طارق صالح يتطلع إلى دور روسي في الأزمة اليمنية واستعدادات داخل المعسكر لما بعد التسوية “تفاصيل”

تجدّد الجهود للدفع بتنفيذ بنود اتّفاق الرياض بين الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي لا يبدو هذه المرّة منفصلا عن الجهود الأوسع نطاقا لإيجاد مخرج سلمي للصراع في اليمن ككلّ، بينما بدأت العديد من الأطراف السياسية اليمنية تستعد لأخذ مكانها في مرحلة ما بعد التسويات الكبرى التي تزايدت الآمال في التوصّل إليها بسبب انخراط قوى إقليمية ودولية فاعلة في محاولة إنجازها. 

تتواصل في العاصمة السعودية الرياض جهود استكمال بنود اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، في الوقت الذي يشهد فيه معسكر القوى المناوئة للحوثيين حراكا متسارعا بهدف لعب دور في ترتيبات مرحلة ما بعد الحرب التي يقودها المجتمع الدولي وترعاها الأمم المتحدة. 

وتؤكد مصادر يمنية وجود ارتباط وثيق بين عودة الحديث عن استكمال تنفيذ الاتفاق والرغبة في تهيئة معسكر المناوئين للحوثي في اليمن لمواجهة التطورات المرتقبة في الأزمة اليمنية واستيعاب ترتيبات ما بعد الحرب. 

ويعتبر مراقبون أن الزيارة التي أجراها العميد طارق صالح، رئيس المجلس السياسي للمقاومة الوطنية في الساحل الغربي، إلى العاصمة الروسية موسكو مظهر من مظاهر سعي بعض الأطراف لتكون جزءا من ترتيبات المرحلة القادمة وحجز مقعد في مشاورات الحل النهائي. 

ووصف الباحث السياسي اليمني سعيد بكران زيارة العميد طارق صالح لموسكو بأنها “حدث بالغ الأهمية ويعطي دلالة واضحة على أن المجتمع الدولي يسير نحو كسر استئثار طرفي النزاع في اليمن بالحديث عن الملف. والطرفان هما الحوثيون كطرف ممثل للانقلاب والإخوان كطرف فاعل في الشرعية”. 

وقال بكران إن الأمر لم يعد كذلك الآن “بعد الانفتاح الروسي على الانتقالي الجنوبي وحاليا على المقاومة الوطنية”، مضيفا “يبدو المشهد الآن وكأننا أمام جبهتين في الصراع اليمني؛ جبهة إسلامية حركية يمثلها الحوثيون والإخوان المسلمون وجبهة وطنية يمثلها الانتقالي الجنوبي والمجلس السياسي، وهذه الصيغة هي الصيغة الحقيقية للصراع. ويبدو أن موسكو في طريقها لفلسفة الصراع على هذا النحو الذي يختصر الكثير ويحل ألغازا معقدة ظل اليمن بسببها يراوح مكانه في صراع بلا ملامح”. 

ويؤكد الباحث رماح الجبري أن روسيا التي زارها قبل أسبوعين وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك ويزورها حاليا طارق صالح، وقبل ذلك زارها وفد من المجلس الانتقالي الجنوبي، تستمد أهميتها في المشهد اليمني من ناحية تأثيرها المفترض على إيران التي قد يعول عليها في بلورة الحل السياسي في اليمن وإيجاد صيغة تتناسب مع حجم المكونات السياسية وخارطة السيطرة. 

وأكدت مصادر سياسية مطلعة لـ”العرب” حدوث انفراج في مسار التفاهمات بين الشرعية والانتقالي الجنوبي في ظل مؤشرات على عودة وزراء الحكومة المنبثقة عن اتفاق الرياض إلى العاصمة المؤقتة عدن التي غادروها في أعقاب اقتحام متظاهرين غاضبين من تدهور الخدمات مقر الحكومة بقصر معاشيق في مارس الماضي. 

واتهمت الحكومة اليمنية ضمنا المجلس الانتقالي بالوقوف خلف المظاهرات، في الوقت الذي دأب فيه المجلس على توجيه أصابع الاتهام للحكومة بالتخلي عن مسؤولياتها بموجب اتفاق الرياض وافتعال الأزمات الاقتصادية والخدمية في عدن والمحافظات الجنوبية المحررة. 

وشهدت العلاقات بين الحكومة والمجلس الانتقالي تدهورا كبيرا بعد مغادرة رئيس الوزراء وطاقمه عدن، حيث أعقبت ذلك عودة قيادات المجلس الانتقالي السياسية والعسكرية بشكل مفاجئ وتجدد التوتر العسكري في محافظتي أبين ولحج، إضافة إلى شروع الانتقالي في اتخاذ إجراءات وصفت بالتصعيدية من بينها مصادرة بعض المقرات الإعلامية التابعة للحكومة، وهو الأمر الذي قالت مصادر في المجلس لـ”العرب” إنه جاء ردا على قرارات حكومية غير معلنة تقضي بتجميد صلاحيات الوزراء المحسوبين على الانتقالي. 

وفي تصريح لـ”العرب” قال منصور صالح، نائب رئيس الدائرة الإعلامية في المجلس الانتقالي الجنوبي، إن ذهاب وفد المجلس إلى الرياض يأتي تأكيدا لتمسكه بالاتفاق ورغبته في استكمال تنفيذه. 

وأشار إلى أن المجلس أكد في لقاءاته مع كل الأطراف ومع سفراء وممثلي المجتمع الدولي حرصه على تنفيذ الاتفاق كما هو دون انتقائية. 

وعن أبرز ملامح الخلاف بين الانتقالي والحكومة اليمنية، في ما يتعلق بآلية تنفيذ اتفاق الرياض، لفت القيادي في المجلس إلى أن الانتقالي يعتبر أن “هناك أولوية يجب أن تسبق الحديث عن تنفيذ ما تبقى وهي عودة رئيس الحكومة إلى عدن واضطلاع حكومته بمهامها في صرف الرواتب وتحسين الخدمات ومعالجة انهيار العملة وما تسببت به من انعكاسات سلبية على حياة المواطن في محافظات الجنوب”. 

وأضاف “للأسف ما زال هناك تراخٍ، بل هناك تحايل واضح من قبل القوى النافذة في مؤسسة الرئاسة والشرعية اليمنية على الاتفاق، ومن ذلك عدم عودة الحكومة وتحركها في أنشطة مشبوهة في محافظات أخرى، وهذا أمر مرفوض. كما أن هناك تصعيدا عسكريا ضد الجنوب بل وتحريكا للعناصر الإرهابية لتنفذ اغتيالات وجرائم ضد كوادر وقيادات عسكرية جنوبية. وكل هذا لا يخدم الاتفاق ولا يوفر بيئة مناسبة للمضي في استكمال ما تبقى منه”. 

ومن جهته أرجع بكران في تصريح لـ”العرب” تعثر تنفيذ بنود اتفاق الرياض في المرحلة السابقة إلى ما أسماه “حسابات الشرعية المرتبكة وتقديراتها الخاطئة”. 

وأضاف “كمراقبين تابعنا كيف أعاقت الرئاسة اليمنية حكومة اتفاق الرياض وجردتها من الصلاحيات والإيرادات ثم واجهتها بالأزمات في عدن والتحريض الإعلامي المستمر من أجل إفراغ عدن من الحكومة لتثبت هذه الشرعية صفة التمرد على المجلس الانتقالي”. 

ولفت بكران إلى وجود علاقة وثيقة بين الحراك الكبير في الملف اليمني لخفض التصعيد وإحلال السلام وبين التفاعلات التي يشهدها ملف اتفاق الرياض، مرجحا أن تمتد الضغوط الدولية نحو تطبيق البنود الواردة في الاتفاق بشكل كامل. 

ومن زاوية مختلفة ينظر الباحث السياسي اليمني رماح الجبري إلى عودة الحراك السياسي في ما يتعلق بتنفيذ اتفاق الرياض بالتوازي مع تصاعد الجهود الدولية لوقف إطلاق النار في اليمن، مشيرا إلى ما يصفه “تشابه الوضع في صنعاء وعدن من ناحية المعاناة الإنسانية وتردي الخدمات وتوقف صرف الرواتب”، مع وجود اختلاف في آليات الحل حيث “لا يزال اتفاق الرياض أرضية مشتركة يمكن البناء عليها لتحقيق المصالح المشتركة بين الحكومة والانتقالي، فيما الطريق مسدود تجاه الحل السياسي في صنعاء نتيجة التعنت الحوثي ورفضه لكل جهود السلام”. 

وأضاف الجبري، في تصريح لـ”العرب”، “لم يستطع أي طرف يمني فرض واقع جديد خلال الأشهر الماضية، سواء الميليشيا الحوثية المدعومة من إيران التي عجزت عن التقدم تجاه مأرب رغم كل الحشد والتعزيزات أو الانتقالي الجنوبي الذي يتلكأ في مشروعه وهو عاجز عن تجاوز اتفاق الرياض، ما يجعل الاتفاق جسر عبور إجباري للانتقالي والشرعية بمختلف أطرافها”. 

Exit mobile version