أهمّية معركة البيضاء ؟!
- هناك معركة كبيرة تدور في البيضاء لا علاقة لـ"الشرعية" بها وليس معروفا ما الذي ستؤول إليه هذه المعركة من نتائج في ضوء إرسال الحوثيين تعزيزات جديدة إلى البيضاء خشية خروجهم منها.
الأكيد أنّ للمعارك الدائرة في محافظة البيضاء اليمنية أهمّية خاصة نظرا إلى أنها تخفّف الضغط الذي يمارسه الحوثيون (أنصارالله) على مدينة مأرب التي يسعون للسيطرة عليها. يمارس “أنصارالله” ضغوطا على مأرب استكمالا لمشروع إقامة الدولة التي تدور في فلك إيران في شمال اليمن.
لم تجد القوات التابعة لـ”الشرعية” اليمنية من خيار آخر غير التصدّي للهجمة الحوثية على مدينة مأرب التي يعني سقوطها أوّل ما يعنيه ضربة قاصمة لهذه “الشرعية” التي تحتاج إلى اتخاذ مبادرات من كل نوع لإثبات أنّه لا تزال هناك فائدة تذكر منها. من بين المبادرات التي يفترض في “الشرعية” اتخاذها الانخراط في معركة البيضاء بدل الوقوف موقف المتفرّج على ما يدور ثمّ ادعاء تحقيق انتصارات في مرحلة معيّنة.
جاء تحرير قسم من محافظة البيضاء ذات الأهمّية الاستراتيجية الكبيرة على يد قوات لا علاقة لها بـ”الشرعية” التي يمثلها الرئيس المؤقت عبدربه منصور هادي الذي يجري حاليا فحوصات طبّية في الولايات المتحدة. لو كانت “الشرعيّة” ومعها الإخوان المسلمون الذين يمثّلهم حزب الإصلاح جدّيين في التعاطي مع موضوع البيضاء، لكان هناك لجوء إلى سحب قوات من حضرموت وشبوة وأبين (منطقة شقرا تحديدا) تمهيدا لإرسالها إلى البيضاء مجددا. يمثّل ذلك ضرورة قصوى في ضوء مخاوف جدّية من استعادة الحوثيين المواقع التي خسروها في محافظة ذات حدود مشتركة بطريقة أو بأخرى مع مناطق عدّة، خصوصا مع ست محافظات أخرى شمالية وجنوبيّة هي إب وذمار وشبوة وصنعاء (طريق بني ظبيان) وأبين والضالع.
ستترتب على تحرير البيضاء من الحوثيين نتائج مهمّة من بينها إثبات وجود قوى محلّية مستعدة للوقوف في وجه التمدّد الحوثي الذي يشمل محافظة في غاية الأهمّية هي إب. ليس سرّا أن الحوثيين كانوا يسيطرون على البيضاء في ظلّ اتفاقات مع قبيلة الحميقان التي تضايقت أخيرا من تصرّفاتهم. ليس سرّا أيضا أن “أنصارالله” يراعون سكان المحافظات ذات الأكثريّة الشافعية أكثر بكثير من المحافظات الزيدية حيث يمارسون القمع إلى أبعد حدود كما هو الحال في صعدة وعمران وذمار وصنعاء نفسها.
هناك معركة كبيرة تدور في البيضاء لا علاقة لـ”الشرعيّة” بها. ليس معروفا ما الذي ستؤول إليه هذه المعركة من نتائج في ضوء إرسال الحوثيين تعزيزات جديدة إلى البيضاء خشية خروجهم منها. في انتظار نتائج معركة البيضاء ستكون “الشرعيّة” على استعداد دائم لركوب الموجة في حال تحقّق انتصار. كما العادة، ستكون مستعدّة لإلقاء اللوم على الآخرين في حال لم يتحقّق مثل هذا الانتصار. مثل هذا السلوك سبب أكثر من كافٍ لإعادة تشكيل “الشرعيّة” من جهة والسعي لكيفية العمل من أجل إفشال المشروع الإيراني في اليمن من جهة أخرى.
لا تزال الأمور في اليمن في غاية التعقيد. يزيد من هذا التعقيد غياب أي رؤية استراتيجية لـ”الشرعية”. كيف يمكن أن تتوافر هذه الرؤية في غياب “الشرعية” نفسها؟
في كلّ الأحوال، يبدو اليمن مقبلا على المزيد من التشرذم والضياع والتجاذبات. الأكيد أن تعيين السويدي هانس غروندبرغ مبعوثا أمميا إلى اليمن لا يشير إلى رغبة دولية في إيجاد تسوية في هذا البلد الذي انتقلت إليه العدوى الصومالية. لا يمتلك الدبلوماسي السويدي الذي سبق له أن عمل في اليمن أي وسيلة لوقف الحرب. ليس مستبعدا أن يكون مثله مثل الذين سبقوه، مثل المغربي جمال بنعمر والموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد والبريطاني مارتن غريفيث، شاهد زور آخر على المأساة اليمنيّة. فقد أنهى غريفيث مهمته الشهر الماضي دون تحقيق أي تقدم على مسار السلام في اليمن. كلّ ما فعله كان إنجاز اتفاق ستوكهولم الذي بقي حبرا على ورق، لكنّه ساعد الحوثيين على الاحتفاظ بميناء الحديدة الذي كان يمكن إخراج “أنصارالله” منه مثلما طردوا من عدن وميناء المخا. لم يكن لدى “الشرعيّة” أي دور في ذلك. معروف من أخرج الحوثيين من عاصمة الجنوب اليمني ومن ميناء المخا الذي يمكن منه إغلاق باب المندب!
ثمّة حاجة أكثر من أيّ وقت إلى المزيد من الوضوح في الرؤية في اليمن. ثمّة حاجة إلى استخلاص العبر من تجارب الماضي القريب مع ما يعنيه ذلك من استفادة من معركة البيضاء حيث تتصدّى القبائل المحليّة المدعومة من قوى معيّنة للحوثيين. ما لا يمكن تجاهله في الوقت ذاته أنّ صمود مأرب ما كان ليتحقّق لولا انضمام قبائل مثل عبيدة ومراد إلى المدافعين عن المدينة.
بدأت تلوح في الأفق مقاومة للحوثيين في مناطق مختلفة من اليمن، خصوصا بعدما عمل هؤلاء على قمع اليمنيين، بما في ذلك أهل صعدة وعمران وحجة وصنعاء. لا شك أن الحوثيين لم يستخدموا الضغط الذي مارسوه على زيود اليمن مع سكان المحافظات ذات الأكثرية الشافعية. لجأوا إلى وسائل أكثر ذكاء ودهاء في تعاملهم مع الشوافع، لكنّ مشروعهم المتخلّف لا يمكن إلا أن ينتهي بالفشل. قوتهم تكمن في الوقت الراهن في أن الطرف اليمني الذي يواجههم والمسمّى “الشرعيّة” لا يمارس مهماته كما يجب أن يمارسها. تنقصه الرؤية السياسية والواضحة والإرادة في الوقت ذاته. لو لم يكن الأمر كذلك، لكان أوّل ما فعله هذا الطرف هو الانضمام إلى الذين يواجهون الحوثيين في البيضاء بدل انتظار نتائج المعركة لاتخاذ موقف من التطورات التي تشهدها تلك المحافظة…