الأوطان لا تبنى بالمزايدات، والمدن لا تنهض بالمكايدات السياسية، والنصر لا يأتي في ظل الانقسام والتباين والتمزق والاختلاف.
ما يحصل اليوم في مدينة تعز من فوضى دليل عجز وفشل في إدارة الدولة وتفعيل مؤسساتها الرسمية بما يحقق الأمن والاستقرار في المحافظة، التي أصبحت حاضنة للمليشيات المسلحة التي تعمل على إضعاف الدولة ومؤسساتها الرسمية.
أداء المليشيات المسلحة بات يشكل خطورة على المجتمع الذي ظل يحلم بدولة النظام والقانون، والحياة الكريمة، لكنه وجد نفسه ضحية العبث والفوضى، وتدخل مباشر من العسكر لإدارة مؤسسات الدولة والإشراف عليها، وفرض جبايات جديدة يتحملها المواطن المسكين، لا تختلف عما تفعله مليشيات الحوثي الإرهابية في مناطق سيطرتها.. فهي مخالفة للقانون سواء هنا او هناك.
كما تتبنى مسميات جديدة لنهب المواطن، وسلب حريته.
وأصبح التغني باسم الجرحى مجرد شعارات زائفة، في الوقت الذي ينتظر الجريح أبسط اهتمام مقابل نضاله الذي ضج هؤلاء العالم باسمه، بينما تذهب مستحقاته وتحول إلى بنوك العالم لتسهم في التخفيف من معاناة القائمين على جمع الجبايات باسم الجرحى، كونهم أحق بها من الجريح نفسه ومن يعول. فهي تنمية مستدامة وراحة بال لأولاد الأكارم.
يضاف لذلك خلق كيانات موازية لكيان الدولة العام على كل المستويات مما سهل للمليشيات المسلحة والجماعات الخارجة عن النظام والقانون بإحداث فوضى ونشر الرعب، والخوف من الممارسات الخاطئة التي افقدت مؤسسات الدول هيبتها وحضورها وأداءها، وأصبحت حياة المواطن تتعرض للخطر في كل آونة وأخرى من قبل الخارجين عن القانون.
لم تعهد المدينة هذا الانفلات الأمني غير المسبوق من قبل، ولم تصل الفوضى إلى ما وصلت إليه اليوم، حتى في بداية فجر الثورة السبتمبرية الخالدة كانت تعز هي الملاذ الآمن لكل اليمنيين، وشكلت انطلاقة ثقافية وفكرية قلما تجدها في أغلب المحافظات اليمنية.
كما كانت مثالا للعلم والحضارة والسلم وانموذجا للسلام.
أما اليوم، الدولة عاجزة عن بسط هيبتها، المتنفذون هم الأقوى فاعلية، والأكثر عونا وقوة، فهؤلاء يرون القانون لهم خصما لدودا، وذلك لتعارضه مع مصالحهم الخاصة ومصالح الدول التي ترعى مشاريعهم ومخططاتهم على حساب بلدهم الكبير.
وأصبحت (هذه المليشيات وممارساتها) تشكل خطرا على مدينة الثقافة.
بل أصبح من يحميها هو من يعبث بها، وبأمنها واستقرارها.
إن تعميق ثقافة الإقصاء وتهميش الآخر هي ثقافة تدميرية لكل بلد، وهي خطر يهدد الاستقرار والسلم الاجتماعي لكل شعب وأمة..
وهي إشارة واضحة لكل كارثة، وهي سبب من أسباب هلاك الأمم، ودمار الشعوب، وسقوط الحضارات مهما كانت قوتها.
إذا لم يلمس المواطن الأمن والاستقرار اليوم، فمتى يراه واقعا ملموسا؟
وإذا لم تنجح اليوم بإدارة مؤسسة، فمتى تنجح؟
وإذا لم تقدم انموذجا متميزا في إدارة شارع جمال، فهل ستكون ناجحا في إدارة أجهزة الدولة بطولها وعرضها؟
بإمكاننا أن نزيف الحقائق، وأن نغير المفاهيم، وأن نخادع أنفسنا، لكن الجماهير لا أحد يستطيع استغفالها او تجاهلها، فهي تعي كل الأحداث، حتى وإن ظن يوما ان السماء تبارك جهوده وخطواته، وأنها تدعو له في السر والعلانية فبعض الظن إثم، والأوهام لا تصير حقائق حتى وإن طلعت الشمس من مغربها..