حوار – صالح البيضاني
أثارت أغان من التراث التهامي اليمني أداها الفنان الشاب عبدالله آل سهل في الآونة الأخيرة الكثير من ردود الفعل في الشارع اليمني والعربي الذي استقبل هذه الأعمال بحالة ترحيب وإعجاب كبيرة لواحد من أنماط الفن اليمني التي لم تأخذ حقها من الأضواء.
ويفسر الباحث اليمني المتخصص في الموروث والتاريخ الشاعر علي مغربي الأهدل، الذي أدى آل سهل آخر أغانيه التهامية بكلمات من شعره، هذا الاحتفاء بالأغنية التهامية بأنه عائد إلى جمال اللون التهامي الغنائي وإيقاعاته الآسرة والجذابة إضافة إلى صوت الفنان آل سهل وتميزه الإبداعي في أداء هذه التجارب الفنية بصوته الجميل الذي أضفى عليها جمالاً إضافياً، إلى جانب كونه “ابن البيئة التهامية وقريب منها ولديه إلمام بثقافة البيئة التهامية وموروثها وإيقاعاتها ويعي تماما ما هو اللون التهامي ولهذا كان تركيزه على البيئة وموروثها الذي سعى بقدرته الإبداعية والفنية على تطوير هذا الموروث اللحني والإيقاعي وتقديمه بشكل آسر وجذاب” .
ويشير الأهدل في حوار خاص مع “العرب” إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورا كبيرا في إيصال هذا اللون الغنائي التهامي الذي بدا وكأنه لون جديد بسبب قلة الأعمال الفنية وغياب دور الإعلام في الماضي في تسليط الضوء على الأغنية التهامية لإيصالها إلى الجمهور والمتلقي دخل اليمن وخارجه.
فن ابن بيئته
في إجابته على سؤال طرحته “العرب” عن سبب الظلم الذي تعرض له الموروث التهامي اليمني ولماذا لم يأخذ حقه من الانتشار وبدا وكأن الناس يستكشفونه للوهلة الأولى، يقول الأهدل “الأسباب كثيرة جدا أهمها عدم الاهتمام من الجهات الرسمية بالبحث عن اللون الغنائي التهامي وإبرازه، وكذلك غياب الإعلام عن هذا الجانب وعدم تسليط الضوء عليه من خلال النماذج البسيطة التي قدمت من قبل بعض الفنانين”.
ويشير الأهدل إلى سبب آخر يقف خلف تهميش الفن التهامي عائد بحسب قوله إلى “الأوضاع المادية، وعدم توفر الإمكانيات اللازمة لبعض الفنانين والموهوبين للإخلاص لهذا اللون والتعمق فيه وإبرازه وتقديم تجارب فيه، وكذلك عدم وجود ملحنين لديهم ثقافة وإطلاع على البيئة وإيقاعاتها وثقافة الموروث الشعبي عموما، لأن اللون لابد وأن يبرز من عمق البيئة ويحمل روحها ونكهتها، فإذا لم نشم من العمل الفني نكهة البيئة ورائحة طينها فلا يمكن أن نسمي ما نقدمه لونا تهاميا أو غيره”.
ويلقي الأهدل باللوم كذلك على ما يعتبره “قلة الشعراء الذين لديهم القدرة على كتابة الأغنية الشعبية المرتبطة بالبيئة اليمنية، لأن النص الغنائي له أدواته وإمكانياته الإبداعية والفنية وقليل من يجيد هذا، والمعني أولاً وأخيراً بإظهار الأغنية التهامية أو اللون التهامي إن جاز التعبير هم أبناء تهامة بالدرجة الأولى، فلابد أن يتكاتف الجميع كل من مكانه ووفق ما يستطيع أن يخدم به هذا المجال لإبرازه، وتشجيع الشباب والموهوبين من الفنانين لتقديم اللون التهامي بحلته الحقيقية والعمل على تطويره، لأن منطقة تهامة مازالت منطقة بكرا وخصبة في هذا المجال وتمتاز بتنوع ثقافي وفني وموروث غير عادي يحتاج إلى جهود كبيرة لإبرازه”.
وعن سبب عدم بروز فنانين بارزين يؤدون اللون الغنائي التهامي كما هو حال الفنانين اليمنيين الذي ساهموا في إبراز الألوان الغنائية الأخرى في اليمن، يضيف الباحث اليمني “اللون التهامي كلون غنائي قياساً بالألوان الغنائية اليمنية البارزة على الساحة لم يصل إلى مرحلة تصدر الألوان أو منافستها من حيث الحضورالذي تسجله تلك الألوان الغنائية، فتهامة ما تزال منطقة بكرا وخصبة، والاشتغال على الأغنية كلون يحتاج إلى احترافية وإبداع في اللحن والكلمات، وكذلك القدرة على استنباط اللون من إيقاعات المنطقة والمطالع الشعرية والغناء الشعبي عموما، فاللون لابد أن تفوح منه نكهة البيئة وعرف طينها وأنفاس حياتها”.
ويشير الأهدل إلى أن “الأغنية التهامية تمتلك من المقومات ما يؤهلها بأن تبرز على الساحة الفنية كلون مميز ومستقل” أسوة بالأغنية الصنعانية واللحجية والحضرمية على سبيل المثال، لافتا إلى أن “الأغنية التهامية لها نفسها الخاص ونكهتها المتفردة التي تميزها عن الألوان الأخرى كلمة ولحنا وإيقاعاً وهذا ما تجسده وتعكسه النماذج والتجارب الغنائية التهامية التي تم تقديمها من قبل بعض الفنانين وبخاصة الفنان عبدالله آل سهل مؤخراً”.
وعن أهم ما يميز الموروث الفني التهامي عموما وهل يمكن أن يصل إلى مكانة عربية متقدمة فيما لو تم الاعتناء به وإبرازه، يضيف “تهامة من بين أبرز المناطق اليمنية التي تمتاز بثراء كبير وتنوع غير عادي في موروثها الشعبي والفني، فهي منطقة تضم في داخلها بيئات ثقافية متنوعة فهي تنقسم إلى ثلاث مناطق تقريبا ‘منطقة يمن’ بفتح أو ضم الياء وتمتد من جنوب بيت الفقيه وحتى حيس والمخا، ومنطقة ‘وسط تهامة أو بطن تهامة’ وتبدأ من بيت الفقيه جنوبا وحتى مديرية المراوعة والحجيلة وباجل، ومنطقة ‘الشام’ وتبدأ من مديرية الزيدية والمديريات الشمالية وحتى منطقة جيزان”.
ويتابع “كل منطقة تمتاز بثقافتها الفنية والشعرية وحتى لهجتها الخاصة، هذا التنوع اللهجوي والقبلي بالإضافة إلى التراكمات الثقافية التاريخية نتج عنها تنوع في الموروث الشعبي والفني والتنوع في الإيقاعات والآلات الموسيقية والرقصات والغناء الشعبي والشعر وغير ذلك، ففي حين تعد القصبة (الناي) من أهم آلات النفخ الموسيقية التي تميز منطقة وسط وجنوب تهامة (يمن)، نجد منطقة الشام تتميز بالمزمار”.
ويشير كذلك إلى “تنوع الرقصات فهي كثيرة جدا ومتعددة ولكل منطقة رقصاتها فرقصة الحقفة مثلا من أهم الرقصات التي تميز قبائل الرامية والمناصرة والزرانيق في وسط تهامة وهي رقصة دينية طقوسية في الأصل تعود بجذورها إلى أزمنة موغلة في القدم، وفي شام تهامة نجد أيضا العديد من الرقصات كرقصة الدبكة والفرساني والزحفة التي تعد أيضا رقصة دينية طقوسية في أصلها التاريخي (رقصة صراع الآلهة) كم هائل من الرقصات والأهازيج والإيقاعات والأغاني الشعبية الرجالية والنسائية والألوان الشعرية وغير ذلك مما يزخر به الموروث الشعبي في تهامة وهي مادة غنية منها يمكن أن نصنع لونا غنائيا ينافس الألوان الغنائية اليمنية الموجودة في الساحة الفنية”.
ويؤكد الأهدل أنه إذا “تم التركيز من قبل الشعراء والفنانين والملحنين على هذا الموروث الفني والاستفادة منه وتطويره فلا شك أن الأغنية التهامية كلون غنائي ستحضر وبقوة على الساحة الفنية وستصل أيضا إلى المتلقي العربي كلون من الألوان العربية اليمنية الآسرة”.
تجاوز الحواجز
ويتفق الباحث اليمني مع ما ذهبت إليه “العرب” من إمكانية أن تكون اللهجة التهامية حاجزا أكثرها منها ميزة للأغنية التهامية، ويقول “تعد اللهجة حاجزا كما حصل في التجارب السابقة لبعض الفنانين الذين قدموا بعض التجارب الفنية قبل وجود وسائل التواصل الاجتماعي، وكانت اللهجة التهامية إلى جانب العديد من الأسباب تشكل حاجزا لعدم معرفة الكثير من الجمهور سواء اليمني أو العربي لكثير من الكلمات والمعاني التي ترمي إليها”.
لكنه يبيّن أن حاجز اللغة يتراجع حاليا ومن خلال التجارب الأخيرة التي قدمت من قبل الفنان عبدالله آل سهل ومع الاهتمام المتنامي من قبل الكثير من الشعراء والكتاب من خلال النشر المتواصل للقصائد التهامية ومن خلال الدراسات والأبحاث والمواضيع التي تقدم من قبل الكثير من المهتمين في الآونة الأخيرة في مختلف وسائل التواصل الاجتماعية والإعلامية اختلف الأمر كثيراً.
ويشير الأهدل إلى أن الكثير من المتابعين أصبحوا يعون الكثير من المفردات التهامية ويدركون أصالة هذه اللهجة وقربها من الفصحى، ويسترسل “أنا مؤمن كل الإيمان أنه خلال المستقبل القريب سنتغلب على الكثير من العوائق والصعوبات التي كانت لدى المجتمعات الأخرى في ما يتعلق باللهجة التهامية ومعرفة الكثير من مفرداتها وبخاصة أن العصر ووسائل المعرفة والوسائل الإعلامية تختلف عن الماضي فهي تخدم اللهجة التهامية كثيرا لذا لم تعد اللهجة التهامية عائقا وإنما ميزة والعائق الآن يتمثل في الإمكانية وصدق توجه أبناء تهامة والمهتمين والمحبين لهذه الأرض بإبراز مكنوناتها الجمالية في مختلف الجوانب وفي مقدمتها الفن التهامي”.
ويرى الأهدل أن للتهميش الذي تعرضت له الأغنية التهامية وجه آخر يتمثل في إهمال الموروث الأدبي والثقافي التهامي في اليمن، ويقول “تهامة كما سبق وأن أشرت وذكرت في دراسات ومواضيع عدة تمتاز بمخزون ثقافي كبير ويأتي التراث والموروث الأدبي والفني في مقدمة هذا الثراء الذي تمتاز به، والمشكلة هي دوما وأبدا غياب الجانب الرسمي في التركيز على تاريخ وتراث هذه المنطقة والعمل على إبرازه وتوثيقه وحفظه”.