د. ياسين سعيد نعمان.. مثقف تنويري قبل أن يكون سياسيا مخضرما، وأحد رجال الحركة الوطنية الموهوبين، عصامي ممتلئ بالمبادئ الإنسانية، يقف على أرض صلبة مقارنة بالساسة اليمنيين أو رؤساء الأحزاب الذين يضج تاريخهم بفضائحيات فساد أو دم مستباح.
ياسين، كمثقف عندما اشتبك بالسياسة كان متمنعا عن خطاب التعبئة والوعود المثالية وتخدير الناس واستغلال أدوات التحكم الشعبية المألوفة، ومنها الدين أو المناطقية وغير ذلك، وقبل ذلك كله كان ياسين انسانا متزنا متواضعا وهو كذلك حتى اللحظة، ولا أدل على ذلك أنه يستطيع أن يحضر في أي نقاش إن مر به أو صادفه عابرا ووجده محتدما ليسجل رأيا أو فكرة دون اختيار لأهمية المكان أو المنبر أو الصفحة أو الشخص، فهو من يعطي المكان جلاله ويكسبه قدره، كما أنه لا يحسب كلفة المكاسب والخسائر لتواجده في هذا المنبر أو ذاك.
يتعامل دون انتفاخ الساسة وطرزانات الثقافة وكرزانات الفقه، كما أنه لا يلتفت إلى تبعات الرأي أو النقد الذي سيطرحه، يحاول أحيانا أن يخط سطرا بطريقة الحكيم، واحيانا يتناول المشرط فيجري للقوم عملية فكرية مستعجلة تفرضها الظروف والأحكام، كوخزة عابرة يحتاجونها حتما ولا يدركون ذلك الاحتياج، فتجعلهم يصرخون، رغم أنه غالبا يستخدم اجود انواع “البنج ” الطبي كي تمر العملية دون ألم، ومع كل عملية يقوم بها وهي لصالحهم لو كانوا يعقلون، يذهبون ليستجمعوا غثاء القواميس، ويستنسخوا من كتب الاقدمين والمعاصرين سطورا من فيوض المتون كي ينالوا منه، فلا يكون إلا سحر فرعون الذي يسقطه عصا ياسين صاحب الفكرة الوجيزة الكثيفة المعنى من وهج الخبرة ورصيد التجربة وفيض الخلق..
يعلم ياسين أن القوم في السر غير القوم في العلن، وهو الذي عقد معهم شراكة طويلة تحت مظلة اللقاء المشترك، حاول جاهدا مع آخرين انسنتهم دون جدوى، “فذيل الكلب عمره ما يتعدل، قالها ذات يوم المصري بسيوني الجراح”.
القوم باختصار.. لا يقرأون وإذا فعلوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يطبقون، تمنعهم ما اعتادوه بالتجربة والمراس والسلوك من التعود والاعتماد والاعتياد على صنوف المؤامرات والعيش تحت سراديب تعج بالسموم والشكوك، القوم بحاجة إلى قراءة ياسين كسلوك وتاريخ متسق، وكرؤية واحرف مستقيمة.. لا سيما اولئك الذين يتناولونه ويتطاولون عليه، إنهم موتى، موتى بحق، ضميرا وتاريخا وسلوكا واخلاقا وكتابة ونقدا وشعرا ونثرا. وإكرام الميت دفنه، ولا جدوى من اي علاج أو ترقيع “إلا الحماقة أعيت من يداويها”..
ياسين عليكم ياسين.
“اقرأوا على موتاكم ياسين”.