المركزي في عدن يطارد القيمة المتلاشية للعملة المحلية “منع التحويلات إلى كافة المحافظات”
فرض البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن على كافة محلات الصرافة منع التحويلات المالية إلى المحافظات الأخرى وخاصة تلك الخاضعة للحوثيين، في مسعى للحفاظ على سعر العملة المحلية، التي تسير في طريق الانهيار نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية بعد أن بلغت مستويات اعتبرها خبراء كارثية زادت من متاعب الملايين من اليمنيين.
رضخ البنك المركزي في عدن لحقائق الواقع في مطاردته المضنية منذ أشهر للقيمة المتلاشية للريال، وقرر بداية من مساء الأحد الماضي منع التحويلات المالية المحلية بين المحافظات.
ويستهدف الإجراء بالأساس مناطق سيطرة الحوثيين، حيث عملت هذه الجماعة المدعومة من إيران على المضاربة على العملة المحلية لتمويل حربها على القوات الحكومية الشرعية.
وقالت جمعية الصرافين في عدن في بيان عقب القرار إنه “بناء على توجيه البنك المركزي تقرر إغلاق كافة شبكات التحويلات دون استثناء بدءا من العاشرة من مساء الأحد بالتوقيت المحلي”.
ونسبت وكالة رويترز إلى المتحدث الرسمي باسم الجمعية صبحي باغفار قوله إنه “بعد تدارس بعض الإجراءات بالتنسيق مع المركزي لوقف التدهور في قيمة العملة، تم التوجيه من البنك بإغلاق كافة شبكات التحويل دون استثناء وذلك لتجنب استخدامها في أي عمليات مضاربة للعملة في سوق الصرف”.
وأضاف “كافة الشبكات والتحويلات تم إيقافها مطلقا وستستمر إلى أن نرى حلولا أو إجراءات تعالج الأزمة الكارثية الخانقة وتحولا نوعيا في التعاطي مع هذه الأزمة”.
ويأتي تحرك المركزي وسط استمرار تراجع قيمة الريال إلى مستويات قياسية أمام سلة العملات الأجنبية الرئيسية منذ أكثر من عامين، مما أدى إلى ارتفاع كبير في الأسعار.
وفقد الريال أكثر من ثلاثة أرباع قيمته مقابل الدولار منذ مطلع 2015، إذ كان سعر صرف الدولار 215 ريالا في 2014، وتسبب تداعي العملة في ارتفاع كبير للأسعار وسط عجز الكثير من اليمنيين عن شراء بعض السلع الأساسية.
ويتفق خبراء اقتصاد ومختصون ماليون في تفسيرهم لما يجري، إذ يرجعون ذلك إلى الكلفة الاقتصادية التي يدفعها اليمنيون بسبب الحرب الدائرة منذ سبع سنوات تقريبا، فيما ترجعه الحكومة الشرعية إلى أنه نتيجة حتمية لانقلاب جماعة الحوثيين.
ويواجه معظم اليمنيين ظروفا معيشية كارثية اقتربت من حدّ المجاعة في معظم المناطق نتيجة التدهور الاقتصادي وغياب فرص العمل وتوقف صرف الرواتب في مؤسسات القطاع العام في مناطق سيطرة الحوثيين منذ الانقلاب.
كما تسببت التوترات الأمنية في اضطراب نشاط الأسواق المحلية في كافة المحافظات وسحب العملة الصعبة منها، وبالتالي ارتفاع قيمتها مقابل الريال، مما انعكس بشكل مباشر على أسعار السلع المختلفة.
وأدت الحرب إلى أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخ البلاد، دفعت قرابة 80 في المئة من بين 30 مليون إجمالي سكان اليمن، للعيش دون خط الفقر البالغ أقل من دولارين للفرد يوميا، كما تشير إلى ذلك الأمم المتحدة.
وكان رئيس الحكومة اليمنية معين عبدالملك قد حذّر مرارا من أن استمرار انهيار عملة بلاده، ينذر بحدوث مجاعة.
وقال متعاملون في عدن لرويترز إن سعر الريال سجل انخفاضا كبيرا إلى 940 ريالا للدولار للشراء و948 ريالا للبيع، بعد أن كان منذ أسبوعين عند 925 ريالا للدولار.
غير أن سعر صرف الريال أمام الدولار يبلغ في العاصمة صنعاء وبقية المناطق التي تسيطر عليها حركة الحوثي بشمال البلاد 600 ريال للدولار.
ويرجّح محللون أن يخسر الريال المزيد من قيمته إذا لم تتدخل الحكومة عبر سلسلة من الإجراءات الصارمة، في مقدمتها ترشيد الإنفاق الحكومي في بند الرواتب الذي بات يصرف بالدولار والتوقف عن طباعة العملة دون غطاء.
ويعاني الاقتصاد اليمني من الشلل التام منذ سيطرة ميليشيات الحوثي على العاصمة صنعاء ومؤسساتها السيادية في سبتمبر 2014 ونهبها لاحتياطات البنك المركزي.
واستولى الحوثيون على نحو 85 في المئة من الإيرادات العامة للدولة من ضرائب وجمارك وحصص الدولة في الشركات الحكومية، إضافة إلى الجبايات غير القانونية تحت مسميات مختلفة مما فاقم العجز في مالية الدولة.
وتؤكد المؤشرات الصادرة عن المؤسسات المالية الدولية أن الصراع بين المركزي في عدن ونظيره في صنعاء ساهم في بروز حالة انفلات مصرفي كبير، وخاصة بعد منع الحوثيين تداول العملات الجديدة التي طبعها المركزي في عدن خلال العامين الماضيين.
وبينما يلقي متابعون باللائمة على الحرب المستمرة في ما يتعلق باستمرار الانهيار الاقتصادي والسقوط المتسارع للريال، فإن غياب أي إجراءات اقتصادية ونقدية من الحكومة الشرعية أو الحوثيين ساهم في ازدهار السوق السوداء للعملة التي تمكنت من إدارة عجلة اقتصاد الحرب بما يخدم مصالح النافذين.
وفي ظل غياب حل سريع لحسم الصراع تبدو الآفاق الاقتصادية لليمن على المدى القريب قاتمة. ومع استمرار الجائحة في العالم ودون إيجاد مصادر تمويل خارجية إضافية يتوقع صندوق النقد الدولي انكماش الناتج المحلي الإجمالي بواقع اثنين في المئة هذا العام بعد تراجعه في العام الماضي بنحو 8.5 في المئة.
ويقول خبراء الصندوق إن استمرار قيام المركزي بتمويل عجز الميزانية العامة والذي يتسبب في انخفاض سعر الصرف فضلا عن ارتفاع أسعار الغذاء والنفط العالمية٬ سيسهم في حدوث المزيد من التضخم السريع. كما سيؤدي ارتفاع الأسعار الدولية إلى زيادة الضغط على ميزان المدفوعات والاحتياطات النقدية.
ومنذ 2015، تآكلت الاحتياطيات النقدية من العملة الصعبة تدريجيا، كما تعثرت صادرات النفط والغاز، وتخلى البنك المركزي عن تمويل استيراد السلع الأساسية والوقود على مراحل.
في المقابل، حافظت تحويلات المغتربين على قيمتها المطلقة عند نحو 3.3 مليار دولار في 2015، وارتفعت قليلا إلى 3.7 مليار دولار في عام 2016، وقدرت بحوالي 3.4 مليار دولار في عام 2017، قبل أن تتراجع دون مليار دولار في العام الماضي.