تنتشر الرواية الحوثية عن الواقع الصحي في المناطق اليمنية الخاضعة لسيطرتهم بما تتضمنه من تضليل ومعلومات كاذبة عن الوباء واللقاحات، في حين لا خيار لدى الصحافيين إلا التزام الصمت ومسايرة الرواية الحوثية أو اعتزال العمل نهائيا، بعد ما واجهه زملاؤهم من قمع لإسكاتهم.
واتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الدولية جماعة الحوثي اليمنية “بحجب” المعلومات المتعلقة بمخاطر فايروس كورونا وتأثيره، كما سعى مسؤولون حوثيون إلى نشر معلومات مضللة حول الفايروس واللقاحات، بينما تفرض الجماعة على وسائل الإعلام التعتيم الكامل والالتزام بالرواية الرسمية.
ويوظف الحوثيون وسائل الإعلام كجزء من الدعاية لجعل الرأي العام يتبنى القصص والروايات التي تخدمه، وتعزيز الاعتقاد في أن ما يقوم به من عمل هو لمصلحة القضية والوطن سواء من خلال المبالغة أو عبر التضليل أو من خلال الكذب.
ورغم التأكد من عدم صدق الادعاءات ولامعقوليتها في ما يخص الفايروس واللقاحات إلا أن وسائل الإعلام ملتزمة بما يصدر عن القيادات الحوثية.
وقالت المنظمة الدولية في تقرير نشرته الثلاثاء عبر موقعها “منذ بداية انتشار فايروس كورونا في اليمن خلال أبريل 2020 تتبع سلطات الحوثيين في صنعاء سياسة حجب البيانات المتعلقة بالإصابات والوفيات”.
ونقل البيان عن مايكل بيج نائب مدير الشرق الأوسط في “هيومن رايتس ووتش” قوله “القرار المتعمد الذي اتخذته سلطات الحوثيين والذي يقضي بإخفاء العدد الحقيقي لحالات كورونا ومعارضة هذه السلطات للقاحات يهددان حياة اليمنيين”.
ويدفع هذا التصريح إلى التساؤل عن مسؤولية وسائل الإعلام الأخلاقية والمهنية عن الترويج لروايات ومعلومات مضللة تهدد حياة اليمنيين وتنبئ بكارثة صحية في البلاد.
لكن صحافيين أشاروا إلى أنه لا خيار آخر لدى الصحافيين الذين يعملون في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فما واجهه الإعلاميون من قمع كفيل بإسكات أي صوت منتقد وأصبح الحل الأخير مسايرة الرواية الحوثية أو اعتزال العمل نهائيا.
وأضافوا أن الحوثيين يعملون منذ سنوات على تحويل اليمن إلى ثقب معلوماتي أسود، وما يحدث الآن من إخفاء للمعلومات المتعلقة بالوباء أكبر دليل على ذلك.
وذكرت مصادر صحافية أن الحوثيين عملوا على إضعاف وسائل الإعلام العاملة في مناطقهم بتحويل الموارد والطاقة الإبداعية إلى شبكة “المسيرة الإعلامية” التابعة لهم. وقد تأسست الشبكة في جنوب بيروت عام 2012، وهي على علاقة وثيقة بقناة “المنار” التابعة لحزب الله.
ويدرك الحوثيون الدور الحاسم الذي تلعبه الصحافة في حرب اليمن وأهمية تحويلها إلى أداة خاضعة لسلطتهم، وهو ما أكده الصحافي زيد البياع الموالي للحوثييين في مقال أكد فيه أن “إحدى الوسائل الأكثر أهمية في الحرب النفسية هي وسيلة الإعلام -سواء كانت سمعية أو بصرية أو نصية- لأنها تغزو الناس مباشرة، خاصة أولئك الذين ليس لديهم وعي أو تمييز لحماية أنفسهم”.
وتؤكد الجماعة بانتظام أن هذا النوع من الحرب النفسية يستخدم ضدهم من قبل منافسيهم الإقليميين والدوليين، ويلتزم الحوثيون باستخدام وسائل الإعلام كثقل موازن لما يرونه دعاية سعودية وأميركية.
ويقوم الإعلام الحوثي بحشد الرأي العام وخلق حالة من الترهيب وتبني قضايا يصفها بالوطنية ويدافع عنها ويروج لشعاراتها لتنفيذ مشروعه الخاص المتمثل في إحكام قبضته على اليمن بمعتقدات دينية تخول له ولاية البلاد وطمس وإخفاء انتهاكاته بحق الداخل اليمني، وتغيير ما يقوم به من جرائم إلى مظلومية.
ويعتمد الحوثيون على أشكال مختلفة من الدعاية في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي خصوصا ما يعرف بــ”الزوامل” وأناشيد الحرب، وتتراوح موضوعات هذه القصائد والأناشيد من موضوعات السياسة الدولية والتقاليد الدينية إلى القضايا الاجتماعية والثناء على القادة. وغالبًا ما تتضمن الزوامل الحوثية تهديدات للسعودية والإمارات وإسرائيل والولايات المتحدة، وتهدف إلى إلهام المتابعين وترهيب المنافسين.
ويملك الحوثيون “وحدة الإنتاج الفني” التابعة للإعلام الحربي والمسؤولة عن إنتاج هذه الأغاني.
وفي الآونة الأخيرة تم نشر قصائد تشرح قواعد بروتوكولات التباعد الاجتماعي للحد من انتشار كوفيد – 19 ومشاركتها على المواقع المؤيدة للحوثيين ووسائل التواصل الاجتماعي. ويتلقى المتابعون نصائح طبية بينما يذكّرون الجمهور بأن الخصوم الأجانب، وليس المسؤولون الحوثيون، هم المسؤولون عن الوباء.
وأفاد الباحث أحمد الطرس العرامي، المدير التنفيذي لمركز “العربية السعيدة للدراسات”، بأن “الزوامل هي الفن الوحيد الممكن لدى جماعة الحوثيين التي تحرّم الفنون والموسيقى”، مثل كل الجماعات المتشددة دينيا.
وأضاف أن هذا الفن الإنشادي “يشبه إلى حد كبير في دوره ووظيفته الأناشيد الحماسية للجماعات الجهادية والإسلامية بشكل عام، مثل حزب الله والقاعدة وحماس”.
ويتم توفير الزوامل ومقاطع الفيديو المرافقة لها على مواقع التواصل، وأهمها تليغرام، بدقة منخفضة وعالية الجودة لتنزيلها من قبل جمهور عريض بغض النظر عن جودة الإنترنت المحلية. كما يتم نشرها على يوتيوب وساوند كلاود.
وفي شوارع اليمن، من العاصمة صنعاء وصولا إلى مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة مثل عدن في جنوب البلاد، يميل السكان للاستماع إلى الزوامل التي تصاعد إنتاجها مع استعار المعركة في مأرب.
وفي مقال نشرته قناة “المسيرة” جاء أن “الزامل سلاح عابر للقارات”.
وتابع المقال أن الزامل أصبح أداة رئيسية في “الحرب الناعمة”، كما “لن يستطيع أن يأتي بمثله ألف ألف بيتهوفن، وكلماته هي السوناتات التي يعجز عنها آلاف كشكسبير”.
ويمثل جهاز الإعلام الحوثي المتزايد النفوذ تحديات أمام الصحافيين المستقلين في اليمن، حيث يضطرون إلى التزام الصمت وعدم تفنيد أي رواية من رواياته أو معلوماته، وإلا سيواجهون مصيرا مجهولا.