في وداع الفنان عبدالكريم مهدي.. “روح مدينة تعز”
هناك بشر جميلون عابرون للاصطفافات الحزبية الضيقة والثنائيات المتصارعة، يجسدون روح مدينة تعز، منهم اﻷستاذ عبدالكريم مهدي، الشاعر والقاص والممثل البديع، الإنسان البسيط الذي لا تغيره الظروف.
ففي حين تقمص كثير من المثقفين أدوار الأبطال المدافعين عن حياض المحتربين كان “ناجي” خارج صراعات القطعان، وحيدا وهو يكابد سنوات الخراب الوطني، دافئا وهو يحصي فجائعنا، كذاكرة لا تموت.
في بداية الحرب في مدينة تعز، وعندما صعدت قوى الجماعات الدينية الراديكالية، وحولت “سوق الصميل”، أحد أعرق الأحياء الشعبية في المدينة، إلى ساحة لنشاطها الاجتماعي والعسكري كان مهدي، ابن الصميل، وروحها النقية، العين الأكثر دقة التي لجأت لها وأنا اتقصى تحولات هذا الحي، وظهور ظاهرة أبناء الحواري الذين تحولوا إلى بيادق بيد أطراف الحرب وأجراء للجماعات الدينية الراديكالية التي كان سوق الصميل أحد ساحاتها.
وحين كنت أسأله عن القائد الفلاني، كان يسرد لي قصته، ﻷكتشف كيف كان الجوع وحده وحب الزعامات في حالة الانحطاط التي نعيشها أهم أسباب استقطاب أبناء الحواري.
يضحك حينها “ناجي” من زمن القادة اﻷشقياء.
في آخر تواصل بيننا، حين كنت مريضة، قال لي بلهجته الشعبية المحببة “مالك يا بشرى.. أدي لك راسي”، ورديت عليه مازحة “ماراسك واا عبدالكريم ماشتيش.، قد رأسي اخرج لي”، وانفجر بضحكة طفل دافئة، طفل لم يفقد دهشته حيال حياة الحرب وتبدلاتها.
رحمة الله عليك يا صديقي.