أزمة اليمن من التجاهل إلى تصدر الدبلوماسية الدولية
اليمن في قلب الدبلوماسية الدولية، بعد أن شهد حالة من الإغفال والتجاهل طوال سنوات الحرب، وكاد أن يخرج من أجندة العالم، صوب الملفات المتربة المنسية.
ليندركينج في مسقط اليوم وقبله ظريف، وبعده غريفيث والوفد التفاوضي الحوثي كذلك، جميعهم الدوليون يحملون جدول أعمال من نقطة واحدة وقف الحرب، والدفع بمسار التسوية، والأثمان الواجب تحصيلها من قبل إيران في ملفها النووي، والإقرار إنها حجر ركن الزاوية، في أي شأن يتصل بالشرق الأوسط، وتحديد الجهة المسددة لثمن التسوية في اليمن، وهي الرياض وواشنطن وبقية عواصم القرار.
هذا النشاط اللافت للدبلوماسية، يأتي بعد جولة مفاوضات مباشرة رعتها العراق، بين الرياض وطهران برعاية أمريكية بريطانية، وقطعت شوطًا متقدماً، أبرزه إذابة جليد الأزمة بين الطرفين، وخففت التصلب في الخطاب السعودي، إزاء الدور الإيراني في رقعة، هي على تماس مع حدودها الجنوبية، وكذلك في المنطقة.
ليندركينج وغريفيث في عُمان وظريف ووفد الحوثي، جميعهم ينضجون صفقة تسوية، تخرج من الأضابير النظرية، إلى ديناميكية الفعل العملي المباشر على الأرض، حيث سيضغط كينج لفتح الحصار عن الموانئ اليمنية، وإيصال الوقود والغذاء إلى الحديدة دون قيد أو شرط وإنهاء المعاناة الإنسانية، كمطلب حوثي لتحريك عجلة المفاوضات، وتسبيل المواقف الحوثية المتصلبة، الممانعة لأي مرونة تفاوضية مجانية، ما لم يتم إنهاء الحصار.
ربط التوقيت مهم جداً بين حديث ولي العهد السعودي، الإيجابي تجاه الحوثي، والأقل عدائية إزاء إيران، وبين زيارة ظريف لمسقط واليوم مبعوث بايدن وغريفيث، كل ذلك مؤشرات توصلنا إلى أن مطبخ السياسة، بات يعمل بكامل لياقته التفاوضية، لوضع حد لحرب كارثية، طالت أكثر مما يجب، ودفعت الأطراف المنخرطة فيها، اثمانا باهظة على صعيد السياسة والاقتصاد، والدم ومنظومة الأخلاق والقيم، حرب مسرحها أفقر دولة في العالم، وأبرز أطرافها الدول الأغنى، ومراكز ثقل الإقليم من طهران وحتى الرياض.
نحن على مشارف حل أدركت السعودية أن عليها أن تستوعب شروطه، منذ الوهلة الأولى لمجيء الإدارة الديمقراطية، حيث أخرج بايدن الحوثي من قائمة الإرهاب، ومنع بيع السلاح للسعودية وأنهى التعاون المخابراتي في ما يتعلق بحرب اليمن.
هذه المؤشرات قُرأت من قبل القيادة السعودية، بالشكل الذي يجب، وباتت أكثر ميلاً لإنهاء الحرب، وتجاوباً مع ضرورات السلام، قدمت المبادرة، فتحت القنوات الخلفية مع الحوثي، وانتقلت من القناة السرية إلى التفاوض المباشر مع إيران.
لا شيء يحول دون إنجاز موضوع السلام الآن، بدءاً من مناطق خفض التوتر، مروراً بوقف إطلاق نار شامل، وإنتهاء بتصميم مشروع تسوية توافقية، وتقاسم الحكم وتحديد شكل الدولة، وإزاحة الألغام السياسية النفسية من طريق الجميع، حتى لا تنسف كل الجهود، وتعيد الحرب إلى المربع الأول ونقطة الصفر.
تصعيدان يمضيان بالتوازي، جهود التسوية على أعلى مستوى، وتصعيد الحرب في مأرب، بغضب أمريكي بريطاني أوروبي خافت، معركة ستمنح الحوثي الوقت لحسمها، والدخول بمفاوضات نهائية بوضع مريح، وربما هذا الصمت هو الجائزة الكبرى، مقابل التجاوب مع صفقة إغلاق ملف الحرب، ووضع نهاية لسنوات سبع دامية، أقل ما توصف به إنها حرب الغرباء والصفقات المتبادلة، وحرب الجنون والعبث بالنسبة لفقراء اليمن:
إيران تكسب، الرياض تشتري أمنها. اليمن وحده سيد الخاسرين.
سلام يعيد إنتاج أطراف ومولدات ذات قوى الحرب، وحرب أحالت الوطن إلى رماد، ودمرت الجميع عقوداً إلى الأمام.