مبعوث أممي قليل الخبرة يحمل الإرث الثقيل لغريفيث في اليمن

أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش رسميا عن اختيار الدبلوماسي السويدي هانز غروندبرغ لشغل منصب المبعوث الخاص إلى اليمن خلفا للبريطاني مارتن غريفيث، في ظل حالة من عدم الاكتراث من قبل الغالبية العظمى من اليمنيين بهذا التطوّر التفصيلي ذي العلاقة بالملف اليمني، بالنظر إلى التجربة السلبية لثلاثة مبعوثين سابقين تداولوا على تسلّم الملف وبدا عملهم عليه أقرب إلى مواكبته وهو يتطوّر نحو المزيد من التعقيد أو ينساق إلى الركود في أفضل الحالات. 

وطوال فترة عمل كل من المغربي جمال بن عمر والموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد والبريطاني غريفيث كمبعوثين أمميين إلى اليمن، تعرّض الأداء الأممي في البلد إلى الكثير من الانتقادات استنادا إلى قلّة الإنجازات الملموسة على صعيد حلحلة الصراع فيه سلميا وإخراجه من واقع الحرب التي تسبّبت بأكبر أزمة إنسانية في العالم. 

وعلى سبيل المثال لم يتمكّن غريفيث المبعوث المنتهية مهامه طوال فترة بقائه في المنصب والتي امتدّت من فبراير 2018 إلى يونيو الماضي سوى من إنجاز اتفاق ستوكهولم بين الشرعية اليمنية والمتمرّدين الحوثيين ويخص الوضع في محافظة الحديدة غربي اليمن ومينائها الاستراتيجي على البحر الأحمر، حيث تمّ التوصّل إلى وقف هش لإطلاق النار، واتفاق على تبادل الأسرى بين الطرفين لم ينفّذ إلى حدّ الآن، بالإضافة إلى تفاصيل عملية بشأن التحكّم بموارد الميناء لم يتم أيضا الالتزام بها. 

ويوصف الاتفاق الجزئي الذي انصبّ الاهتمام فيه على جبهة واحدة من جبهات الصراع الدامي في اليمن بالمعيب، ولا يتردّد كثير من اليمنيين في القول إنّه عمليا أنقذ المتمرّدين الحوثيين من خسارة منطقة عالية الأهمية الاستراتيجة كانت ستكلّفهم خسارة شريان حيوي لتمرّدهم وتدفعهم إلى الانكفاء في مناطق داخلية الأمر الذي كان يمكن أن يدفعهم إلى تليين مواقفهم من السلام ويجلبهم مجبرين إلى طاولة المفاوضات. 

وكون المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن سويدي الجنسية وقليل الخبرة بالعمل على الحروب والصراعات المعقّدة، فإن ذلك يشكّل مصدر تشاؤم إضافي لدى اليمنيين المتطلّعين إلى دور أممي أكثر فاعلية في إنهاء الحرب باليمن. 

ويتساءل سياسيون يمنيون إن كان اتّفاق ستوكهولم الذي أبرم على أراضي السويد سيكون نموذجا لعمل غروندبرغ على الملف اليمني وأقصى ما يمكن أن يصل إليه ويطبّقه على جبهات الصراع في اليمن بالقطعة وليس بالجملة مثل جبهة مأرب المشتعلة منذ أشهر طويلة وعجِز غريفيث عن إطفائها، أو جبهة البيضاء التي عادت مؤخّرا إلى الاشتعال. 

وقالت مصادر دبلوماسية في الأمم المتحدة إن غوتيريش بعث خطابا رسميا إلى الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن؛ الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين، أخبرها فيه بترشيح غروندبرغ لتولي المنصب لإقرار تعيينه. ويتطلب تعيين المبعوثين الخاصين للأمين العام موافقة تلك الدول الخمس. 

ويشغل غروندبرغ منصب سفير الاتحاد الأوربي إلى اليمن منذ مطلع سبتمبر 2019 وتولى سابقا رئاسة بعثات المفوضية الأوروبية في القاهرة وإسرائيل. 

كما ترأس مجموعة العمل في المجلس الأوروبي لشؤون الشرق الأوسط ومنطقة الخليج خلال رئاسة السويد الدورية للاتحاد الأوروبي عام 2009. 

وفي حال تعيينه سيصبح غروندبرغ المبعوث الأممي الرابع إلى اليمن بعد بن عمر وولد الشيخ أحمد وغريفيث. 

ويقلّل مراقبون من أهمية تغيير الأشخاص المكلّفين بتمثيل الأمم المتّحدة في اليمن، ويعتبرون عجز هؤلاء عن حلحلة الصراع وطي الملف انعكاسا طبيعيا لعجز المنظمة ككل وارتهان إرادتها للدول القوية فيها. 

ويذهب أصحاب هذا الرأي حدّ التشكيك في وجود إرادة دولية حقيقية في إنهاء الحرب في اليمن، معتبرين أن القوى الكبرى تكيّف منظورها للصراع هناك وفق مصالحها وحساباتها الجيواستراتيجية متوسطة وبعيدة المدى. 

وعندما تمّ اخيار غريفيث ليشغل منصب مبعوث أممي في اليمن بدعم كبير من بلده الأصلي، ذهب البعض إلى أنّ منظوره للملف اليمني ولباقي الملفات التي سبق له أن اشتغل عليها في عدّة مناطق وبلدان من أفريقيا إلى البلقان إلى سوريا لم يكن منفصلا عن رؤية بريطانيا ومصالحها وحساباتها. 

وبفعل تجربته الكبيرة والدعم البريطاني له سيواصل غريفيث عمله ضمن منظمة الأمم المتحدة حيث عين بعد انتهاء مهامه في اليمن في منصب أمين عام للمنظمة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ. 

وفي نشرة لمكتبه بمناسبة انتهاء مهامه في اليمن ورد أنّ “السبيل الوحيد للخروج من الصراع اليمني هو التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض”. 

ويبدو هذا التوصيف تحصيلا حاصلا ومعلوما لدى جميع المتابعين للشأن اليمني، فضلا عن كونه يتضمّن كلاما متداولا في أدبيات الأمم المتحدة بشأن الصراعات التي تعجز المنظمة عن حلّها أو لا ترغب الدول المتحكّمة بسياساتها في فعل ذلك، وخصوصا تلك المشتعلة في المنطقة العربية من السودان إلى سوريا إلى اليمن وغيرها. 

Exit mobile version