عندما تنعدم الحلول السياسية وتفشل الحرب في إنجاز معركة حسم وإقرار دولة ونظام، وتبقى معارك الكر والفر والاستنزاف مفتوحة نحو المجهول وتخلط أوراق الحرب بالتجارة والمصالح يبقى أفق الحرب بلا نهاية ممكنة، ويمكن الحكم حينها أن المشهد اليمني خارج السيطرة والجميع والمجموع الشعبي ضحية وفي حالة فرجة إجبارية، وليس هناك فعل ولا رؤية تحرك دواليب السياسة ولا جبهات المعارك، وفي مثل هذا الجمود الذي يطال دولا وشعوبا بفعل الحرب يأتي دور النخبة الاجتماعية والسياسية وحركة النقابات حاسما ومنقذا أحيانا كي يتم تدارك الأمر من بعض المهمومين بالوطن من المؤمنين بالمدنية، والمدركين لمخاطر جماعات الله وأحزابه بكل أسمائها، فيصنعون أملا ما.
عندما تضيق مساحات الأمل من انتهاء الحرب، وهذا الأمر أصبح في اليمن حقيقة يكاد يجمع الجميع أن سنوات من الحرب لا تزال تكشر عن انيابها، وعندما نتحدث عن دور نخبوي من هذا القبيل فقطعا تعز هي مستودع النخبة، ومن هنا يجب أن نبدأ بالذهاب وبخطوات مدروسة نحو اصطفاف مدني يجمع الشتات.
وهذا ما توافقت عليه بعض القوى في تعز تحت رؤية محاربة الفساد وشكلت التكتل المدني “تم”، لمجابهة الفساد في المؤسسة العسكرية والسلطة المحلية وغيرهما، ليمتد مستقبلا إلى قضايا وطنية أخرى ويمكن أن تذهب التجربة إلى بعض المحافظات، هذا الأمر أصبح ضرورة ملحة على الأقل لإدارة المحرر وتقديم نموذج لا يشبه نموذج الحوثي أو أسوأ منه كما فعل إخوان تعز، وكما يفعل منتسبو الحكومة عموما، الذين اختاروا أن يقفوا هناك بعيدا، منشغلين بقضاياهم الخاصة بينما إيرادات البلد تنهب والعملة تضيع والناس تحت خط الفقر، وهناك من يموت جوعا ومن يموت مرضا ومن يموت بالقصف ومن يموت على أيدي وسلاح البلاطجة والعابثين.
لذلك كله فإن هذه التجربة الوليدة في تعز قد يكتب لها نجاح لكنها لا تزال بحاجة إلى طرح الأفكار والرؤى لهذا الاصطفاف، وتحتاج أن يرافقها التنسيق مع كل الكيانات والشباب وتحشيد كل الطاقات وتحفيز الهمم وخلق الثبات من رماد السبات، ولعل هناك من الفرص الكثير لإقامة هكذا اصطفاف مدني واعٍ.
لم يعد الأمر اختياريا بل ضرورة ماثلة كي نبقى أحياء، بشيء من كرامة، مع أبسط حقوق الإنسان، في بلد يتقاسمه الإخوان والحوثي وعصابات الفساد.