من أفريقيا إلى آسيا.. ملة الإخوان المسلمين واحدة
يعتقد الإخوان المسلمون أن ثقافتهم ثقافة إلهية مقدسة، ونظرياتهم قرآنية لا شية فيها، وطريقتهم في الحكم صحيحة دائما، لذلك لا يراجعونها.. فإن انتقدها الآخرون أو عارضوها كفروهم، وإن ثاروا عليها، قالوا هذا انقلاب.. وهذه هي الديكتاتورية الإسلامية مجسدة في جماعة الإخوان، والحركات الإسلامية، على الرغم من أن الإسلام والديكتاتورية لا يجتمعان.
حركة النهضة في تونس -وهي امتداد لحركة الاتجاه الإسلامي التي أسست في سبعينيات القرن العشرين، بقيادة عبد الفتاح مورو- كانت تعتبر أنضج فروع جماعة الإخوان المسلمين، وأكثرها اعتدالا، وكان حسنو الظن يعدونها مستنيرة، مجددة، متفلسفة، متسامحة، ديمقراطية، بحكم تأثر قادتها بالثقافة الأوروبية، وبحكم قرب تونس من أوروبا.. لكن ها قد خاب ظن الظانون.
غضب الشعب التونسي من جماعة الإخوان المسلمين هذه (حركة النهضة)، التي تمكنت من كل السلطات في تونس منذ العام 2011، فجلبت له خرابا اقتصاديا، وأنعشت الجماعات الإرهابية، وفشلت في التعامل مع جائحة كورونا، وأساءت استغلال السلطة، ومارست فسادا ماليا لم تعرف تونس مثله من قبل.. وقد رأينا وسمعنا وقرأنا كيف تعاملت الحركة مع الشعب الذي عانى من تجربتها، ومقتها.. قالت إنه جماعة مرتزقة، وغوغاء مدفوعة الأجر.. قام بعض رجال الحركة باعتقال غاضبين، وهناك حالة واحدة على الأقل رمي فيها متظاهر من سطح عمارة، كما فعل الإخوان المسلمون في مصر قبل تسع سنوات تقريبا.. وبسبب الأزمة العامة، والحيلولة دون انهيار تونسي وشيك، قرر الرئيس قيس سعيد وقيادة الجيش، حل المجلس النيابي ورفع الحصانة عن أعضائه، وإقالة الحكومة، وفتح مجال التحقيق في قضايا الفساد.. وبينما كان الشعب يحتفل، كان زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، يردد نفس الكلام الذي قاله زعماء جماعة الإخوان المسلمين الأم في مصر أثناء وبعد حركة يونيو 2013: إن قرارات الرئيس انقلاب على الدستور، والثورة، والحريات في البلاد.. وإن مجلس النواب سيظل قائما.. وإن حركة النهضة وشعب تونس سيدافعون عن الثورة.. ودعا الشعب إلى خوض نضال سلمي لاستعادة الديمقراطية، تماما كما كان النضال سلميا في رابعة العدوية، وكرداسة، والاسكندرية، وسينا.
لقد كانت جماعة الإخوان المسلمين الأم في مصر، وفروعها في البلاد العربية، ترفع شعار الإسلام هو الحل، وأن المجتمع الإسلامي سيكون في أفضل حالاته عندما تحكمه نخب الإسلام هذه، ولكن الحكم العسكري في هذا البلد، والحكم الوراثي في ذاك البلد، سمسم جماعات الإسلام، من السلطة، أو سد الطريق أمام وصول الإخوان إلى الحكم.
لما أتيحت لها الفرص كان أول ما فعلته الجماعة الإسلامية في الجزائر أنها اعتبرت الديمقراطية كفرا، وشرعت في وضع حواجز في حافلات الركاب تفصل الذكور والإناث، وقالت ذلك القول وشرعت في تلك الأفعال عندما حازت على أغلبية في المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية، الأمر الذي دفع حكومة حزب جبهة التحرير إلى إلغاء الدورة الثانية من الانتخابات، فردت الجماعة على ذلك بعمل مسلح استمر إلى أواخر تسعينيات القرن العشرين، قتلت خلال ذلك نحو مائة وعشرين ألف جزائري، من بينهم أدباء وشعراء كبار وأساتذة جامعات.
شارك الإخوان المسلمون في اليمن في السلطة منذ أوائل سبعينيات القرن العشرين في شمال البلاد، وبعد الوحدة 1990، شارك التجمع اليمني للإصلاح -بعد تغيير اسم الجماعة- في حكومة ترويكا، ثم في ائتلاف ثنائي مع المؤتمر الشعبي العام، ثم كان حزب الإصلاح رب حكومة باسندوة إلى عام 2014، ومنذ منتصف العام 2015، هو الحاكم وهو الحكومة وهو الشرعية، وخلال هذه الفترة الطويلة قدم الإخوان أسوأ نماذج الاستئصال والاستبعاد والفشل والفساد.
الجماعة الأم في مصر كانت تعد بتحقيق مجتمع الرفاه لو أمكنها الوصول للسلطة، وقال واحد من رجالها الكبار، إن الأزمة الاقتصادية التي تعصف بمصر منذ زمن بعيد يمكن التخلص منها بالرجوع إلى القرآن، الذي ذكر أثرى الأثرياء عبر العصور، وهو قارون، وإن البحث عن كنوز ذلك الثري والوصول إليها يغني مصر وسكانها.. وصلت الجماعة إلى الحكم، فعبثت وأفحشت، ولما ثار عليها الشعب المصري، وقلعها السيسي وجنوده، رأينا ماذا فعلت بالمصريين في رابعة وفي كرداسة، وفي سينا، وفي غيرها.