يكافح اليمنيون، في وقت يعجزون فيه عن عيش حاضرهم بسبب الحرب والدمار، لحفظ متاحفهم بما تضمّه بين جنباتها من محتوى يعد الأكثر ثراء في شبه الجزيرة العربية.
يقبع تمثال برونزي لأهم آلهة مملكة سبأ، التي قامت في ما أصبح الآن محافظة مأرب اليمنية، في غرفة محصنة مظلمة بالمتحف الوطني في صنعاء.
وهذا التمثال صنعه رجل يدعى هوثر عثت في النصف الأول من القرن السادس قبل الميلاد، وامتلك من الحظ ما يكفي للنجاة من الحرب الدائرة في الوقت الراهن في اليمن على النقيض من العديد من القطع الأثرية الأخرى، فقد صمد متحف صنعاء بمعجزة ما خلال سنوات القصف.
وقال إبراهيم الهادي مدير المتحف “استهدفوا المنشآت القريبة مثل القيادة والشرطة الراجلة، تأثر المتحف مما أدى إلى إتلاف وتدمير بعض الفترينات بالإضافة إلى حدوث تشققات في المبنى نفسه”.
ونُقلت معظم مقتنيات المتحف إلى غرف آمنة. وتم تخزين مجموعات من السيوف والبنادق والخوذات العربية، بعضها مطعم بالذهب، في صناديق مغطاة. وبعدما خضع تمثالان برونزيان لأسدين من مملكة قتبان الوثنية للترميم في متحف اللوفر في 2008، أصبح مصيرهما البقاء في غرفة مظلمة.
وأفاد عبدالله إسحاق الخبير في المتحف، بأن “هذا المخزن يعتبر نموذجا عن بقية المخازن الموجودة”، مشيرا إلى أنه “تم ترتيبه بطريقة علمية حديثة، ترقى للمستوى العالمي في التعامل مع القطع الأثرية الهامة”.
لكن متاحف اليمن، ذات المحتوى الأكثر ثراء في شبه الجزيرة العربية، تقف شاهدة على وطأة الحرب على التراث الثقافي للبلد، والتي تطغى عليها عادة الخسائر البشرية بين المدنيين والوضع الإنساني المتردي.
وامتدت عمليات التدمير والنهب التي طالت الآثار اليمنية إلى كل المدن التي وصلت إليها الميليشيات، ومنها مدينة تعز التي نالت النصيب الأكبر من عمليات التخريب، حيث تم قصف العديد من المواقع الأثرية في المدينة بالمدفعية الثقيلة، مثل مقر الهيئة العامة للآثار والمتاحف التي تضم العديد من القطع والمخطوطات النادرة التي أتت عليها نيران الحرائق جراء القصف العنيف.
كما طال الدمار قلعة القاهرة التاريخية التي تطل على مدينة تعز والتي يعود تاريخ بنائها إلى النصف الأول من القرن السادس الهجري.
ففي مدينة تعز المتنازع عليها اجتمعت العوامل الطبيعية مع الصراع لتحيل مبنى المتحف الوطني التاريخي خرابا، إذ تفحمت مخطوطات واحترقت الأرفف وتناثر الزجاج المهشم داخل المبنى. ونمت أشجار الأكاسيا ضاربة بجذورها في الأرض وساهمت في تهدم الجدران.
وأكد رمزي الدميني مدير المتحف، أن “ما تعرض له المتحف الوطني خلال السنوات الست الماضية من تدمير وقصف تسبب في تهدم أجزاء كثيرة من المبنى”. وأضاف الدميني “هذه المتاحف تعرضت للكثير من الأشياء إلى جانب التدمير من بينها النهب والسرقة، كما أن أجزاء من مخازنها تعرضت للحرق”.
وبدأت الهيئة العامة للآثار والمتاحف في اليمن التعاون مع الصندوق العالمي للآثار لترميم أجزاء من هذه المباني. لكن المتحف فقد بالفعل نحو 70 في المئة من مقتنياته، رغم استعادة بعض القطع المسروقة من الأسواق المحلية واسترداد بعض القطع الأخرى التي أعادها متطوعون.
وقال أحمد جسار المدير العام للآثار في تعز “لا نخفي أنه يتم تهريب بعض القطع الأثرية إلى خارج المحافظة وإلى خارج اليمن”.
ويعاني اليمن إلى جانب تأثير الحرب المدمر على معالمه الأثرية من بعض لصوص الآثار الذين يقومون بالتنقيب العشوائي بهدف السرقة والوصول إلى قطعة آثار يمكن أن تباع لسائح أو زائر، بثمن لا يمكن أن يبلغ بأي حال من الأحوال ما تحمله تلك الآثار من قيمة تاريخية.
ويشار إلى أن هناك بقايا أنقاض مبان ومعابد تم تحطيمها والاستفادة من حجارتها في البناء، وما تبقى منها آيل إلى السقوط، مع مرور الزمن، وربما تُعجّل الكثبان الرملية في الصحراء بطمره.