“رب ضارة نافعة”.. المفيد في انحياز “حماس” لإيران وتكريمها للجماعة الحوثية
باستثناء “الجماعة الحوثية”. شعر الجميع تقريبا في اليمن. بصدمة شديدة واستياء بالغ، من قيام ممثل حركة “حماس” معاذ أبو شمالة بتكريم قائد الميليشيات الانقلابية “محمد الحوثي”، مؤخراً في صنعاء.
حتى “إخوان اليمن” استاؤوا من قيام “إخوان فلسطين” بتكريم من يفترض أنهم أعداؤهم السياسيون، وخصومهم الأيديولوجيون، ومنافسوهم في توظيف واستثمار القضية الفلسطينية في اليمن.
غير أن موقف “إخوان اليمن” أكثر تعقيدا وإشكالاً وحساسية من مواقف بقية المكونات السياسية اليمنية. فهم:
– من جهة: امتداد لتنظيم دولي يجمعهم بحماس، ضمن علاقة عضوية وجودية واحدة.
– ومن جهة أخرى: كيان محلى متعدد العلاقات ومتوزع المصالح بين المحاور الإقليمية المتصارعة.
على هذا الأساس. أصدر “التجمع اليمني للإصلاح” بيانا رسميا. جاء في صدارته:
(دان مصدر مسؤول في الأمانه العامة للإصلاح’ ما أقدم عليه (ممثل) حركة حماس في صنعاء من تكريم لجماعة الحوثي الإجرامية).
البيان بمجمله قصير ركيك حافل بالأخطاء الإملائية، ما قد يوحي أنه كتب على عجل، غير أنه مدروس جيداً، ويتضمن الكثير من الرسائل والمغالطات الذكية، بدايةً بتصوير المشكلة:
كما لو كانت اجتهادا فرديا لـ”(ممثل) حركة حماس في صنعاء”، ولا تتعلق بحماس نفسها، وبموقفها الإقليمي العام المنخرط خلف المحور “الإيراني”.!
يعرف الجميع أن العكس هو الصحيح: تكريم حماس للحوثي في صنعاء امتداد طبيعي لانحيازها لإيران، وهو الموقف الذي أعلنته حماس، رسميا. جهارا نهارا. إثر حرب غزة الأخيرة.
كان انكشافاً مدوياً لحماس، وفي كل حال فإنه وضع مختلف فصائل جماعة الإخوان في المنطقة، وليس في اليمن فقط. في موقف حرج يقتضي الكثير من المخاتلة والمراوغة الدبلوماسية.
وهذا ما ظهر جلياً في بيان “الإصلاح” الذي جمع بين:
– التعبير عن تضرر إخوان اليمن من خطوة حماس (وهو تضرر فعلي).
– وبين التستر على حماس (وهو التزام أيديولوجي).
– وبين مداهنة الأنظمة المناوئة لإيران (وهو التزام مصلحي).
– وبين مداهنة الشارع والرأي العام والنخب. كنوع من التقية السياسية لرفع العتب ودرء التهمة وامتصاص الفضيحة.!
بعبارة أخرى: لم يكن بإمكان هذه الجماعة صياغة خطاب أفضل، يجمع بين التزامات متناقضة، بما يرضي حماس والسعودية وربما إيران، ويداهن الرأي الشعبي، ويبدي أن إخوان اليمن وقفوا حيث يقتضي الواجب.!
بيد أن هذه المخاتلة لم تعد مجدية، على الأقل ليس كما كانت. ما فعلته حماس بانحيازها علنا إلى إيران هو أنها جعلت اللعبة مكشوفة.. بتأكيدها:
أولاً: أنها. باتت -مثلها مثل حزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق- مجرد أداة إيرانية في المنطقة.
ثانياً: أنها. في أفضل الأحوال، تمثل قوى ومشاريع وقضايا إقليمية أكثر مما تمثل القضية الفلسطينية.
ثالثا: أنها انسلخت عن المحور العربي، ولها بالضرورة نوايا مشبوهة ضد هذا المحور المناوئ لإيران.
هذا بحد ذاته يجعل من مواقف حماس رغم كل شيء حافلة بالفوائد، “ربّ ضارة نافعة”. هذه الخطوة الحماسية، ستجعل النقاشات الجدلية المستقبلية ذات العلاقة أقل عدمية وأكثر جدوى، على حساب المزايدة والتشويش التقليدي المتعلق بحماس والإخوان المسلمين.
كان كل شيء عن هذه الجماعة معلوما مسبقاً. لكن.. من يقنع الجماهير؟!. بل من كان يجرؤ على انتقاد هذه الحركة الجهادية الكفاحية المبجلة. خاصةً في حال فتحها معركة مع الكيان الإسرائيلي.؟!
كان التشكيك بـنوايا وأجندات هذه الحركة يقابل برفض حاد واسع، باعتباره ربما خيانة للقضية الفلسطينية، وتواطؤاً مع الصهيونية العالمية.!
بخطوتها التاريخية الجريئة الأخيرة، كشفت حماس -لمن يريد ان يرى- عن وجهها الأصلي المختلف عن قناعها المثالي الراسخ في أذهان فئات واسعة من الناس على امتداد العالمين العربي والإسلامي.
والأهم أنها فندت بنفسها الخلط التقليدي الزائف الحاصل بينها وبين القضية الفلسطينية، كما كشفت نفسها بأثر رجعي، وظهر جلياً أنها والجماعات التي تتحدث وتتحرك باسمها. كانت. منذ البدء. تبتز مشاعرنا الوطنية والقومية والدينية والإنسانية، لمصالحها السياسية الخاصة والعابرة.!