كتب – خلدون الشرقاوي
تواصل جماعة الإخوان المسلمين ضغوطها السياسية، في ليبيا، من أجل اعتماد النظام البرلماني، ومن ثم التأثير على صناعة القرار السياسي، وفي اليمن، أربكت التحركات العسكرية المفاجئة للميليشيات الإخوانية، الوضع العام في البلاد، الأمر الذي يهدد بتقويض اتفاق الرياض، وفي أوروبا تحاول الجماعة البحث عن مسارات مالية جديدة، في أعقاب التضييق الأمني عليها، في عدة دول، أبرزها فرنسا والنمسا وبلجيكا وغيرها، بينما تابعت السلطات الفرنسية، التحقيق في ملابسات المنحة المالية، التي وجهتها بلدية ستراسبورغ لجمعية دينية تركية، في حين أثمرت الضغوط الإعلامية، عن استقالة الإذاعية أميرة الجباجي، الموالية للإخوان في سويسرا.
مع اختتام أعمال اللجنة القانونیة، المنبثقة عن ملتقى الحوار السیاسي اللیبي، المنعقدة في تونس، جرى إعلان التوافق على القاعدة الدستوریة، المؤطرة للانتخابات التشريعية المقبلة، والمقرر انعقادها في كانون الأول (دیسمبر) القادم، وسط مخاوف من استبعاد الانتخابات الرئاسية، في المرحلة الأولى، حيث يفضل البعض داخل اللجنة، الدفع باتجاه النظام البرلماني، ومن ثم إجراء انتخابات تشريعية فقط، ما قد يؤدي إلى سيطرة الإخوان على البرلمان، ومن ثم العودة إلى نقطة الصفر.
هذا وقد شهدت اجتماعات اللجنة خلافات حادة، حول طريقة انتخاب الرئيس، حيث قالت عضو اللجنة، آمال بوقعيقيص: “في اللجنة القانونية، كنا أغلبية تطلب انتخابات رئاسية مباشرة، لكن لأنّ منهجية العمل في اللجنة تعتمد التوافق، وهذا لم يحدث بشأن هذا البند، حيث أصرّ بعض الأعضاء على مطلبهم، بأن تكون الانتخابات الرئاسية غير مباشرة، لذلك قررنا إحالة هذا البند للملتقى”.
وفي السياق نفسه، كشف مراقبون عن ضغوط هائلة، يمارسها الإخوان وحلفاؤهم، لفرض مخططهم الرامي إلى انتخاب الرئيس من قبل مجلس النواب، وبالتالي يظل مقيداً بالتوازنات البرلمانية والجهوية، والمصالح الحزبية والأيديولوجية، الأمر الذي اعتبره سياسيون، نوعاً من المصادرة على الإرادة الشعبية.
من جهة أخرى، تواصل الأذرع التابعة للإخوان، والمدعومة من قوى إقليمية، محاولاتها الرامية إلى تصفية المؤسسة العسكرية الليبية، وتطويعها بما يخدم مصالح الجماعة، عن طريق دمج الميليشيات داخلها، وتمكينها من تولي مقاليد القيادة.
تحركات مباغتة لميليشيات الإخوان في اليمن
أرجعت إيرينا تسوكرمان، المحامية الحقوقية، والمحللة الأمنية الأمريكية، عودة أنشطة تنظيم القاعدة إلى اليمن منذ العام 2019، إلى وجود ميليشيا الإخوان، خاصّة في أبين وشبوة وحضرموت، وغالبية المناطق الخاضعة لسيطرة حزب الإصلاح، الذراع السياسي للإخوان، لافتة إلى أنّ “الفصائل السياسية للإخوان، تشترك مع القاعدة في نفس الأيديولوجيا، والرؤية طويلة المدى، وحتى عضوية التنظيم الإرهابي”.
من جهة أخرى، أكّد المجلس الانتقالي الجنوبي، في العاصمة المؤقتة عدن، أنّ “الاعتداءات المستمرة من قبل ميليشيا الإخوان، على قوات الحزام الأمني في مديرية أحور، وخبر المراقشة، في مديرية خنفر، تهدف إلى فرض واقع جديد على الأرض؛ لمصلحة قوى الإرهاب، وتمكينها من التحرك والوصول بحرية، إلى الساحل والمناطق الأخرى”، مضيفاً إنّ “تلك الاعتداءات، بهدف تفجير الوضع وخلط الأوراق، في تحدٍّ سافر لاتفاق الرياض”، كما لفت المجلس إلى “ما تشهده جبهة طور الباحة، في محافظة لحج، من حشود وعمليات تجنيد، واستحداث لمعسكرات، وفتح الطرق لصالح مليشيات الإخوان، تبعاً لأجندات مشبوهة، وأعمال غير مشروعة، ضمن مخطط إعلان الحرب على الجنوب، وجهود التحالف العربي والمجتمع الدولي، ومقتضيات الحل السياسي اللازمة”.
من جانبها، أعلنت المقاومة المشتركة بالساحل الغربي لليمن، عن نجاح عملية أمنية نوعية، تمكنت خلالها من تحرير أحد أهم قادتها العسكريين، وهو العميد قايد الورد، قائد اللواء الثالث، بعد نحو أربعة أشهر من اختطافه، والزج به في سجون الإخوان، في مدينة تعز، وذلك بواسطة قوة خاصة تابعة للمقاومة المشتركة، بعد استنفاذ كل جهود الوساطة.
جدير بالذكر أنّ التحركات المباغتة لميليشا حزب الإصلاح، أعادت أجواء التوتر مرة أخرى إلى محافظة أبين، بعد فترة هدوء نسبي، في أعقاب اتفاق الرياض، ما دفع قوات المجلس الانتقالي إلى التأكيد على أنّ كل الخيارات مفتوحة، للرد على تصعيد الإخوان.
كانت النقاط الأمنية التابعة لقوات الحزام الأمني، التابعة للمجلس الانتقالي، قد انسحبت من مواقعها، إثر تعرضها لهجوم واسع من قبل ميليشيات الإصلاح، بالقرب من منطقة، خبر المراقشة، وأكّد النقيب محمد النقيب، المتحدث العسكري باسم محور أبين، أنّ “ميليشيات الإخوان مصرة على تصعيد الموقف في أبين؛ لجر الوضع نحو موجة جديدة من المواجهات العسكرية، وتهدف من تكرار مغامراتها البائسة هذه، إلى إجهاض آمال تحقيق الاستقرار والسلام المنشود من اتفاق الرياض، وتوسيع نطاق انتشار جناحيها، القاعدة وداعش في الجنوب”.
وجهات جديدة لأموال الإخوان في أوروبا
يبدو أنّ جماعة الإخوان قد تضطر إلى نقل استثماراتها، والبحث عن مسارات جديدة آمنة، لأوعيتها المالية، في ظل التضييق الأمني في عدد من الدول الأوروبية، فوفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن الاستخبارات الإسبانية، فإنّ “تنظيم الإخوان، يحاول بهدوء نقل الكثير من الأصول التي يملكها، في أوروبا وخصوصاً فرنسا، إلى إقليم كتالونيا، بعد ممارسة الحكومة الفرنسية ضغوطاً كبيرة على قادة التنظيم، وعلى الحكومة القطرية، من أجل خفض مستوى الدعم المالي والاستثمارات في أنشطة التنظيم، في أحياء باريس المهمّشة”.
كما نوهت دراسة للمركز الأوروبى لمكافحة الإرهاب، إلى أنّ جماعة الإخوان أصبحت تنتهج أجندة سرية، لدعم استثماراتها في بريطانيا، حيث يمتلك محمود الإبياري، القيادي في التنظيم شركتين في أوروبا، وعدة حصص في شركات بماليزيا وكندا، يديرها جميعاً من مقر إقامته في لندن، أما إبراهيم منير، الرجل الأول في التنظيم، فيمتلك عدة حصص وأسهم في (17) شركة مملوكة للإخوان، تنتشر في أوروبا وآسيا.
جدل في فرنسا وضغط في سويسرا
مازال الجدل محتدماً في بلدية ستراسبورغ الفرنسية، للأسبوع الثاني على التوالي، في أعقاب تصويت أجراه مجلسها، حول تقديم منحة مالية، بقيمة أكثر من 2.5 مليون يورو، لجمعية مللي غوروش التركية، المرتبطة بالإخوان المسلمين.
رئيسة البلدية، جان بارسيغيان، طالتها انتقادات حادة، من قِبل وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانين الذي قال: “أقول لرئيسة بلدية ستراسبورغ إنّنا، بالحد الأدنى، لا نجد هذا الأمر متماشياً مع المصالح الفرنسية”، لافتاً إلى أنّ “هذه الجمعية الموالية لتركيا، لم ترغب في التوقيع على ميثاق قيم الجمهورية”.
من جهتها، أعلنت الإدارة الإقليمية، التي تقع بلدية ستراسبورغ ضمن سلطتها، أنّها تنوي اتخاذ الإجراءات القانونية، اللازمة لإلغاء التصويت على مساعدات البلدية للجمعية التركية، والتي نفت بدورها تبنيها نزعات انفصالية، أو الولاء السياسي لتركيا.
وفي سويسرا، انسحبت المذيعة من أصول عراقية، أميرة الجباجي، من العمل في إذاعة “إس آر إف” المحلية الشهيرة، بعد انكشاف علاقاتها بجماعة الإخوان المسلمين، وذلك في أعقاب ضغوطات كبيرة، شغلت الساحة الإعلامية في البلاد.
كانت الجباجي، قد شنت هجوماً حاداً على الناشطة، سعيدة كيلر مساهلي، ووصفتها بـالمتطرفة، بسبب تحذير الأخيرة من النزعة الانفصالية للإخوان، وتبني الجماعة لخطاب الكراهية، قبل أن تنتقد الإذاعة التي تعمل بها، لأنّها منحت مساحة لـمساهلي، ما دفع الصحف السويسرية، وعدد من زملائها في الإذاعة، إلى التحرك، وكشف النقاب عن التسهيلات التي قدمتها الجباجي للإخوان المسلمين، طيلة ست سنوات من العمل في الإذاعة المحلية.
*صحفي مصري