اخبار الشرعيهاخبار المقاومةالرئيسيةتقاريرحواراتمحليات

اليمنيون ضحية للإسلام السياسي السني والشيعي

اقرأ في هذا المقال
  • لم يتوان الباحث والحقوقي اليمني حسين الوادعي في حوار مع “العرب” عن تناول أسباب التغييرات العميقة في المجتمع اليمني التي ساهمت في التحول من ثقافة التسامح إلى ثقافة الانغلاق، بالإضافة إلى مناقشة صراع الهويات والمناطقية والقبلية والطائفية، وصولا إلى التغيير الذي أحدثه الإسلام السياسي بنوعيه السني والشيعي في المجتمع اليمني بشكل عميق.

يمن الغد / حوار – صالح البيضاني

حمّل الباحث اليمني حسين الوادعي تيارات الإسلام السياسي سواء السنية منه أو الشيعية دورا في تغيير هوية المجتمع اليمني الذي عاش تحولات ثقافية واجتماعية وسياسية واسعة، وشهد تفاقم مظاهر الصراع السلالي والعرقي والجهوي والمناطقي. 

ويرى الوادعي الكاتب الحقوقي المثير للجدل الذي عرف بتطرقه لقضايا ثقافية واجتماعية شديدة الحساسية في حوار مع “العرب” أن اليمن شهد في العصر الحديث أحداثا كبيرة أدت إلى تغييرات عميقة في الثقافة والمجتمع بعد ثورتي سبتمبر وأكتوبر في فترة الستينات من القرن العشرين والوحدة عام 1990. 

وفي إطار تفسيره لما يشهده اليمن من تحولات اجتماعية وثقافية لافتة، يوضح أنه ليس بالضرورة أن تقود الأحداث الكبرى إلى تغييرات إيجابية باعتبار أن الحدث الكبير بحد ذاته قد يكون “كارثة”، وقال إن “أكبر كارثة يواجهها اليمنيون الآن هي سقوط الدولة وسقوط الجمهورية في الـ21 من سبتمبر 2014”. 

ويؤكد الباحث اليمني أن ما جرى في العام 2014 هو الذي قاد بشكل كبير التغييرات العميقة في الثقافة والمجتمع داخل اليمن، وهي تغييرات متشابكة ومعقدة في أكثر من اتجاه، لكن أهم تغيير من وجهة نظره هو أن “اليمنيين بشكل عام والجيل الجديد من الشباب أعادوا النظر في الثوابت والمسلمات التي كانت فوق النقد”. 

ويقول إن “سقوط الدولة وتعثر تجربة الوحدة وسقوط الجمهورية في فخ الطائفية جعل الشباب يعيدون النظر في هذه الثوابت ويضعونها أمام الاختبار التاريخي”. 

ويشير الوادعي إلى وجود تحول مجتمعي آخر مهم وعالي الخطورة يكمن في أن “المجتمع اليمني يعيش من دون وجود إطار وطني أو سردية وطنية يستطيع أن يتحلق حولها”، معتبرا أن “الهويات المناطقية والدينية والطائفية والقبلية هي التي تسيطر على الساحة الآن، وما يتم طرحه من شعارات وطنية في أحيان كثيرة لا يتعدى مسألة الاستهلاك الإعلامي”. 

سادت في شمال اليمن حالة من الانغلاق الثقافي وسط إجراءات جديدة من التشدد ومنع الغناء، وهي أمور لا يبدو أن اليمنيين مستعدون لمواجهتها، بينما خفّت في مناطق الجنوب نظرا إلى دور عدن كمنارة للتحرر الثقافي والاجتماعي. ويذهب الباحث اليمني حسين الوادعي إلى اعتبار أن الانغلاق الثقافي والعزلة يعتبران حالة تاريخية طويلة يعانيها اليمنيون منذ سقوط الحضارة اليمنية القديمة عام 525 ميلادية. 

ويقول الباحث اليمني إن “العزلة التي يواجهها اليمن هي جغرافية، لكنها تحولت إلى عزلة سياسية وثقافية منذ لحظة دخول البلاد تحت الحكم الإسلامي، حيث أصبحت مجرد هامش صغير في مركز دولة الخلافة، وهو الأمر الذي أدى إلى نزوح الطاقات الشابة للمشاركة في الفتوحات وتفريغ البلاد من قدراتها الجوهرية، وهجرة الفاعلين الثقافيين من شعراء ولاهوتيين ومؤرخين مما فاقم من حالة الانغلاق الثقافي”. 

وفي العصر الحديث يؤكد الوادعي أن ثورتي سبتمبر وأكتوبر في مطلع ستينات القرن الماضي لم تنجحا في إخراج اليمن من حالة الانغلاق الثقافي التاريخي الطويل، فقد “تحولت ثورة سبتمبر عام 1962 إلى ثورة محافظة اجتماعيا وثقافيا تحت غلاف جمهوري نصف حديث”، بينما تحولت “ثورة أكتوبر عام 1963 بسبب الطابع الشمولي لدولة الجنوب إلى دولة منغلقة صنعت حجابا سميكا بين مواطنيها وبين تيارات العصر وثقافته”. 

ويلفت إلى أن العزلة الجغرافية والسياسية والثقافية لليمن تفاقمت بعد “الطفرة النفطية وتحوُّلِ الجيران الخليجيين إلى أغنياء فائقي الغنى ورفع أسوارهم في وجه اليمنيين، وأن تلك الأسوار العالية حرمت المواطن اليمني من قدرته على السفر والتنقل والاختلاط مع الثقافات والمجتمعات الأخرى”. 

ويعتبر أن الصراع بعد حرب عام 1994 حُسم لصالح الانغلاق الثقافي، وأن “حالة الحرب أيضا حولت ظاهرة الانغلاق إلى نوع من الافتخار ونوع من الهوية”. وقال إن “أحد أبرز مظاهر الانغلاق الثقافي هو ذلك الإيمان بأن كل شيء يمني سواء أكان أغنية أم زيا أم تراثا هو شيء لا يقدّر بثمن ويجب الحفاظ عليه وعدم تغييره أو تطويره”. 

ثقافة الانغلاق 

اجتاحت ظاهرة العنف المشهد اليمني في الوقت الذي كان فيه التسامح الفكري والثقافي سمة غالبة حتى في أوج الصراعات السياسية والحروب التي شهدتها البلاد خلال العقود الماضية، حيث كانت الفنون من الغناء والرقص مظاهر بارزة على الانفتاح الثقافي والاجتماعي. 

وعن سبب التبدل من حالة التسامح التي عرفها اليمن يجزم الوادعي بأن “التسامح ليس حالة دائمة وأنه دائما محكوم بما حوله من تغيرات”. 

ويقول “من وجهة نظري فإن المجتمع اليمني فقد جزءا كبيرا من تسامحه مع ظهور الصحوة الإسلامية، بالإضافة إلى الطفرة النفطية التي أدت إلى عودة الكثير من المغتربين اليمنيين إلى قراهم بثقافة محافظة وإقصائية”. 

ويرى أنه “منذ نهاية الستينات وما بعدها بدأت عملية تجريف أيّ شيء مختلف، والمبالغة في السلوكيات الخاصة، وفي عمليات التحريم الديني أو التحريم القبلي القائم على العادات والتقاليد، حيث تحوّل المجتمع اليمني إلى لون واحد خوفا من العقاب”. 

ويوضح أن “حالات الانغلاق اليوم سواء في الشمال أو الجنوب فهي حالات انغلاق فوقي سببته سلطات الأمر الواقع التي تتحكم في تلك المناطق، والتي تحاول أن تفرض نسخة متطرفة من التعليمات المذهبية المحافظة الخاصة باللباس أو الغناء أو الحياة الشخصية”. 

فوضى الهويات 

حول نتائج ما يحدث اليوم من تحولات حادة في بنية المجتمع اليمني الثقافية والاجتماعية، إلى جانب التمييز الاجتماعي الذي عرفه اليمن والقائم على التراتبية وتفاقم الصراع السلالي والعرقي والجهوي والمناطقي، يشير الوادعي إلى أن “اليمن ظل محكوما بالتراتبيات الاجتماعية بحكم عدم نجاحه في الانتقال إلى مرحلة الحداثة، لهذا لم تنته بشكل كامل تقسيمات الناس إلى شرائح بعضها أرقى من الآخر”. 

ويرى أن اليمن “يعود اليوم إلى التقسيم الذي كان سائدا قبل عام 1962، حيث في قمة السلطة والمجتمع الآن هناك شريحة الهاشميين الذين يضعون أنفسهم في مرتبة أعلى من الجميع تحت ادعاءات دينية وتاريخية عنصرية، ثم مرتبة المشايخ والقادة العسكريين والقبليين وهؤلاء دائما يصعدون ليصبحوا أقوى في حالات الحروب والاضطرابات”. 

ويتابع الباحث اليمني “بعد ذلك تأتي الشرائح التي تحت في وسط السلم الاجتماعي أو في مرتبة أدنى. ويلاحظ هنا أن الطبقة الوسطى من المتعلمين قد تدهورت وأصبحت جزءا من الطبقة الدنيا الفقيرة”. 

ويقول الوادعي إن “الفلاحين في الأرياف بعد أن تحسنت أحوالهم في العقود الماضية عادوا مرة أخرى إلى مربعات الفقر الذي جعلهم هدفا سهلا للتجنيد والموت في جبهات الحرب”. 

ويوضح أن “هذا الانقسام العمودي ليس كل شيء في اليمن، فهناك الانقسام الأفقي للمجتمع سواء المناطقي أو المذهبي أو الطائفي بين الشمال والجنوب وبين يمن أسفل ويمن أعلى، وبين هضبة وسهل وساحل، وهذه الانقسامات الأفقية هي في حقيقتها انقسامات سياسية تتم تغذيتها من قبل الأطراف المستفيدة من الصراع”. 

وفي تعليقه على حالة الاستدعاء التاريخي الذي يشهده الصراع في اليمن وخصوصا استدعاء الرموز والهويات سواء عبر تعصب الحوثيين لسلالتهم أو إشهار الطرف الآخر من اليمنيين لهويات “الأقيال”، يعتقد الباحث اليمني حسين الوادعي أن العودة إلى الهويات ظاهرة واسعة الانتشار في عالم ما بعد الحرب الباردة وسقوط الأيديولوجيات السياسية. 

ويلفت الوادعي إلى أن الهويات المرفوعة في الساحة اليمنية جميعها “هويات سلفية ماضوية تقوم على حلم العودة إلى الماضي، ذلك الماضي المثالي الكامل الذي يجب أن نعيد صياغة حاضرنا ومستقبلنا على منواله، سواء عبر “الهوية الإيمانية” التي يرفعها الحوثيون أو هوية “الأقيال” التي يرفعها القحطانيون الجدد أو الهوية الجنوبية التي يرفعها الحراك الجنوبي”. 

ويرى أن كل هذه الهويات “هي قائمة على الماضي، أي أن هناك قوى معينة من الماضي تطور هذه الحركات على أنها النقطة المثالية التي يجب العودة إليها، ويدور خطابها السياسي حول التغزل بهذه النقطة المثالية”. 

ويؤكد أن مثل “هذه الشعارات والهويات هي سهلة وناجحة في مداعبة عواطف العامة وإثارة الحماس، لكنها ما تلبث أن تتبخّر لأنها ليست قائمة على حقائق وأسس متينة، كما أنها في الأخير تعجز عن تحقيق أيّ تغيير إيجابي حقيقي على أرض الواقع”. 

أسلمة المجتمع 

يعتبر الباحث اليمني حسين الوادعي في حديثه لـ”العرب” أن التغيير الذي أحدثه الإسلام السياسي بنوعيه السني أو الشيعي في المجتمع اليمني عميق جدا، ويحمّل هذه التيارات السنية والشيعية دورا في تغيير هوية المجتمع اليمني. 

وعن بدايات تسلل تيارات الإسلام السياسي سواء السنية أو الشيعية إلى اليمن، يقول الوادعي إن “نقطة البداية كانت في العام 1979 حين قامت الثورة الخمينية في إيران عبر شعاراتها السياسية بتصدير الثورة”، ويضيف أن “الأقليات الشيعية في البلدان العربية بدأت تنظر إلى تلك الثورة كأساس يمكن البناء عليه كي تستعيد لملمة صفوفها وبناء تنظيمات شيعية قوية ما يمكّنها من لعب دور أكبر من الناحية القيادية في المجتمع، وإعادة نشر الإسلام الشيعي في صورته السياسية المحدثة على النمط الخميني”. 

ويرى الباحث اليمني أنه في نفس عام 1979 وقعت حادثة اقتحام جهيمان العتيبي للحرم المكي، التي كانت إيذانا بصعود التطرف السني في مختلف أشكاله سواء في شكل حركات الجهاد الإسلامي في مصر أو حركة تطبيق الشريعة الإسلامية في عهد جعفر النميري في السودان أو تشكيل الجبهة الإسلامية في اليمن وما قامت به من تغييرات اجتماعية وثقافية وعسكرية عميقة”. 

ويؤكد الوادعي أن “الإسلام السياسي السني في اليمن كان هو صاحب السبق في إعادة أسلمة المجتمع وصياغته ضمن شعارات الإسلام السياسي حول تطبيق الشريعة وعودة الخلافة وتحريم الموسيقى والغناء والمطالبة بمراقبة الحرية الشخصية أو مصادرتها”. 

ويتابع أنه “عندما بدأ الإسلام السياسي الشيعي المتمثل في تنظيم ‘الشباب المؤمن’ في ثمانينات القرن الماضي ثم عسكرته في حرب عام 2004 كانت البيئة ممهدة جدا أمامه كي يتسلق على نفس المنجز الذي حققه الإسلام السياسي السني، ويلعب على شعارات الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة وعودة الإمامة أو الولاية”. 

ويسلط الباحث الضوء على الدور الذي لعبه السلفيون في اليمن، وهم من وجهة نظره، حركة من حركات الإسلام السياسي تدّعي أنها بعيدة عن السياسة ولا تمارسها، لكن تأييدها المطلق للحاكم واختراقها للعديد من المؤسسات الخيرية والبرلمانية والسياسية يثبت أنها حركة سياسية مثل الإخوان والحوثيين. 

ويوضح أن الإسلام السياسي في اليمن تمكّن من السيطرة على المناهج التعليمية ومن إعادة تشكيل عقل جيل بأكمله، ويقول في هذا السياق إن “التغيير الذي قاده الإسلام السياسي أحدث تغيرا كبيرا لم يدرس بشكل منهجي وعلمي حتى الآن”. 

سرطان اجتماعي 

يسرد الباحث اليمني حسين الوادعي في حديثه لـ”العرب” أسباب موقفه الحاد المناهض لتعاطي القات في بلاده، مبررا ذلك بانعكاسات هذه الشجرة وآثارها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية على المجتمع. 

ويقول إنه ينطلق من منطلقات بديهية في محاربة القات لا ينكرها عاقل إلا أنها للأسف مجهولة في اليمن أو تم تجهيل المجتمع بخصوصها. 

والمنطلق الأول بالنسبة إلى الوادعي يفسره عبر اعتبار أن القات هو “مخدر يجب التعامل معه كما التعامل مع غيره من أنواع المخدرات الخطرة على المجتمع”، أما المنطلق الثاني هو أن عملية التطبيع مع القات وتحويله إلى سلوك طبيعي هي ممارسة خطرة وجب الوعي بخطرها والحد منها قدر الإمكان، خاصة أن هذه الظاهرة بدأت تبتلع كل شرائح المجتمع اليمني. 

ويوضح أن “إدمان مخدر القات بعد أن كان حصرا على الرجال، أصبح النساء والأطفال دون سن التاسعة يتعاطونه، مما يعني أن المجتمع اليمني بأكمله يسقط تحت أنياب المخدر منذ سن مبكرة جدا، وبالتالي يصبح التعافي منه أو تركه بعد ذلك شبه مستحيل”. 

وبالنسبة إلى المنطلق الثالث فيرى الباحث اليمني أن بلاده تعاني من حالة إدمان جماعي شبيهة جدا بحالة الإدمان الجماعي في الصين على مخدر الأفيون، قبل أن يقوم ماو تسي تونغ بتغييره التاريخي المهم بالقضاء على تلك العادة، التي لولا تحركه لما استطاعت الصين تحقيق نهضتها. 

ويقول الوادعي إنه “دون الوعي في اليمن بوجود حالة شبيهة لحالة الإدمان الجماعي على المخدرات التي عاشها الصينيون فلن ينجح أي جهد للقضاء على الظاهرة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الخطرة جدا”. 

ويضيف أن “القات يتحكم اليوم في جميع جوانب حياة اليمني، من العمل إلى الترفيه إلى السياسة إلى الثقافة، وحتى الجوانب الدينية مثل الصلاة والصيام.. بدا القات يتحكم فيها وبذات الفتاوى التي يتم تعديلها وتشكيلها بما يتناسب مع الساعات الطويلة المطلوبة لتعاطي مخدر القات”. 

ويؤكد أن “القات يقوم باستنزاف أكثر من نصف الثروة المائية في مجتمع من أكثر المجتمعات ندرة فيما يتعلق بالمياه”، كما أن “القات يستهلك أكثر من نصف دخل اليمني في مجتمع هو الأفقر في المنطقة”. 

ويرى الباحث اليمني أن “خطورة القات تتجاوز مسألة التعاطي والكيف، إذ تحولت إلى نوع من السرطان الاجتماعي الجماعي الذي يشوه كل مظاهر الحياة ويقضي عليها ويهدد مستقبل الأجيال اليمنية القادمة”. 

زر الذهاب إلى الأعلى