الأخيرة ولا تزال الجهود متواصلة لتحديد وفهم طبيعة هذه المشكلة. 

وعندما ركب المهاجر الإثيوبي جمال حسين، وهو واحد من العشرات الذين اتخذوا نفس القرار، طائرة تابعة للأمم المتحدة لنقله من اليمن إلى وطنه وضع حدا لرحلة عبر البلد المنكوب بالحرب كان يأمل أن تتيح له حياة أفضل في السعودية، لكن القيود السارية لاحتواء فايروس كورونا والأوضاع الأمنية أحبطت آمالهم في تحسين أوضاعهم ليصبحوا عالقين في بلد يعيش فيه الملايين بالفعل على شفا المجاعة. 

وفي الأسابيع الأخيرة غرق العشرات في حوادث انقلاب زوارق يديرها مهربون في طريق العودة إلى القرن الأفريقي. وتقدر المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة أن أكثر من 11 ألف مهاجر عادوا بحرا خلال العام الماضي. 

والآن تُسيّر المنظمة الأممية رحلات جوية حتى يتمكن المهاجرون من العودة سالمين. وقال حسين، الذي اعتاد العمل في حقول القات في إقليم أوروميا في إثيوبيا قبل أن يجازف بكل شيء من أجل الهجرة قبل أقل من عام قبل ركوب الطائرة “أردت الذهاب إلى السعودية للعمل ولذا أتيت إلى اليمن. وعندها اكتشفت أن هناك حربا في اليمن ولم أكن أعرف”. 

وبعد الوصول إلى العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي المدعومة من إيران والمتهمة من قبل السعودية في تعمدها تشكيل شبكات لتهريب المهاجرين الأفارقة عبر أودية ومسالك وعرة تصعب مراقبتها إلى داخل المملكة، قال حسين إنه تم احتجازه مع مهاجرين آخرين في منشأة خاصة. وفي الشهر الماضي نجا من حريق في المركز سقط فيه العشرات من القتلى. 

ومع انسداد الطرق المؤدية إلى دول الخليج بسبب كوفيد – 19 والقيود الأمنية احتجز الحوثيون الآلاف من المهاجرين ونقلوهم قسرا إلى جنوب اليمن الخاضع لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا. وقال حسين إن الحوثيين نقلوه وآخرين بعد الحريق إلى منطقة صحراوية حيث شق طريقه إلى عدن ووجد مساعدة من منظمة الهجرة. 

ويسيطر الحوثيون على صنعاء وغالبية مناطق شمال اليمن منذ اندلاع النزاع على الحكم في 2014 مع حكومة معترف بها دوليا. ويخوضون معارك يومية مع القوات الموالية للسلطة في حرب أحدثت دمارا هائلا في البلد الفقير. كما يشنون هجمات مكثفة على الأراضي السعودية متجاهلين الدعوات الدولية إلى التهدئة وجهود حلّ الأزمة. 

ووافقت الأمم المتحدة على عودة طوعية إنسانية لمجموعة مكونة من 1100 إثيوبي. وقالت منظمة الهجرة الدولية إن ألوفا آخرين ينتظرون التحقق من جنسيتهم وتزويدهم بوثائق السفر وأن أكثر من 32 ألف مهاجر أغلبهم إثيوبيون لا يزالون عالقين في مختلف أنحاء اليمن في ظروف متردية. 

وسبق أن كشفت تقارير حقوقية وإعلامية عن تعرض مهاجرين أفارقة يحاولون الوصول إلى الخليج إلى أعمال وحشية، في إطار ظاهرة الاتجار بالبشر المنتشرة باليمن في ظل أوضاعه الأمنية الهشة وأيضا في ظل الأوضاع الاجتماعية المتردية في بلدان أفريقية على الضفة الأخرى من البحر لاسيما بلدان القرن الأفريقي. 

وتقول المنظمة الدولية للهجرة إن المئات من المهاجرين يحطون الرحال شهريا في اليمن على أمل العبور إلى بلدان الخليج، لكن أيادي المتاجرين بالبشر تتلقاهم في اليمن سواء لاستغلالهم ماديا بانتزاع ما يكون معهم من أموال قليلة وأمتعة بسيطة لقاء وعود بمساعدتهم على الوصول إلى وجهتهم، أو باستعمالهم في أعمال غير مشروعة وحتى باستغلال النساء والأطفال منهم جنسيا. 

وطيلة السنوات الست الماضي، ورد في تقارير للمنظمة أن عصابات في اليمن تعمد أحيانا لاحتجاز المهاجرين في محاولة لابتزاز عائلاتهم والحصول على فديات ممن لهم أهل عاملون في الخليج. وكثيرا ما يتعرض المحتجزون لأعمال تعذيب وتنكيل وحشية. 

وفضلا عن الجانب الإنساني، في القضية تحمل ظاهرة تهريب البشر المنتشرة في اليمن مخاطر كبيرة على أمن منطقة الخليج العربي، التي اتجهت بلدانها للحد من استقبال العمال الوافدين حفاظا على توازنها الديموغرافي وأمنها، إذ أن موجات المهاجرين الأفارقة يمكن أن تضم متطرفين يرغبون في الوصول إلى الخليج لممارسة أعمال إرهابية. 

Exit mobile version