قم من جنبي!!
في كل رمضان أدشن رحلاتي الرمضانية بالخروج إلى مطار صنعاء الدولي، ومثلما يخرج الناس يستمطرون ويدعون الله أن يسقيهم الغيث ويغيثهم بالمطر أخرج للمطار وأنا صائم عاطش متعب وأدعو الله أن يعجل في افتتاح المطار.
طبعا أفعل ذلك ليس لأن لي رغبة في السفر، وإنما لأن افتتاح المطار سوف يمكن بناتي الثلاث المنتشرات في ثلاث قارات: آسيا وأوروبا وأمريكا من زيارتنا، ثم أن منى، أصغر بناتي المقيمة في نيويورك، ما انفكت في كل اتصال لها تسألني نفس السؤال:
– يا بابا متى بايفتحوا المطار من أجل ازوركم؟
أقول لها: والله مالي علم يا بنتي، لكن كل ما اقدر عليه هو انتظار قدوم رمضان والخروج للمطار بالسيكل للدعاء عسى الله أن يستجيب لدعائي.
وفي صباح يومنا هذا خرجت للمطار للمرة الرابعة خلال أربع سنوات وقد خرجت هذه المرة مع المقاول الصغير صديقي المهندس بشر أمين هو بالموتور سيكل وأنا بالدراجة.
طبعا المقاول الصغير كان مقاولا ناجحا وكانت الأحلام تدغدغه والكل يتنبأ له بالتطور من مقاول صغير إلى مقاول كبير، لكنه افلس للأسف وعاد إلى سابق عهده وسابق فقره، وليس هذا بأمر غريب، فهناك مقاولون كبار صعدوا إلى قمة المجد وذروة النجاح وقمة الثراء ثم افلسوا، لكن الغريب هو أن المقاول الصغير يعزو إفلاسه اليّ ويقول بأني من حين اشتغلت معه ادبرته وكنت السبب في إفلاسه.
لكن المهم هنا هو أنه أثناء عودتنا من المطار وبعد أن تجاوزنا ميدان التحرير ودخلنا شارع كلية الشرطة في طريقنا إلى ميدان السبعين توقفت تحت الجسر وكنت في غاية التعب والإرهاق وبدون نوم.
ولشدة ما أغراني البرود قلت أنام بجانب اثنين من المشردين كانا نائمين في نفس المكان.
قلت لصديقي المهندس بشر: امش أنت وخذ سيكلي معك وأنا سوف أنام هنا في هذا الظل والبرود.
لكن المهندس بشر ظل يثرثر جنبي في محاولة منه لاقناعي بمواصلة السير وكان أن أيقظ بصوته المشردين النائمين، ومن ثقل النعاس الذي هبط علي نمت ولم أعد أسمع كلامه وحتى وأنا أسمعه لم يكن بي رغبة في القيام ومغادرة المكان الذي بدا لي أجمل وأفضل من غرفة نوم في فندق خمسة نجوم.
لكن في بلد مثل اليمن لا أحد يترك لك حالك ويدعك تستمتع باللحظة التي تأتيك فجأة.
وحتى المشردون الذين كنت أعتقد بأنهم بلا بيوت وبلا سلطة اتضح أن لهم بيوتا ولهم سلطة وأن بمقدورهم أن يستخدموا سلطتهم ويخوفوك ويخرجوك من المكان الذي اعتقدت بأنه ملك الدولة أو بأنه مشاع للجميع وبمقدورك استخدامه والنوم فيه.
وفيما كنت مستمتعا بالظل وبالبرود وبالنعاس الذي راح يداعب عيناي تناهى إلى سمعي صوت انثوي يصرخ فيّ أن انهض:
– قم من جنبي..
لحظتها قمت مرعوبا وكان ما ضاعف من شعوري بالرعب هو أن المرأة -ذات اللحاف الأزرق- والتي استلقيت جنبها لم تكتف بأن صرخت فوقي تأمرني بالقيام من جنبها وإنما راحت تشهر في وجهي سكينا وتواصل التهديد:
– قم من جنبي.
وكان النائم بجانبها قد قام هو الآخر لكنه ظل يحملق في وجهي بصمت.
بعدئذ وقد غادرنا المكان قلت للمهندس بشر وقد استعدت شجاعتي ورباطة جأشي:
– بأي حق تقوم بطردي وتشهر في وجهي السكين؟!
قال: عندها حق الجسر بيتها وأنت دخلت بيتها ونمت جنبها ومن دون استئذان.
أحمد الله أنها لم تغرز سكينها في صدرك.