“غروندبرغ” والخيارات الأكثر تعقيدا في اليمن

يمن الغد/ عبد الرب الفتاحي
تنتظر “هانس غروندبرغ” المبعوث الدولي الجديد لليمن خيارات صعبة، اكثر تعقيدا من اية صراعات في العالم حيث أفشلت ثلاثة من مبعوثي الأمم المتحدة من الذين سبقوه، والذين اصطدموا بمواقف تبدو مستحيلة الحلول خاصة في ظل الرفض الذي تبديه جماعة الحوثي، حيال وقف الحرب والدخول بمفاوضات تؤدي لسلام حقيقي في اليمن.
تعقيدات متراكمة..
ترتبط الحرب في اليمن بتعقيدات تتوزع في الاختلافات العميقة والأهداف العديدة لأطراف الحرب ذاتها، والذين وضعوا الكثير من العراقيل التي شكلت تحديا حقيقي أمام المبعوثين السابقين، في كيفية انهاء الحرب والوصول لحل جذري لواقع الحرب التي عصفت باليمن منذ سبع سنوات.
ومع إعلان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تعيين الدبلوماسي السويدي هانس غروندبرغ مبعوث خاص إلى اليمن، خلفاً للبريطاني مارتن غريفيث فإنه لا أحد يمكن أن يتنبى بالخطوات التي سيتخذها، ومدى قدرته في اقناع اطراف الحرب باختيار الحوار والبدأ بتحديد أجندة المفاوضات، والتي ستكون منصبة في فرض شروط والتزامات وخيارات ستحدد أولويات الحل، والنظر لما تختلف عليه اطراف الصراع وما ستتفق عليه.
غروندبرغ والمهمة الشاقة..
عمل غروندبرغ منذ سبتمبر 2019 في منصب سفير الاتحاد الأوروبي إلى اليمن ولديه خبرة أكثر من 20 عاماً في الشؤون الدولية، وأكثر من 15 عاماً من العمل في مجال حلّ النزاعات والتفاوض والوساطة، مع تركيز خاص على الشرق الأوسط.
وترأس أيضا قسم الشؤون الخليجية في وزارة الشؤون الخارجية السويدية في ستوكهولم، خلال الفترة التي استضافت فيها السويد المفاوضات التي يسّرتها الأمم المتحدة والتي أدت إلى اتفاقية ستوكهولم في كانون الأول/ديسمبر 2018.
يصف الكثير غروندبرغ بأنه دبلوماسي محترف، عمل في بعثات سويدية وأخرى تابعة للاتحاد الأوروبي، حول العالم، وشغل مناصب في القاهرة والقدس وكذلك بروكسل، حيث ترأس مجموعة العمل على الشرق الأوسط / الخليج في المجلس الأوروبي أثناء الرئاسة السويدية للاتحاد الأوروبي في العام 2009.
كما ان غروندبرغ حاصل على ماجستير العلوم في إدارة الأعمال والاقتصاد من كلية ستوكهولم للاقتصاد.
لكن مهما كان لدى هانس غروندبرغ كل هذه القدرات فهي ستظل محدودة، في ظل استمرت أطراف النزاع ملتزمة بعدم تقديم التنازلات، والتفاوض بشكل أكثر جدية في التعاطي مع خيارات الحوار.
واقع الحرب في اليمن بات بتشعب بين طموح المتصارعين، في خلق الكثير من التبريرات التي تتخذ ملامح الرفض التي تبرز عليه معطيات التخوف وعدم الثقة.
لكن قد لاتكون لدى من يتحدد السلام بهم رؤية عن شكل السلام في اليمن، وظروف المرحلة مابعد أي اتفاق وتظل التفاصيل أكثر من أن تحتمل تعقيدات الاختلافات، أوصعوبة التعاطي معها فلكل طرف معطياته لكن تبرز أكثر الإشكاليات في ملامح الحل، ومدى نجاح المبعوث الجديد في تجاوز المحددات التي وضعتها الحرب وشكلتها طوال الفترات التي مضت.
إرث الحوثيين السياسي
أصر الحوثيون في مفاوضاتهم السابقة على خلق مبررات جعلتهم يرفضون الحوار، وواصلوا اتباع أكثر من طريقة لتحديد كل مايريدونه من أي حل سياسي، قد لا تكون توجهاتهم مبنية على واقع منطقي أو واقعي، للبدأ برسم خريطة للتعاطي مع المطالب التي تجمع على ضرورة انهاء الحرب في اليمن، بناء على قناعة جميع الدول التي أدركت أن الحرب أصبحت لها تكاليف كبيرة وفاقمت أوضاع اليمنيين، وصارت حياتهم وظروفهم متردية وهذا ماجعلهم يعانون من أسوأ كارثة انسانية.
يضع الحوثيين خيار الحرب على أنه ينسجم مع ارثهم السياسي، والذي جعلهم يحصلون على الدولة، ويتمددون لتوسيع فكرهم السياسي والمذهبي والذي خلق تبعات ساعدت عن خروج الحرب في اليمن لتصبح لها بعد أقليمي بعد الدعم الذي قدمته ايران لهم.
يسعى الحوثيين للمحافظة على مارسمته الحرب من معطيات وشكلت لهم واقعا جديدا، فهم خرجوا من دائرة المحدودية وصارت لهم محافظات بكل امكانياتها، وهم لايريدون خسارة تلك المكاسب التي أتت مع فرضهم لخيار الحرب، والتزامهم بإجراءات زادت من الأعباء على الناس، لاستمرار واقع التزام الحوثيين بالحرب كأولوية للمحافظة على ظروف الحكم دون تقديم تنازلات.
يشعر الحوثيون أن السلام سيقضي على فكرة الولاية السلطوية، المرتبطة بحقيقة أنهم الاحق بالحكم، وفق النظرة الخرافية التي أعتمدت على أسطورة أنهم من ـ أل البيت ـ ولذلك فإن أحقية اليمنيين بنظام أخر لايرتبط بإحتكارهم سيكون مجازفة بمشروعهم وسيكون لها انعكاسات سلبية عليهم.
الخوف من النهاية..
يصعب على الحوثيين الدخول في حوار ينهي سلطتهم السياسية والدينية والعسكرية! ويضعهم أمام واقع سيكون بمثابة تدمير لبقائهم، فمع ما قاموا به من انتهاكات وقتل وتفجير فإن ذلك سيؤدي في النهاية لحالة انتقام، من قبل اليمنيين الذين سيتحينون فرصة لانهاء واقع ماتعرضوا له من إذلال طالهم وتجاوز كل خصوصياتهم.
تحدد حكم الحوثي من خلال الارتباط العائلي، فيما يسمى بالأسر الهاشمية الموزعة في العديد من المحافظات اليمنية ،والتي تحدد هدفها في فرض وجودها على الحكم، بإعتباره حقا دائما لايمكن لليمنيين فيه من اختيار مايناسبهم من منظومة حكم قد يجدوها مناسبة.
يعتبر كل من ينتمي لتلك الاسر التي تسمى هاشمية ،ثورة 26سبتمبر في 1962 انقلاب على ارثهم السياسي والديني ولذلك استمروا في الرفض لها لكنهم لم يكونوا قادرين على مواجهتها في البداية، لكنهم اخترقوها وأضعفوا الجمهورية من الداخل .
حتى الإكاديميين من الفرع الهاشمي، ظلوا رغم محصلتهم المعرفية والانسانية والقانونية، معتبرين أنفسهم أحق بالتسلط على اليمنيين، واخضاعهم لحكم الأسرة الرفعية عليهم وبذلك فإن أكثر ما يقف أمام الحل في اليمن، هو ارتباط الحوثيين بأجندة مذهبية وحالة تسلط تقوم على معتقدات دينية.