عادت إلى واجهة المشهد الإعلامي اليمني التحذيرات من نتائج السياسة الحوثية الممنهجة الرامية لتغيير الهوية الثقافية والاجتماعية لليمنيين في مناطق سيطرة الجماعة، التي سرعت وفقا لتقارير إعلامية في الآونة الأخيرة من إجراءاتها لتغيير المناهج الدراسية وإحلال كوادرها في مؤسسات التعليم والمؤسسات الأمنية والعسكرية، إلى جانب تكثيف ما يعرف بالدورات الثقافية التي يتم إخضاع الأطفال والشباب لها في معسكرات مخصصة لهذا الغرض.
ويصف مراقبون يمنيون بروز عدد من المظاهر المذهبية والثقافية في مناطق سيطرة الميليشيات والتي لم تكن معروفة من قبل مثل الاحتفاء بالمناسبات الدينية الشيعية ومنع الطوائف الأخرى من ممارسة شعائرها كصلاة “التراويح” على سبيل المثال، إضافة إلى التضييق على الأقليات الدينية وتهجير المنتمين إليها مثل اليهود والبهائيين، بأنها ممارسات تندرج في سياق سياسة حوثية ممنهجة لتغيير هوية الشعب اليمني وفرض رؤية حوثية أحادية متشددة.
وأدان وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا معمر الإرياني الأسبوع الماضي، ما اعتبره “استمرار ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران في العبث بالمناهج التعليمية لمختلف المراحل الدراسية في المناطق الخاضعة لسيطرتها”.
وجاء تصريح الإرياني في أعقاب تسرب نماذج من المناهج الدراسية الجديدة التي أعدتها وزارة التربية والتعليم في حكومة الحوثي التي يتولاها يحيى الحوثي، الشقيق الأكبر لزعيم الجماعة، وتظهر النماذج الجديدة ما يمكن وصفه بالجرأة الحوثية غير المعهودة في إضفاء صبغة طائفية ومذهبية على مناهج التعليم، تتضمن تمجيدا لقادة الجماعة الدينيين والعسكريين، والتاريخيين.
وقال الإرياني في تصريح لوكالة الأنباء اليمنية الرسمية، إن “عبث ميليشيا الحوثي بالمناهج التعليمية يأتي في سياق مساعيها لتزييف وعي الأجيال القادمة، وتعبئتهم بالأفكار الطائفية الدخيلة على بلادنا ومجتمعنا”.
وأشار إلى أن “هذه الممارسات تهديد خطير للسلم الأهلي والنسيج الاجتماعي، ونسف لفرص الحوار وإحلال السلام والتعايش بين اليمنيين”.
وأضاف “هذا العبث الخطير بالمناهج امتداد لنهج ميليشيا الحوثي منذ انقلابها على الدولة في توظيف العملية التعليمية في الصراع، وتحويل فصول ومقاعد الدراسة إلى مصائد لمسخ عقول الأطفال واستدراجهم وتجنيدهم في جبهات القتال، وتحويلهم إلى أدوات لقتل اليمنيين ونشر الفوضى والإرهاب في المنطقة”.
وفي تصريح لـ”العرب” أكد وكيل وزارة الإعلام اليمنية نجيب غلاب أن الجماعة الحوثية تسعى إلى إحداث تغيير جذري على كافة المستويات الثقافية والاجتماعية والسياسية في اليمن بهدف “ترسيخ أيديولوجيتها القائمة على عقيدة طائفية عرقية لتثبيت حكم يقوم على السيطرة الشاملة وهيمنة ما يسمونه السيد العلم والفئة التي تنتمي إلى عرقه”.
ولفت غلاب إلى أن سلوك الجماعة الحوثية يصب في اتجاه “تركيز الثروة والسلطة والنفوذ الديني الطائفي والثقافي لصالح فئة، وتحويل اليمن وكل من فيه إلى أتباع خانعين، ولذلك يتم التركيز على البعد الثقافي لإحداث استلاب لشخصية اليمني لصالح ما يطلق عليه الحوثيون ‘الهوية الإيمانية”.
واعتبر غلاب أن مسارعة الحوثيين في هذا المجال، تفسر إصرارهم على الحرب ورفض أي مبادرة تعيد بناء التوازن وتمكن اليمنيين من بناء دولة المواطنة.
وتابع “تسعى الميليشيات الحوثية لتحقيق أهداف متعددة منها، بناء تنظيم مواز للدولة والمجتمع يكون هو المتحكم بكل مداخل القوة وبناء تحالفات لصالح التنظيم، بما يمكنه من التحكم والسيطرة وفرض رؤيته الشمولية وجعل الباقي أتباعا للتنظيم الموازي أو حلفاء لشرعنة وجوده، وهذا الأمر يمكنهم من التحكم بالدولة وجعلها خادمة للتنظيم وأهله”.
وأشار وكيل وزارة الإعلام اليمنية إلى “سعي الجماعة المدعومة من إيران بشكل حثيث لتحويل اليمن إلى جغرافيا معادية للعرب لصالح إيران وجعلها بؤرة للتشيع الخميني”.
وعن جذور سياسة “التحويث” في اليمن، قال الصحافي اليمني همدان العليي في تصريح لـ”العرب” إن الحوثيين منذ اليوم الأول لسيطرتهم على صنعاء تحركوا وفق خطة ممنهجة للتغيير الثقافي في البلاد، قائمة على فكرة اجتثاث الخصوم وسياسة حرث الأرض التي تقوم على اقتلاع الأفكار السابقة وزراعة أفكار جديدة غير يمنية وليست لها علاقة باليمنيين.
ولفت العليي إلى أن الجماعة الحوثية من أجل تحقيق أهدافها عملت على عدة محاور في مقدمتها التجويع إلى جانب التركيز على منظومة التعليم ودعم ذلك من خلال نشاط إعلامي واسع عبر وسائل الإعلام والمنابر الدينية والثقافية، بالتوازي مع استهداف الإرث التاريخي اليمني.
وأضاف “ليس هناك جهد لمواجهة هذا النوع من الاجتثاث الثقافي، عدا نشاط خجول وبسيط جدا عبر وسائل الإعلام، بالنظر إلى حجم الخطر الحوثي في مجال تجريف الهوية اليمنية والذي يعني إلغاء وجود الشخصية اليمنية، حيث أنك عندما تجتث هوية شعب معين وتستبدل ثقافته بثقافة أخرى فهذا يعني أنك تقضي على وجوده، لذلك يجب أن يكون هناك تحرك حقيقي لمواجهة هذا النوع من الاستهداف الوجودي”.