اخبار الشرعيهالرئيسيةثقافة وفنمحليات

الرواية ملاذ الشاعر المرتبك والصحافي القلق “لم يعد هناك مشهد ثقافي أو إبداعي في اليمن”

إن الأدباء العرب اليوم يدعون أكثر من أي وقت مضى إلى ضرورة الانفتاح دعما للأدب والإنسان الذي بات يحتاج إلى السرد ليقص حكايته وإلى الشعر ليحس بإنسانيته. “العرب” التقت الشاعر والروائي اليمني محمد عبده الشجاع الذي مثل انتقاله إلى الرواية نقلة في تجربته التي يحدثنا عنها وعن الواقع الثقافي في اليمن. 

تحفل تجربة اليمني محمد عبده الشجاع بتعدد مساراتها ما بين الرواية والشعر والبحث الفلسفي والنقد الأدبي والعمل الصحافي، قدم ديوانين أولهما “قَطراتٌ مِنْ غُرف القَلبِ”، و”جُرحاً توحَّد كيْ يَنْتقِي شَكلْ مَوتِه”، ثم انتقل إلى الرواية حيث قدم رواية “عقلان” التي تشكل عملا واقعيا اجتماعيا، يجسد ظلال مرحلة تاريخية مهمة في حياة المجتمع القروي اليمني بصورة بسيطة. 

في روايته يغطي الشجاع واحدة من أهم فترات الصراع في المناطق الوسطى من اليمن التي عرفت لاحقا بأحداث “الجبهة”، ويؤرخ لعقد كامل امتد من مطلع السبعينات حتى مطلع الثمانينات. 

الشعر ثم الرواية 

بداية يشير الشجاع إلى أن تجربته انطلقت عبر مكونات ثقافية قامت على حب القراءة والاطلاع الواسع في مجالات عديدة أهمها الأدب، وكان الشعر نافذته الأولى لتتبع مسار الأدب إجمالا، ثم أتت الرواية، غير أن شغف القراءة منذ الطفولة ونصوص مرحلته الإعدادية والثانوية من شعر وقصة ورواية فتحت أمامه أفقا واسعا إلى تقصي هذه الفنون. 

ويضيف “خضت غمار الكتابة من خلال أقاصيص قصيرة وقصائد كانت تعكس المعاناة وتعبر عن جميل ما بحكم أنني عشت طفولة قاسية على مستوى الأسرة وجزء من المجتمع، ثم أتت تجربة العمل الصحافي كدافع للظهور، قبل أن يتحول إلى مصدر عيش، ولا يزال في ظل ظروف غير مناسبة تماما. هذا بالإضافة إلى تخصصي كطالب فلسفة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية لديه شغف كبير بقضايا العلم والإيمان وغيرها من الميتافيزيقا والنظريات الجدلية”. 

ويتابع “سكنت إلى الرواية، قرأت في التاريخية إلى أن غرقت في أعمال نجيب محفوظ، أكثر من 20 عملا، وغيره من الأدباء العالميين من أوروبا والسوفييت وأميركا الجنوبية وآسيا وأفريقيا، وما تزال الرواية منزلي الذي يسكنني بشغف لولا مشقة الحياة. وكان أن عشت تجربة عمل روائي في العام 2003 لكني ركنته جانبا، ولكن أفكاره تواصلت معي وتشبعت حتى تمكنت من العكوف عليه وإخراجه فكانت روايتي ‘عقلان‘، هذا العمل الذي كتب دون قيود أو محاذير، حاولت من خلاله مخاطبة الجميع وعرّفت بنفسي بصورة مختلفة إذ لم أعد ذلك الشاعر المرتبك أو الصحافي القلق”. 

 محمد عبده الشجاع: الكتابة السردية عالم مختلف يعلمك أبجديات تجهلها، ويشدك إلى قضايا في حياتك وحياة الآخرين 

ويرى الشجاع أن حركة الإبداع في اليمن شهدت حالة من النضوج والمنافسة بحكم الواقع السياسي المتنوع بين اليسار واليمين وغيره، كما شكل جيل السبعينات والثمانينات رافعة أو حافزا لخلق جيل محب للإنتاج في الشعر والقصة والرواية والنقد، أيضا كان الكتاب متوفرا من تجارب أدباء عالميين وعرب إضافة إلى تأثير التعليم الجامعي وإقبال الشباب عليه بعيدا عن تقاليد القبيلة وسوء الفهم الذي ارتبط بالمتعلمين ما شكل خلاصة حقبة رائعة أوجدت جيل التسعينات وما بعد من جيل الألفين. إضافة إلى البعثات الطلابية إلى القاهرة وموسكو والولايات المتحدة وغيرها من الدول. 

ويلفت إلى أن “هذه التجربة خرجت منها بقصائد وقصص ونصوص وكتابات متفرقة تعاني الشتات مثلي تماما اليوم. كانت لي تجربة مستعجلة في طبع كتاب شعري عام 2006 حمل عنوان ‘قطرات من غرف القلب‘ في صنعاء، كذلك كتاب شعري أيضا عام 2013 في القاهرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة حمل عنوان ‘جرحًا توحد كي ينتقي شكل موته‘”.ويشير الشجاع إلى أن تجربته مع الشعر والقصة القصيرة تجربة متواضعة جدا، لكنه يعدها حالة من حالات التبصر ورؤية هذا العالم بكل تفاصيله الأدبية والثقافية، ويتابع “سافرت مع المتنبي ومعلقات الشعراء. ثم أتت بعد ذلك الدراسة الجامعية ودراسة الفلسفة التي شكلت مع الشعر واللغة مشروعي الكتابي ومثلت لي دفعة قوية لاستكشاف خبايا ومسائل أكثر عمقا”. 

ويوضح الشجاع أن “رواية ‘عقلان‘ تجربة صعبة لكنها علمتني مفاتيح وأغوار جديدة وهي انعكاس وإسقاط لكثير من المشاهد والأحداث السريالية والواقعية معا. بين عامي 2013 و2014 بدأت الفكرة في الاكتمال والتبلور، وفي 2016 كانت شبه مكتملة ولأنها كبيرة كان لا بد من غربلتها ومراجعتها وبعدها جاءت مرحلة النشر التي أخذت وقتا نتيجة ظروف شتى”. 

ويتابع أن “عقلان” عمل يعكس الفجوة بين هموم الكبار وهموم البسطاء، ويقدم تفاعلات مجتمع خرج للتو من حرب استدعت الصراع الأيديولوجي إلى بيئة تتدين بفطرة المسلم الأول، ولا تعرف شيئا خلف ذلك من أفكار الآخرين خارج القرية، رغم ذلك عاش في أوساطهم المتدين السلفي والإخوانِي واليساري وتقاسموا شباب القرى كوقود للحرب الخاصة بهم. 

وتقوم هذه الرواية على بنية سردية وتفاصيل متنوعة ومختلفة على مدار أكثر من 470 صفحة. العشرات من الأسماء قام عليها العمل بعضها اختفى دورها وتلاشى فيما بقيت أخرى تسير دفة الأحداث مثل عماد، عزيز، أمل، قادرة، فائزة، وارثة والطبيبة السويدية مارغريت “فرح” وعمر عقلان، وشخصية الصوفي، شبكة متداخلة من الشخصيات التي تمثل التاريخ. 

يوضح الشجاع أن عالم الكتابة السردية عالم مختلف تماما يعلمك أبجديات كنت تجهلها، ويشدك إلى قضايا ومهام ملفتة في حياتك وحياة الآخرين. الرواية وطن مليء بالجذور وهي حصاد مثمر في حال كانت ذا قيمة ولها أهدافها وفلسفتها العميقة والإشارات المليئة بالأسئلة والإجابات الملهمة التي تحدث تغيرا في المجتمع وذهنية القارئ. 

النخبة المذنبة 

يلاحظ الكاتب ضعف المشهد الروائي اليمني على قلته. وفي رأيه ثمة أصوات برزت خلال العقد الأخير، لكنها لم تكن أنضج من سابقاتها بمعنى أن الدهشة ما تزال غائبة، وهذه إشكالية عربية مع الفارق في أن هناك أعمالا خليجية ومغربية ومصرية جيدة. إنما إجمالا هناك محاولات سردية ومجاراة تحكمها نوازع ومدارس وواقع غير مساعد على العطاء أكثر. 

ويشير إلى أن المسار الروائي في اليمن يحتاج لقراءات نقدية مستمرة من قبل من يملكون أدوات النقد الحقيقي حتى تنضج الأفكار أكثر. كما أنه بحاجة إلى قراءة جادة ومكثفة من قبل الكتاب عموما في مجمل الأعمال الأدبية والتخصصات المساعدة على بناء عمل روائي متين. 

وحول رؤيته لتأثير الحرب في اليمن على المشهد الثقافي والإبداعي، يقول الشجاع “بالنسبة إلى قضايا اليمن الثقافية أصبحت في أسفل السلم من الاهتمامات بعد أن كانت تخطو بتراكم مقبول، ظلت الطموحات أكبر إلى أن جاءت هذه الانتكاسة وتفشت ظاهرة العنف والحرب التي حلت بديلا عن التثقيف اليومي”. 

رواية “عقلان” تعكس الفجوة بين هموم الكبار وهموم البسطاء وتفاعلات مجتمع خرج من حرب إلى الصراع الأيديولوجي 

ويرى الشجاع أنه لم يعد هناك مشهد ثقافي أو إبداعي يمني، حيث لا نستطيع أن نطلق على الحالات الفردية والحالات الجماعية النادرة مشهدا متكاملا. لقد هاجر الكتاب والصحافيون والفنانون التشكيليون إلى ماليزيا والقاهرة وباريس والولايات المتحدة والرياض وغيرها من العواصم، ومن بقوا في الداخل ينتظرون الخلاص. 

ويضيف “اليوم نحن أمام جيل بصحافة ورقية محدودة وبلا حريات ولا أقلام ناضجة ومتباينة، نحن أمام مسار واحد ومشروع تدميري يسير بخطى حثيثة تدفعه الانقسامات الحادة والتداخلات الدولية وتخادم المصالح المشتركة على حساب الإنسان، والسياسة الهشة هي الطاغي على كل شيء، وهي من توجه حياة الناس وتغذيهم بالبؤس والفوارق الطبقية والاجتماعية”. 

وبسؤاله عن موقف المثقفين اليمنيين الذي يتسم بالانقسام والغموض وأن لا تأثير لرؤاهم وأفكارهم للخلاص مما يعانيه اليمن، يفسر الشجاع الأمر بأن “النخب اليمنية بكل تنوعها كانت مرتبطة بالأحزاب ومرتهنة لها للأسف الشديد، وهذا الأمر تغلغل مع مطلع التسعينات عقب قيام الوحدة اليمنية 1990 بين شطري الشمال والجنوب، وكان اتحاد الأدباء والكتاب اليمني مؤسسة جامعة وحالة متقدمة تميزت بهويتها ونسيجها المترابط، ومشروعها في رؤيته للبلد ومستقبله وتوجيه مساره، لكنه انحسر وتراجع بعد توغل المثقف السياسي لصالح مشاريع حزبية، ولعل هذا التراجع هو من شكل انتكاسة كبيرة لهذه المخرجات، فأنا كشاب حديث عهد بأمور كثيرة أرى أن النخب لم تقدم لي شيئا وهي التي تتحمل وزر ما يحدث اليوم، ومازالت في ذات المسار بل زاد الأمر سوءا مع انقسام الجغرافيا والأيديولوجيا والقرار السياسي”. 

*كاتب مصري 

زر الذهاب إلى الأعلى