شيء عن مكتب إرشاد الإخوان وتمويله
لقد عاش الإخوان طويلاً بالشعارات الفضفاضة، دون أي تفاصيل عملية او اي خطوط واضحة في الرؤية لبناء الدولة، لم يقدموا سوى اوهام وغيبيات خارج حركة التاريخ، مبنية على استغلال واستغفال العاطفة الجمعية لجموع البسطاء وقليلي الحظ من التعليم. وبعض من لهم أطماع بامتلاك حظ من الدنيا بأي ثمن وبأي وسيلة كانت.
أخذت جماعة الإخوان تسعين عاما منذ الظهور حتى الانكشاف الكبير، وهي اليوم منبوذة أكثر من أي جماعة أخرى شعبيا وإقليميا ودوليا، والاستخبارات التي استهلكتها لم يعد يعنيها الأمر شيئاً، لقد فقدت أوراق اعتمادها لديها، لم يعد الامريكان بحاجة للإخوان للذهاب لحرب أفغانستان، وليسوا بحاجة أن يقدموا للإخوان شيئا كي يسوقوهم إلى الوقوع في هاوية الحبائل الأمريكية.
منذ لحظة التأسيس لجماعة الإخوان قدمت نفسها كجماعة مطواعة وسهلة وقابلة للإيجار، وتقديم الخدمات لأجهزة الاستخبارات العالمية نظير بعض المصالح والمكتسبات لقيادات الجماعة أو لتوسيع شبكتها التجارية والتنظيمية حتى تم اعتمادها غربياً كشريك يمكن الاعتماد عليه لعبور المصالح الغربية والاتفاقات الكبرى في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية على وجه التحديد.
كانت البداية مع بريطانيا واستخباراتها في مصر أثناء التأسيس الإخواني، ثم تطور الأمر إلى الاستخبارات الألمانية وإنشاء مسجد ومركز ميونيخ، ثم العمل مع الاستخبارات الأمريكية في حرب أفغانستان، وحاليا تحاول تقديم أي أوراق اعتماد لدى الإدارة الأمريكية الجديدة لاستعادة بعض نشاطها الذي تلاشى عالمياً في العشر السنوات الأخيرة تحديداً.
منذ العام 2012 واتجاه الجماعة كي تكون ورقة حصرية بيد الاستخبارات التركية في ظل عدم وجود طلب عالمي لخدماتها المعهودة من دول أخرى، وما بين هذا الدور وتلك الخدمات هناك الكثير من الدول والمنظمات والجماعات الإرهابية التي وظفت الإخوان لبعض أعمالها بشكل ما، والسؤال المهم هنا كيف استطاع قادة الإخوان تطويع هذا القطيع الكبير شرقا وغربا لهذه المهمة؟، وكيف تم استثمار طاقة الناس من البسطاء في هذا التوجه؟، وكيف كانت الشوارع تمتلئ بالجموع والهتافات لقضايا لم تكن في صميم حياتهم، بل كان واضحا انها أجندات يدفعون اليها دفعا للخروج إلى الشارع دون دراية؟
وللإجابة على هذه الأسئلة ينبغي معرفة الطريقة التي تدار بها الجماعة والتنظيم الدولي والقائمة على السمع والطاعة دون جدال ارتكانا إلى فضيلة القيادة المؤتمنة، وقاعدة البيعة.
لقد سهل النظام الفردي وقيام الجماعة على مركزية المرشد ومكتب الإرشاد في تطويع الجماعة بسهولة لهذا الدور.
ولا يزال الإخوان يعملون بنظام المرشد والتنظيم السري الذي يدير أي شأن للتنظيم والدولة التي يقبضون على معظم مقدراتها وقرارها، كما هو الآن في اليمن في بعض المناطق المحررة، لا سيما تعز ومأرب.
فمنذ حسن البنا والسكري وقطب، كانت قناعة المؤسسين أن العمل السري هو الأهم والأكثر أمناً.
وفي كل بلد تم إنشاء مطبخ سري تحت اسم مكتب الإرشاد وله مراقب عام ينوب المرشد العام في العالم في مهامه على مستوى القطر بهامش صلاحيات مريح احيانا.. غالبا ينطبق على هذا المكتب وصف مطبخ الغباء المكعب، لأن معظم كوادره يكونون الأقل حظا في العلم والذكاء والاكثر ثقة عند المرشد العام أو من يرسمون الخيارات للإخوان من السدنة، نموذج عبدالمجيد الزنداني واضح، فأنت تكتشف أنه شخص لديه مخ معطوب ومرض وغباء من اول اربع كلمات يتفوه بها أو مع أول صراخ له.
عادة تظل اعمال مكتب الإرشاد في سراديب ملؤها المؤامرات وتصدر إلى القطيع للتنفيذ.. تحت بند الولاء والسمع والطاعة منشطا ومكرها..
في كثير من البلدان كان الإخوان يزعمون أنهم تخلوا عن المكتب السري، ويصرحون تقية وانتهازية بأنهم أصبحوا حزبا سياسيا مكتمل المعالم، إلا أن الواقع يكشف كل يوم هذه الاكذوبة، حيث لا يزال شخص المرشد الإخواني ومكتب الإرشاد في كل دولة هو محور الارتكاز ويظل التنظيم الدولي من يرسم الخطوط العريضة والحمراء أيضا..
صحيح أن كل فرع لجماعة الإخوان في أي بلد له صلاحياته المنفردة عن التنظيم الدولي إلا أن الخط العام واحد والتوجهات الكبرى موحدة هي ملتقى كل فروع الإخوان في العالم.
ومن ضمن هذه الخطوط العريضة العلاقة التاريخية للاستخبارات البريطانية بالتنظيم منذ أول دعم قدمته بريطانيا للجماعة في مصر كمصروفات التأسيس، وهو مبلغ خمسمائة جنيه، والذي كان في حينها يساوي الكثير ويكفي لشراء نصف أراضي الإسماعيلية موطن حسن البنا، بحسب تحليل أحد الباحثين.
هذا المبلغ تلاه مبالغ أخرى قدمتها استخبارات بريطانيا للبناء والتكوين، وكانت هذه الأموال السبب في صراع بين الرجل الأول حسن البناء، والثاني أحمد السكري وتجميد الثاني لاعتراضه على بعض الممارسات أو ربما على كيفية صرف المبلغ.
ومن الأهمية هنا الإشارة إلى أن من الخطوط العريضة في أجندة الإخوان هو ال”برجمتيك” أو ما يمكن وصفه بالرمادية في كل المواقف والتشبيك مع الشيء وضده، كما هو حاصل تماماً مع علاقتها بالمملكة السعودية وقطر ومع تركيا وإيران والتحالف مع الجميع.
هذه الخلطة الغريبة، وهذه الانتهازية ليست سلوكاً عابراً، إنما هو طريقة وسلوك وباطنية معمول بها في سلوك التنظيم منذ 1928، حيث لحظة التأسيس والانفجار الإخواني المميت الذي لا يزال يخلف الصراعات تلو الصراعات شرقا وغربا، وتتوالد من جثته كل جماعات الموت والأحزمة الناسفة، وجماعات الارتزاق الدولي.
اللحظة التي تعيشها الجماعة حاليا عالميا، هي لحظة ضعف بعد قطع رأس الأفعى في مصر، لكنها تحاول التعويض في بعض دول أوروبا منطلقة من تركيا، كما أنها تنقل مركز الثقل العربي إلى اليمن، لطالما كانت اليمن هي الموطن الثاني للإخوان عند اشتداد الأمر عليهم بمصر، بل كانت مأوى القيادات الكبرى للجماعة للتخفي والحصول على دعم وجوازات سفر وملاذ آمن.
تشكل اليمن حضورا نوعيا في الذهنية الإخوانية، لإعادة ترتيب أوراق الجماعة عربيا، بعد الرفض الشعبي الكبير لها الذي كانت الثورة السودانية آخر تجلياته، والذي يتوسع في تونس كونها آخر دولة عربية لا يزال الإخوان فيها على مقاعد الإخوان، بالإضافة إلى اليمن إذا ما استثنينا بعض المشاركة لهم في المغرب التي تقول الأحداث إنها في طريق السقوط.
ولعل التوصيف الدقيق للجماعة اليوم أنها جماعة في مزاد الاستخبارات ليس إلا، وينال الأتراك الحظ الأوفر من خدمات الجماعة كموظفين بالجملة لقطيع عريض في خدمة مصالح حزب العدالة التركي واردوغان، والتي لا تشكل قطعا مصلحة الأمة التركية، إذ ليس في صالح الشعب التركي الدخول في هذه الخصومة والحرب مع الشعوب العربية، لكن الإخوان استطاعوا جر الأتراك إلى ذلك، لكن يبدو أنهم ذاهبون إلى تعديل مسارهم وإعادة البوصلة نحو الاتجاه التركي الاتاتوركي غالبا.
يبحث الإخوان اليوم عن استخبارات جديدة يقدمون إليهم خدماتهم، لكن الأوراق التي يمتلكها الإخوان حاليا لم تعد كافية لقبول خدماتهم لدى امريكا او بريطانيا أو المانيا، فقد فقدوا حضورهم الشعبي الذي كان يساعدهم في عرض مثل هكذا خدمات، مقارنة بما كانوا عليه منذ الستينيات حتى العام 2012، وسقوط اردوغان يعني سقوط مشروع الإخوان من دهاليزه العالمية كي يتموضع في حجمه الطبيعي كجماعة أشبه بالجماعات الدينية، بعيدا عن أسطورة الإسلام السياسي الذي كان يراه الغرب بديلا مناسبا للتعاطي معه في بلاد المشرق كي يمرر عبره مصالحه ومشاريعه الكبرى في المنطقة، والتي كشفت هيلاري كلينتون عن بعضها سابقا وهي تتحدث عن اتفاقاتهم السرية مع جماعة الإخوان ومحمد مرسي في مصر عن إنشاء دويلة إسلامية على جزء من سيناء وفلسطين، وكيف شكل سقوط الإخوان انهيار هذا الحلم والمشروع بحسب هيلاري.
ولم تكن الوحيدة فقد سربت أجهزة الاستخبارات البريطانية والألمانية المثير من المعلومات عن ذلك في سنوات سابقة، لا سيما تلك الوثائق التي لم تعد في إطار السرية وتتجاوز الفترة المحددة لذلك.. كشف عنها أحد الكتاب الإنجليز في دراسات مستفيضة..
لقد سوق “الإخوان المسلمون” أنفسهم كضحية مقموعة من قبل الأنظمة، وأنهم البديل الأنسب المرضي شعبيا والقادر على تقديم شيء للشعوب وللغرب، وكلف هذا الترويج دويلة قطر أكثر من مائة مليار دولار خلال سنوات قليلة، لكن كل هذه الحذلقة سقطت سريعا وتهاوت.
يبدو أن العرب نفضوا أيديهم من القاعدة ومن الإخوان معاً..
وأدركوا بعد حين أنهم نسيج واحد بألوان مختلفة ليس إلا.
وخلاصة المقال:
لم يسقط الإخوان في أي بلد بالضربة القاضية، إنما كانوا يسقطون بتراكم نقاط جرائمهم وغبائهم وممارستهم الحمقاء واستعدائهم للبشر والحجر، وهذا ما يحصل الآن في اليمن.
وعلى لسان كل اليمنيين هناك قول صريح فصيح هو لسان حال ربما معظم اليمنيين لخصه #الشبزي بقوله:
(قال جدي ذات يوم قاعدة: الحوثي والإخوان والقاعدة مدرسة واحدة).