الإقتصاد والمالالرئيسيةتقاريرمحلياتمنوعات

السمك اليمني.. وصفة مستوردة باتت طبقاً وطنياً في جيبوتي

تفوح رائحة المطبخ اليمني في أنحاء الدول المجاورة وحتى الغربية منها كإنجلترا والولايات المتحدة، وتشتهر مطاعم السمك المشوي والحار في جيبوتي حيث يقبل عليه السكان المحليون والزوار، بل أصبح بمثابة الطبق الوطني لجيبوتي يأكله الكبير والصغير والغني والفقير. 

تستحضر النكهة الحارة الاستثنائية للأسماك اليمنية في جيبوتي التاريخ المعقد المتعدد الثقافات لهذا البلد الساحلي الصغير الواقع بين أفريقيا والجزيرة العربية. 

في وقت الغداء، يزدحم مطعم “شي حمداني” في العاصمة الجيبوتية. مشاهير محليون ومغتربون زوار ورعاة رحل، يتوافد الجميع إلى المطعم الذي أنشئ قبل عقود عدة لتذوق السمك اليمني، وهو الطبق الوحيد على قائمة الطعام، رغم وجود ما يربو عن 50 نوعا من الوجبات والمخبوزات الأصيلة. 

وتتميز جيبوتي بموقع جغرافي فريد، وهي إحدى الدول العربية الأفريقية، ورغم أن تعدادها قليل مقارنة بالدول الأخرى إلا أنها تضم أعراقا عدة أكثرهم من الصوماليين، إلى جانب العرب الذين ترجع أصولهم إلى شمال اليمن، وهناك مجموعة من السكان من أصول فرنسية وأقليات إثنية أخرى. 

وعلى مدار سنوات عديدة كانت جيبوتي محطة أساسية في طريق تجارة التوابل في العالم، لذلك فإن نكهة معظم الأصناف في المطبخ الجيبوتي متأثرة باستخدام التوابل تارة على الطريقة الهندية وتارة أخرى على الطريقة العربية. 

وتنعكس الثقافات المتنوعة والتركيبة السكانية المتباينة على المطبخ الجيبوتي حيث تأثر بالمطبخ العربي والهندي والبرتغالي والإنجليزي والفرنسي. 

وهناك مطاعم مختلفة يمتلكها جيبوتيون من أصول يمنية استقروا منذ زمن طويل تتوفر فيها الأطعمة اليمنية والشامية كالكباب والمندي والمخبازة والحنيد، وذلك بحكم القرب الجغرافي والتجانس المجتمعي بين البلدين. 

وتستخدم هذه المطاعم معدات الطبخ الحديثة المعروفة، لكنها مازالت متمسكة بالتقليدية منها كالموفى والتنور والملحة والأدوات الفخارية الطينية والخزفية للإعداد والتقديم وبطرق وأساليب شتَى، وهو ما يجلب لها الزبائن الذين يلتقون على أنواع متعددة من الأكلات بحسب الوجبة. 

وروى أبوبكر موسى وهو مذيع تلفزيوني سابق، فيما ينتظر طبقه “إنها وصفة مستوردة من اليمن اعتمدناها وهي جزء من عاداتنا الغذائية”. 

ويعتبر السمك المشوي بالموفا (التنور اليمني) من أفضل الأكلات المشهورة في اليمن وانتقلت إلى دول أخرى من جيبوتي حيث تقدم مباشرة بعد شويها ومعها أيضا الخبز اليمني الساخن وصلصة السحاوق الحارة مع الجبن. 

وأضاف موسى البالغ 63 عاما، وهو زبون منتظم في هذا المكان “كل الجيبوتيين، سواء كانوا صغارا أو كبارا، يتناولون وجبة السمك الشهيرة، ومن يغادر منا إلى الخارج يشتاق إليها”. 

ولا يثبط الحر الشديد في جيبوتي حماس موسى أو أحفاده البلجيكيين الذين أتوا لزيارته لتناول طبق سمك حار. 

وقالت سوهان (16 عاما) التي اكتشفت الطبق مع جدها منذ سنوات خلت “في كل مرة أزور جيبوتي، نأتي إلى هنا وأنا سعيدة جدا”. 

وأضافت “عندما نعد هذا الطبق في المنزل في بروكسل، يكون طعمه مختلفا رغم محاولاتنا ألا ننسى شيئا من مكوناته، لكنه يذكرني بجيبوتي، إنه ذكرى صغيرة”. 

ويقوم صيادون مرات عدة في اليوم بتوصيل الدنيس والبوري وأنواع أخرى من الأسماك إلى العديد من مطاعم السمك اليمنية التي تعرف باسم “مقباسة” والمنتشرة في المدينة الساحلية التي يفصلها خليج عدن عن اليمن. 

وبعد ذلك، يحين الوقت ليبدأ الطهاة العمل، تقطع الأسماك بالطول وتملح قبل دهنها بخلطة من الفلفل الأحمر المعتدل المستورد من إثيوبيا، باستخدام فرشاة. 

وقال أحد الطهاة فيما يثبت سمكة في قضيب معدني طويل قبل وضعها في فرن طين تقليدي يشبه التندور الهندي “أهم مكوّن هو الفلفل”. 

وفي كل أنحاء مدينة جيبوتي، يتم تناول الأسماك اليمنية مع فطائر البانكيك و”فاتا” وهي عجينة مصنوعة من الموز أو التمور، وعادة ما تباع بنحو ألف فرنك جيبوتي (5 يوروهات). 

ويعزو صاحب المطعم عمر حمداني الشعبية المستمرة لمطعمه إلى وصفة جده “المشهورة عالميا” بعد قرابة قرن من هجرته إلى جيبوتي من اليمن وافتتح المطعم في عشرينات القرن الماضي، حيث كان يقدم سمكا مشويا على الطريقة اليمنية والذي وجد طريقه في بعض الأحيان إلى قوائم طعام الغداء الخاصة بالرئيس. 

ولم يتغير الكثير في “شي حمداني” منذ ذلك الحين، باستثناء إضافة طابق ثان. 

فمازالت جدرانه مزينة بالخزف التقليدي. وهناك صالة طعام صغيرة في الخلف مخصصة للنساء اللواتي يرغبن في تناول الطعام بمفردهن. أما الوصفة، فعلى حالها مازال حمداني يحتفظ بسرها رغم بساطتها. 

وقال صاحب المطعم “حملها جدي من اليمن، وافتتح هذا المطعم ثم تولى والدي المسؤولية منه، والآن حان دوري لأتولى زمام الأمور”، مضيفا أن المطعم أصبح ملتقى اليمنيين الذين يعيشون في جيبوتي والقادمين في زيارات من دول أخرى. 

واليمنيون هم ثالث أكبر جماعة إثنية في جيبوتي، بعد قبيلتي عيسى وعفر، والهجرة والتجارة بين البلدين موجودتان منذ الآلاف من السنين. 

لكن في السنوات الأخيرة اتخذ تاريخهما المشترك منعطفا مأساويا مع عبور الآلاف من اليمنيين مضيق باب المندب بحثا عن ملاذ في جيبوتي والهروب من الحرب التي عصفت ببلدهم منذ العام 2014. 

وبعد الفرار من صنعاء إلى جيبوتي، أنشأ الموظف الحكومي السابق أمين مقتل ملتقى مقباسة “الكعبول” مع مهاجرَين آخرَين يقدمون فيه أشهى وألذ المأكولات اليمنية والإثيوبية، لرغبتهم في بداية جديدة وتوقهم إلى طعم الوطن. 

وقال أمين البالغ 45 عاما “عندما أكون في هذا المطعم، أتناول الطعام فيه محاطا بأبناء بلدي، أشعر بأنني بخير، لأن كل ما كان لدي في اليمن موجود هنا”. 

زر الذهاب إلى الأعلى