لم يشهد التاريخ تحايلاً على الحق الطبيعي للإنسان مثلما يحدث من تحايل على حق الشعوب المسلمة في حكم أنفسهم بعيداً عن قمع ووصاية المتغلب الذي يتكئ على البعد الطائفي، تاركاً وطناً بأكمله في قبضة متوحشة.
تقسيم شعوب المسلمين إلى سنة وشيعة ليس له في المعنى العام غير بعد واحد، وهو بعد سياسي يتعلق بقضية الحكم.
المتصارعون على الحكم أورثوا المسلمين ميراثاً انقسامياً تم شحنه بتعاليم انتقائية تشرع للحكم وكأنه جزء من الدين ليصبح بذلك مدعاة للصراع وسفك الدماء.
إذا اتفقت الأمة على أن الحكم مسألة لا علاقة لها بالعرق أو النسب أو المعتقد الديني، وأنه شأن بشري تنظمه قواعد تقوم على احترام حق الناس في اختيار حكامهم ونظم حكمهم وفقاً للتوافقات الوطنية ولمعايير الكفاءة والنزاهة والمقدرة، فما الذي يا ترى سيبقى من دوافع لمثل هذا التقسيم الذي كان ولا يزال سبباً في سفك الدماء وإشعال الفتن ومصدر تمزيق للنسيج المجتمعي على مدى قرون.
باختصار، ظل التمايز ونزعة التسلط، يوظفان هذا المصطلح الانقسامي مع تعبئته بمفاهيم سياسية، لا دينية، مستدعاة من محطات الصراع على الحكم منذ السقيفة.
ومع قرون من الصراع غرق فيه الجميع، مع ما رافقه من تجذير لهذا الصراع داخل مناهج معرفية رسمت الخلاف على أنه صراع لا يمكن حله إلا بتصفية الآخر.
وبدلاً من التفكير، خارج هذا المأزق الذي صنعه البشر، بحلول من صنع البشر أنفسهم، أخذوا يجذرون هذا الانقسام باستدعاء الماضي للاحتماء به من استحقاقات المستقبل.
لا يمكن لهذه الشعوب أن تنهض وهذا الغول الانقسامي يتضخم في حياتها ويبعث دورات الصراع من مراقد مرجعياتها وكراسي أساطين الحكم ومخابئ المنازعين عليه.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك