تغيُّر خطاب التحالف.. تكتيك أم توازن ضعف؟!
هل سيقدم التحالف العربي تنازلات مجانية لإيران وذراعها اليمني، مليشيات الحوثي؟
وهل تغير الخطاب باتجاه الحوثي مناورة سياسية تنطلق من نفس القاعدة التي تنطلق منها إيران، وهي سلاسة الخطاب السياسي وعنف العمل الميداني؟
وهل ستصل المحادثات مع الحوثي إلى حل شامل يقترب من المرجعيات الثلاث واتفاق الرياض أم أنه سوف يعمل على تأكيد وتأصيل دويلات يمنية شمالاً وجنوباً ونموذج أفغاني آخر؟
لا شك أن التنازلات المجانيّة طريق الهاوية، لكن توازن الضعف يفرض واقعاً مختلفاً لكل الإرادات عندما لا يستطيع طرف على الحسم.
وفي هذه الحالة غالباً يبدأ الحديث عن العدالة التصالحية وهو مصطلح يقوم على تقزيم مفهوم العدالة الانتقالية المتعارف عليها وترد أحياناً في ديباجات مجلس الأمن، كطريقة تعويضية جوهرها مالي، كوسيلة لدفع الأطراف إلى التوصل إلى مساحة الحلول الوسط المستعجلة غالباً والتي لا تلبي طموحات اليمنيين ولا التحالف العربي، وما يجري في الدبلوماسية الدولية والإقليمية يشي بأن لا أحد راغب في الحسم العسكري بعد سبع سنوات حرب، وبأن الرغبة جامحة في إغلاق ملف إيران في اليمن بقبولها كواقع وترحيل المشكلة من خلال وقف إطلاق النار فقط، وهذا في حد ذاته ليس خطأ بل خطأ سياسي وعسكري فادح يقود إلى تسليم أوراق القوّة الباقية لدى الشرعية، وهي الحاضنة الغاضبة من الحوثي، إلى مربعات متفرقة لفرقاء مختلفين لم تكن تجمعهم سوى رغبتهم جميعاً في الخلاص من الحوثي والانقلاب مهما كان الثمن..
وفي هذا الحل المفترض إسقاط الدولة اليمنية وثوابت الثورة والجمهورية وهدفهما الأسمى تحت مبررات واهية وتحت اسم “الواقعية السياسية”، والقبول بفتات مكاسب المشاركة ودولة الدويلات، كنتيجة حتمية لما وصلنا إليه من تمزق جسد الشرعية وضعف مؤسسة الجيش وهو أولا وأخيرا إفراز طبيعي لتوازن ضعف كل الأطراف، انه الحل المؤقت الذي لن يكتب له النجاح، إذ ستظل الاشتباكات الداخلية والحروب الصغيرة مستمرة، ربما تنجو دول الجوار من كلفة الحرب مؤقتا إذا خرجت بضمانات باتفاق ما لحدودها ومصالحها، ما هو مؤكد في لحظتنا الراهنة أن الصراع اليمني صراع ممتدا للأجيال القادمة لن ينتهي ولن يغلق إلا بتغير الظروف الموضوعية والتحالفات وموازين القوى..
وخلاصة القول.. تظل التمنيات المشكوك فيها في الخطاب الجديد لقادة التحالف تأجيلاً للصواب المؤكد الذي ينبغي العمل لأجله، وهو حسم المعركة وليس ترحيلها، كما أنه تجاهل لحظي فرضه توازن ضعف كل الأطراف.. ومحصلته دويلات يمنية “يمنات” متناثرة.
إلا إن كان هذا الخطاب في أفضل الأحوال تكتيكاً سياسياً يقوم على فهم أصول اللعب السياسي الإيراني الذي يقوم على إعطاء الوعود الفارهة والأمنيات والضرب تحت الحزام في نفس الوقت.
وإلى أن يكشف واقع الأيام القادمة ويفرز ماهية هذا الخطاب.. إلى ذلك الحين لا شيء يمكن أن يبعث على التفاؤل بحل وشيك عادل ترضيه الغالبية الشعبية شمالاً أو جنوباً.