الوفد الأمني العماني ينقل للحوثيين رسائل تحذيرية أميركية ولا حديث عن ترتيبات ما بعد الحرب ورفض المليشيات للتهدئة
نفت مصادر سياسية يمنية مطلعة لـ”العرب” صحة الأنباء المتداولة حول نقاشات تدور عن طبيعة المرحلة الانتقالية بعد الحرب في اليمن وتشكيلة الهيئات التي ستقود هذه المرحلة، مشيرة إلى أنه لا يزال من المبكر الخوض في هذا النوع من التفاصيل التي من المفترض أن يتم الحوار حولها في مشاورات الحل النهائي.
وأكدت المصادر أن الرسالة التي نقلها وفد المكتب السلطاني العماني إلى زعيم الحوثيين الذي استقبل الوفد، الاثنين، في صنعاء تركزت على خطة وقف إطلاق النار التي أعدها المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث وحظيت بدعم دولي واسع.
ويشير الغموض الذي يتعلق بأسماء وفد المكتب السلطاني إلى أن ملف اليمن لا يزال بيد الأجهزة الأمنية العمانية التي يوجهها وزير المكتب السلطاني الفريق أول سلطان بن محمد النعماني، وأن غياب دبلوماسيين عمانيين معروفين عن الوفد رغم الاستقبال على أعلى مستوى في صنعاء يؤكد على إدراك الحوثيين لأهمية الوفد وصلاحياته.
وأكد مراقبون خليجيون أن طريقة تعاطي العمانيين مع الملف اليمني لا تزال كما هي، وأنه ملف أمني وليس دبلوماسيا؛ لأن السلطنة تعتبر أن ما يجري في اليمن جزء من أمنها القومي.
وأشارت المصادر السابقة إلى أن الوفد العماني، الذي التقى عبدالملك الحوثي في صعدة ومهدي المشاط في صنعاء، نقل رسائل أميركية وأوروبية حول عواقب استمرار الجماعة الحوثية في رفض مقترحات وقف إطلاق النار ومواصلة التصعيد العسكري ضد السعودية واستمرار الهجمات على مأرب التي كان آخرها إطلاق صاروخ باليستي على محطة وقود تسبب في مقتل وجرح العشرات من المدنيين بالتزامن مع زيارة الوفد العماني.
وقال الناطق باسم الحوثيين ورئيس وفدهم التفاوضي محمد عبدالسلام، في تغريدة على تويتر، “تم خلال اللقاء نقاش الرسائل المتبادلة المتعلقة بالقضايا الإنسانية والقضايا الأخرى ذات الصلة”.
ووفقا لمصادر “العرب” يدور الخلاف حول إصرار الحوثيين على فصل مسار التهدئة مع السعودية ووقف الهجمات على أراضيها بمسار التصعيد الداخلي المتمثل في الهجوم العسكري على مأرب المتواصل منذ أشهر.
ويرغب الحوثيون في مقايضة قبولهم بوقف الهجمات على الأراضي السعودية -التي تُستخدم فيها الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية- بوقف عمليات التحالف الجوية التي تعيق تقدمهم نحو مأرب بالدرجة الأساسية، في الوقت الذي يتعاملون فيه مع موافقة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا على فتح مطار صنعاء وتخفيف القيود على ميناء الحديدة باعتبارها استحقاقا إنسانيّا بعد أن ظلت لسنوات على رأس قائمة مطالبهم التي يتذرعون بها لرفض أي مبادرات للتسوية السياسية ووقف إطلاق النار.
وتحولت العاصمة العمانية مسقط إلى محطة رئيسية في سياق الجهود الإقليمية والدولية النشطة لحلحلة الملف اليمني ودفع الأطراف باتجاه منطقة وسط يتم خلالها وقف إطلاق النار والقبول بشكل الخارطة الجيوسياسية التي أفرزتها ست سنوات من الحرب بين الحكومة الشرعية المدعومة من التحالف العربي والميليشيات الحوثية المدعومة من إيران.
وفيما ينظر قسم من اليمنيين إلى دور مسقط كطرف إقليمي بات أكثر انحيازا للحوثيين يعتقد مراقبون أن الدور العماني لا يمتلك أدوات التأثير الحقيقية التي يمكن أن تحدث فارقا في التأثير على مسار المشروع الحوثي الذي أصبح أكثر ارتهانا لأجندة إيران الخارجية، وخصوصا بعد وصول الضابط في الحرس الثوري الإيراني حسن إيرلو إلى صنعاء على متن طائرة عمانية كما تشير المعلومات.
وتزامنت زيارة الوفد العماني لصنعاء، والتي تعد من التدخلات المباشرة القليلة المعلنة التي تقوم بها مسقط في مساعي حلحلة الملف اليمني، مع زيارة قام بها وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك إلى مسقط، التقى خلالها بعدد من المسؤولين العمانيين، من أبرزهم وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي الذي سلمه بن مبارك رسالة من الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي إلى السلطان هيثم بن طارق.
كما التقى بن مبارك بوزير المكتب السلطاني الفريق أول سلطان بن محمد النعماني، المسؤول الأول عن الملف اليمني في مسقط.
وقالت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية إن اللقاء دار حول “جهود السلام الإقليمية والدولية في ضوء المبادرة الأممية في إنهاء الحرب ووقف نزيف الدم اليمني والتنسيق بين البلدين في هذا الصدد”.
وبحسب الوكالة أشاد الوزير اليمني بالدور الكبير الذي تلعبه سلطنة عمان و”سعيها لتحقيق التسوية السياسية وتقريب وجهات النظر ودفعها بالجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب وآثارها الإنسانية، رغم التعنت والصلف الذي تبديه ميليشيات الحوثي”.
وسبق زيارة وفد المكتب السلطاني العماني لصنعاء اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ووزير الخارجية العماني بدر البوسيعدي، بحسب المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأميركية نيد برايس.
وشدد الوزيران على “أهمية وقف إطلاق النار الفوري والشامل في اليمن من أجل المساعدة في إنهاء الحرب هناك ووضع حدّ للمعاناة الإنسانية للشعب اليمني”، في تأكيد على ارتباط الزيارة العمانية لصنعاء بموجة الضغوط الأميركية المتصاعدة ضد الحوثيين الذين عملوا على تصوير الزيارة كانتصار دبلوماسي، في حين سربت قيادات حوثية أنباء عن بحث الوفد العماني إمكانية إعادة افتتاح السفارة العمانية في صنعاء.
وشهدت الأيام الماضية تزايدا لافتا في حجم ووضوح التصريحات الدولية الناقدة للتعنت الحوثي، والتي جاءت بعد تحميل الخارجية الأميركية صراحة الجماعة الحوثية مسؤولية إفشال جهود تحقيق السلام في اليمن.
وتوالت المواقف التي تدين التصعيد العسكري الحوثي في مأرب والذي كان آخره إطلاق صاروخ باليستي على محطة وقود أسفر عن مقتل وجرح العشرات من المدنيين، من بينهم أطفال.
وأدان رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، بوب ميناندز، الهجوم في تغريدة على تويتر، حيث قال “يجب على المجتمع الدولي أن يدين على نطاق عالمي الهجوم الحوثي الوحشي على المدنيين في مأرب، التي لا تخضع لأهداف عسكرية مشروعة”، مضيفا “هذه ليست سلوكيات جماعة مهتمة بالسلام أو ذات مسؤولية حكومية”.
وكتب السفير البريطاني في اليمن مايكل آرون “أنباء مروعة عن انفجارات في محطة بترول في مأرب خلفت عشرات القتلى والجرحى من المدنيين. يجب على الحوثيين إيقاف هجومهم في مأرب والانخراط بجدية مع الأمم المتحدة. الاتفاق على وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني من شأنه أن يمنع مثل هذه الخسائر المأساوية ويسمح بالعمل الإنساني”.
كما تزايدت الأصوات الدولية التي تدعو الجماعة المدعومة من إيران إلى السماح للفرق الدولية بالوصول إلى سفينة النفط العائمة في البحر الأحمر “صافر” وصيانتها.
ويعتقد مراقبون للشأن اليمني أن وتيرة الضغوط الدبلوماسية، التي تمارسها واشنطن وبعض الدول الفاعلة في الملف اليمني، لا تتناسب مع حجم التصعيد الحوثي الذي يستفيد من حالة الارتباك الدولي والعجز عن تكوين موقف سريع وفاعل يحدث تحولا في مواقف الجماعة التي باتت تلعب في هامش الفراغ الدولي والأممي.