هل قيادتنا صالحة بيولوجياً قبل أن تكون صالحة سياسياً
عندما تكون قيادة الشعب ومن يمسكون بمصيره وقراره على مشارف سن الثمانين ولهم من كل الأمراض نصيب، نتيجة التهام وجبات الكربوهيدرات وأشكال الحلوى والمعجنات والكبسات، التي هي مصدر كل وباء وعلة جسدية وسياسية، حتما هنا تكون صلاحية هؤلاء القادة منتهية بيولوجيا، ويكونون في حالة زهايمر، غالبا ينسون فيه حتى ملياراتهم في البنوك وأسماء أولادهم وأفعالهم المشينة، ناهيك عن الانتهاء بفعل العوامل الأخرى وهي أكثر من أن ترصد، وفي مثل هذا الوضع حتما لا تجدي الزيارات المرضية إلى ألمانيا وامريكا في ترميم شروخ العمر، وندوب الأيام، وقديما قال زهير بن أبي سلمى:
ومن يعش ثمانين حولا .. لا أبا لك يسأمي..
ليس هناك تغيير نوعي حصل في أي شعب ما لم يكن وراءه قادة من طراز رفيع يقدسون الوطن وترابه، ويعملون لأجله كأنه مشروعهم الخاص ونجاحهم المأمول، ممتلئون شغفًا وحبا لما يعملون ويبذلون ويضحون، ولديهم طاقة صحية وعنفوان الشباب وحماسته وعقول الرجال الحكماء أيضا.
عندما أرادت امريكا الاستقلال من بريطانيا، وهي المملكة العظمى التي لا تغيب عنها الشمس، كان هناك اولا وثانيا قادة مقتدرون كبار مثل توماس جيفرسون الملهم وبينجامين فرانكلين، وغيرهم، وعندما أرادت اليابان أن تعود لبناء الذات وخلق اليابان الحديثة من رماد الموت استحضرت قادتها الأنقياء، وكذلك فعلت معظم شعوب العالم حتى المانيا وهي تخرج من رماد الحرب ومن مغامرات هتلر صنعت الشيء ذاته مع تحفيز روح الناس بالأمل والعمل معا، وفي روسيا صنعت قيادة لينين ورفاقه للاتحاد السوفييتي مجده ودولته العظمى، وصنع ماو تسي تونغ، للصين ذات الشيء.
وحدهم القادة الشغوفون بالتغيير، من يخرج البلاد من أنفاقها المظلمة ويظل القادة النائمين يتخبطون بشعوبهم أودية الهلاك إلى ما لا نهاية.
لا يحدث التغيير في حياة الشعوب وإسقاط منظومة الفساد بغير تظافر جهود الناس والشباب مع هؤلاء القادة.
ما نحتاجه في لحظتنا الكابوسية الراهنة هو هذا النوع من القادة كي يقوموا بتعبئة وجدانية مُلهمة، توقظ الناس وتخرجهم من حالة السبات والاستسلام بالقدر الجاثم على قلوبنا.
إن أبرز مشاكلنا الحالية هي السلطة الحاكمة الغائبة عن الحضور والتي يعتريها المرض بكل اشكاله.
إننا بحاجة إلى قادة ايضا في الشارع وفي الأحزاب من ذوي ألارواح المشتعلة، التي ملؤها الشغف بالتغيير. قادةٌ قادرون على صياغة خطاب عملي يكونون في مقدمة الصفوف لإنجازه، ينخرطون بصورة دؤوبة في فعل التغيير، يغادرون المكاتب والغرف إلى محيطهم الشعبي، ويستعيدون ثقة الناس بهم، من خلال اتصالٍ ميداني دائم، لا ينجرون إلى المساومات الصغيرة ومربعات الحلول الوسط والمساحات الرمادية الهشة والمناورات والمماحكات.
لقد شاخ الشعب اليمني يوم أن شاخت نخبتة وقيادته التي لم تعد صالحة بيولوجيا ناهيك عن صلاحها سياسيا.
وإلى أن يكون ذلك ستبقى كل قضايا الحرب والسلم والحوار وآفاق السياسة مغلقة ومعلقة إلى أجل بعيد.