لو أن الحوثيين يفهمون الرسائل التي توجه إليهم من قبل اليمنيين والعرب والعالم لما كانوا أغرقوا اليمن في هذه المأساة الطاحنة.
كل الرسائل التي وجهت إليهم بدءاً من دعوتهم إلى الحوار الوطني، باعتبارهم مكونا مجتمعيا و”سياسيا” للاشتراك في صياغة عقد اجتماعي لدولة وطنية ديمقراطية بنظام يقوم على المواطنة التي يتساوى فيها الجميع أمام القانون، مروراً بدعوتهم إلى وقف الحرب والعودة إلى العملية السياسية السلمية، وانتهاءً بتقديم المبادرات لإنهاء الحرب، كل هذه الرسائل تكرس لديهم جمود الموقف الرافض للسلام، والتمسك بما يعتبرونه حقاً في حكم اليمن لا ينازعهم فيه أحد، وإذا كان لا بد من تنازل من نوع ما فليكن محسوباً بميزان لا يغير شيئاً من معادلة يكونون فيها أصحاب القرار. وانسجاماً مع ذلك لا يرى الحوثيون أن السلام العادل يصب في مصلحتهم بعد كل هذه الجرائم التي ارتكبوها بحق اليمن واليمنيين، ولذلك فإنه لا بد من إنهاك اليمن ليصبح السلام المقبول بالنسبة لهم مجرد عنوان للاستسلام، وهي الحالة التي يعتقدون أنهم يستطيعون فيها إعداد الاتفاق من طرف واحد.
هذا ما يعمل من أجله الحوثيون وهم يغرقون هذا البلد في هذه الحرب، ويصنعون مأساتها على هذ النحو الذي يتجلى فيه عدم المبالاة بآلام ومعاناة اليمنيين، وهو أمر لا يمكن معه قراءة أي رسائل جديدة من قبلهم إلا على النحو الذي تعودوا عليه بفهم محتوى الرسائل على أنها صادرة عن ضعف واسترضاء، مما يدفعهم عنوة إلى التمسك بخيار الحرب.
والحقيقة الأخرى التي تفسر هذه القراءات الخاطئة من قبلهم لكل الرسائل التي تحمل دعوات للسلام هي أن القرار النهائي ليس بأيديهم، لكنه بيد إيران التي جعلت من المأساة اليمنية حلقة في سلسلة مغامراتها بتقويض أمن المنطقة لتمرير مشاريعها الخاصة، ولذلك فإن جل ما يمكن أن توصي به في أي مباحثات معها هو “طمئنوا الجماعة في صنعاء بخطاب يساعدنا على جرهم إلى مائدة التفاهم”، حتى لا تبدو وكأنها قد عقدت صلحاً بعيداً عنهم.
غير أن خطاب الطمأنة الذي يصدر هنا أو هناك والذي يبدو أنه استجابة لتلمس طرق شتى لإنهاء الحرب لا يمكن أن يؤدي وظيفته إلا في إطار أشمل من تفاهمات يكون مشروع الحوثي قد كسر في أهم مفاصله.
ادعموا صمود مارب فقط وستكون هي الرسالة الأقوى والتي سيفهمها الحوثي جيداً.