ما حقيقة المباحثات السرية بين الرياض وطهران في بغداد؟
كتب – عمر الرداد
بالرغم من النفي السعودي وامتناع طهران عن التعليق على التسريبات التي أوردتها الصحافة البريطانية حول مباحثات سرّية بين طهران والرياض جرت في بغداد في 9 نيسان (أبريل) الجاري، إلا أنّ السياقات العامة للتطورات التي تشهدها المنطقة، بما فيها إعادة تموضع السعودية وإيران على ضوء الإدارة الأمريكية الجديدة والتغيرات العميقة التي تشهدها المنطقة من تبدلات في التحالفات والمصالحات ومن بينها المصالحات التي تجريها أنقرة مع العواصم العربية “الرياض، والقاهرة وأبو ظبي” كلها مؤشرات تؤيد بقوة احتمالات صحة تلك التسريبات، وأنّ مباحثات جرت بين الرياض وطهران.
إقامة تفاهمات بين الرياض وطهران لا تنكره العاصمتان، باعتباره مطلباً معلناً من قبلهما، فالخطاب الإعلامي للرياض يؤكد على الجارة إيران المسلمة، وأنّ التعاون معها مشروط بتغيير سلوكها في المنطقة، وأنه يمكن أن يؤسّس لنظام إقليمي عنوانه حسن الجوار وعدم التدخل بشؤون الغير، وإيران من جانبها تطرح مقاربات مشابهة، لعل أبرزها مبادرة هرمز للأمن الإقليمي التي طرحها رئيس الجمهورية “حسن روحاني” خلال العام الماضي، وجوهرها بناء نظام أمن إقليمي لمنطقة الخليج، دون تدخل القوى الدولية، وتحديداً الولايات المتحدة.
ورغم الطروحات السابقة الخاصة بدعوات الحوار بين الجانبين، إلا أنّ السياقات العامة يبدو أنها تؤيدها، فهناك من جهة مفاوضات بوساطة أوروبية بين طهران وواشنطن حول إعادة العمل بالصفقة النووية التي أنجزت عام 2015، ويبدو أنّ تلك المفاوضات تحقق تقدّماً، ويبدو أنّ عواصم في المنطقة ليس من بينها الرياض على قناعة بأنّ الصفقة الجديدة قادمة لا محالة، لذا كان من بين بعض الشروط في المنطقة أن تكون القوى الإقليمية شريكة في مفاوضات الصفقة الجديدة، ويشار هنا إلى تهديدات إسرائيل باستمرار باستهداف إيران، إذا لم تلبِّ الصفقة الجديدة شروطها الخاصة بأمنها القومي.
من جهة أخرى، فقد جاء الإعلان عن تلك المباحثات أنها جرت في بغداد، وهو ما يعطي مؤشرات أولية على احتمالات نجاحها، ارتباطاً بمرجعتين وهما: أنها لم تجرِ في مسقط ولا في الدوحة، ولا في عواصم أوروبية، علماً أنّ مسقط والدوحة، إلى حدٍّ ما، تُعتبران من العواصم العربية المرشحة لمثل هذه المباحثات، والمرجعية الثانية أنّ تلك المباحثات تنسجم مع التكوين السياسي والأمني لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي القادم من المؤسسة الأمنية، وهو ما يعني أنّ بغداد الكاظمي تحظى بثقة وقبول سعودي وإيراني، خلافاً للحكومات العراقية السابقة، ومنها حكومة المالكي، على سبيل المثال، دون أن ينفي ذلك أنّ نجاحات الكاظمي في إعادة العراق إلى محيطه العربي لا تحظى برضا بعض الأوساط الإيرانية المتشددة، التي تعتبر ما يقوم به الكاظمي انحرافات بغطاءات أمريكية.
ورغم أنه لم يُعلن عن تفاصيل المباحثات وأيّ اتفاقات تم التوصل إليها بين الجانبين والموضوعات التي تمّت مناقشتها، إلا أنّ المؤكد أنها تركزت من جانب الرياض على الدور الذي تمارسه إيران في الإقليم من خلال دعم الميليشيات في اليمن وسوريا والعراق، إضافة إلى دورها في لبنان من خلال حزب الله، ومن جانب طهران ركّزت بطريقة أو بأخرى على الاعتراف بالدور الإقليمي لإيران في المنطقة، ويبدو أنّ محادثات السعودية تشبه إلى حد بعيد مباحثات طهران مع واشنطن، وجوهرها غياب عوامل الثقة بين الجانبين، وتوقيتات إثبات هذه الثقة، فهل ستكون برفع العقوبات أوّلاً كما تطالب طهران، أم بإثبات طهران حسن السلوك بإجراءات تتمثل بوقف دعمها لوكلائها في ساحات الصراع العربية؟
قد يتم الإعلان بعد فترة زمنية من قبل الرياض أو طهران عن هذه المباحثات، وربما يكون ذلك متزامناً مع إعلانات إيرانية وغربية حول الصفقة الإيرانية الجديدة مع أمريكا والغرب، لكن ما يجب التأكيد عليه أوّلاً: أنّ أي تقدّم في أيّ مفاوضات إيرانية مع أمريكا أو مع السعودية يعني أننا سنكون أمام إيران جديدة، ستكون محصلتها تلك التحولات العميقة التي تشهدها إيران المنهكة، والتي جعلت المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، علي خامنئي، من أشد الحريصين على الاتفاق النووي، بعدما كان يصفه بالخيانة التي ارتكبها روحاني وظريف، وثانياً: أنّ الرياض وطهران أصبحتا منهكتين من الصراع الإقليمي، فالرياض تريد وقف حرب اليمن، وهذا لن يكون إلا باتفاق مع طهران، وإيران على أبواب انهيار شامل اقتصادياً واجتماعياً بفعل العقوبات والحصار، وهو ما يفسح الطريق لبناء سيناريوهات سلام في المنطقة، رغم العوائق العديدة.
*كاتب أردني