انذار شعبي يثير رعب إخوان تعز بقرب سقوط “دويلتهم” الخاصة
“يسقط يسقط حكم العسكر.. نشتي دولة مش معسكر”، بهذه الهتاف وغيره كان المشاركين من أبناء مدينة تعز السبت يعبرون في مسيرة حاشدة لهم عن حجم الغضب الشعبي من استفحال الجرائم والفوضى الأمنية في مدينهم.
عكس الهتاف مدى الوعي لدى الشارع في تعز بحقيقة ان الفوضى الأمنية ليست الا عملاً منظماً ورسمياً تقوده وترعاه قيادات عسكرية وأمنية وتنفذه عناصر هذه القيادات بالجيش والأمن، وليست مجرد حوادث لـ “عناصر منفلتة” كما تحول هذه القيادات وآلة الإخوان الإعلامية تصويره.
وكما كانت الهتافات واضحة في تشخيص الوضع، جاءت المطالب في البيان الصادر عن المسيرة التي دعت لها الحركة الشعبية لإنقاذ تعز (يكفي …) ، أكثر وضوحاً، بتحديد الخلل في رأس الجيش والأمن بتعز ، ولا حل لتعز الا بإصلاحه.
فالقبض على مرتكبي جرائم القتل والنهب المطلوبين أمنيا وتقديمهم للعدالة، لن يحدث الا “برفع الحصانة والغطاء العسكري من قيادات الجيش عن كل المطلوبين أمنياً من المنتسبين للجيش والأمن ومحاكمتهم محاكمة عادلة”، كما يشير البيان، الذي قال بان ذلك “مقدمة ضرورية لإعادة الاعتبار لمؤسسة الجيش”.
وقبل ذلك، يطالب بيان المسيرة “بإقالة ومحاكمة كافة القيادات العسكرية الفاسدة والمنتهكة لحقوق الانسان” ، مؤكداً بأنها “تمنح المجرمين غطاء وحماية وتمكينهم من مقدرات الجيش في الاعتداء على المدينة ومواطنيها وحقوقهم”.
هتافات ومطالب قدمت التوصيف الحقيقي للوضع الفوضوي الذي تعيشه مدينة تعز ومساحاتها الخاضعة لنفوذ جماعة الإخوان، وتمت صناعته منذ اليوم الأول للحرب بالعبث الذي احدثته الجماعة داخل مؤسستي الجيش والأمن لتمكين عناصرها من مفاصل المؤسستين لكي تضمن قبضتها على المدينة.
فكان الحصاد ان القاتل والخاطف ومغتصب المنازل وناهب الأرض والمعتدي على مؤسسات الدولة وموظفيها بما فيها القضاء ومواطني تعز هو من اُوكل اليه منع ذلك وبات “حاميها حراميها”، بحسب المثل الشعبي الدراج، لذا كان من بين هتافات مسيرة اليوم :”ياتعز ثوري ثوري .. القاتل لابس ميري” ، أي ان القاتل في تعز ليس مجرماً عادياً ، بل مجرم بزي الجيش والأمن ، خاصة بعد الجريمة البشعة في حق اسرة الحرق ، وهذا الوضع كارثي يحتاج الى “ثورة” لتصحيحه.
ثورة التصحيح التي دعت لها هتافات اليوم ، حددها بوضوح احد مطالب البيان الصادر عنها “بسرعة اصدار قرارات رئاسية لقيادات عسكرية من الكفاءات المهنية والوطنية النزيهة وممن لم يسبق تورطهم بالفساد وانتهاكات حقوق الانسان وذلك كمقدمة لإعادة بناء وهيكلة مؤسسة الجيش والامن على أسس ومعايير مهنية ووطنية”.
الا أن تحقيق هذه المطلب يعني عملياً انتهاء قبضة مليشيا الإخوان على تعز والتي تستمدها من سيطرتها على قيادة الجيش والأمن بقيادات ليست من ذوي “الكفاءات المهنية والوطنية النزيهة” وسبق لها ” التورط بالفساد وانتهاكات حقوق الانسان”، وهو ما أثار غضب وجنون الجماعة من هذا التحرك الشعبي.
وتجلى هذا الغضب والجنون بشكل واضح عبر ردود الأفعال لناشطي وكوادر جماعة الإخوان في تعز وكذا ما نشرته مطابخهم الإعلامية لمحاولة التغطية على الصدى الذي احدثته المسيرة والتحرك الشعبي خوفاً من تصاعده الى ثورة شاملة تقتلع اركان “دويلتهم” الخاصة في تعز.
تنوعت هذه المحاولات بين أساليب مختلفة، الا ان الرابط بينها بانها محاولات قديمة وتم استخدامها من قبل الجماعة ، وعلى رأس هذه الأساليب اللجوء الى شماعة “المؤامرة” واستهداف “الجيش الوطني” وخدمة مليشيات الحوثي والعمالة لقوى خارجية ضد تعز وغيرها.
وكان لافتاً ما نشرته عدداً من المطابخ الإعلامية الإخوانية خلال الساعات الماضية وعقب انتهاء المسيرة، حيث نشرت ما يشبه الرواية الدرامية زعمت فيه وجود خطة سرية بين قيادات حوثية وقيادات سياسية في تعز ، وان الحراك الشعبي ضد جرائم مليشيات الإخوان ” ضمن هذه الخطة لإرباك المشهد الداخلي تمهيداً لعملية عسكرية واسعة لمليشيات الحوثي في جبهات تعز”.
القيادة التي تقود الحركة الشعبية لإنقاذ تعز (يكفي …) كان لها النصيب الأكبر من تهم المؤامرة والعمالة والتخوين في كتابات نشطاء الإخوان على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات الماضية، تارة بوصفهم عملاء للحوثي وتارة عملاء للإمارات وطارق صالح ويتلقون الدعم منهم.
اللافت ان هذه المزاعم والاتهامات لم تنحصر على نشطاء الإخوان بمواقع التواصل الاجتماعي، بل شارك فيها اكاديميون منهم وبألفاظ لا تمت الى الوسط الاكاديمي بصله، ما يعكس حجم الانفعال والغضب الذي يعتري جماعة الإخوان من التحرك الشعبي الذي شهدته تعز اليوم.
انفعال وغضب يعد مفهوماً بالنظر الى ما تمثله تعز بالنسبة لجماعة الإخوان، فهي تعد من أهم وربما أخر معاقلهم التنظيمية (أفراد وقيادات) في اليمن بالنظر الى خارطة السيطرة على المدن الرئيسية، فمدن الشمال أغلبها في قبضة الحوثي، ومدن الجنوب والمدن المحررة اما تحت سيطرة الانتقالي واما ما هو تحت سيطرة الشرعية فان تواجدهم فيها ضعيف من الناحية كالمهرة ووادي حضرموت، في حين ان الولاء القبلي في مأرب وشبوة اقوى من الولاء التنظيمي ما يجعل القبضة الإخوانية فيهما غير مضمونة.