شهدت ساحات العاصمة صنعاء والمحافظات اليمنية، يوم الخميس، مسيرات جماهيرية حاشدة إحياء لذكرى عاشوراء، ذكرى استشهاد الحسين بن على.
مشهد عادى أن نراه فى مدن إيران والعراق ولبنان وهى المعروفة بالمذهب الشيعى .. لكن فى اليمن وإن كان موجودا فكان يتم على استحياء، حتى بدت معالم التشيع المذهبي في اليمن تزداد وتتسرب عبر المناسبات والاحتفالات الدينية التي تقيمها جماعة الحوثي بشكل سنوي.
هذا المشهد وإن عادى لدى البعض ان نشاهده على شاشات التلفاز ، لكن الخفى ان له دلالات كثيرة فى اليمن على وجه التحديد، وهل اليمن يتعرض لمؤامرة التشيع؟
عبر الاحتفال بعاشوراء، ويوم الغدير، والمولد النبوي، والشروع في إنشاء حسينيات خاصة في محافظة صعدة وصنعاء وعمران وتعز، بدأت جماعة الحوثي بنشر المذهب الشيعي تدريجياً في المحافظات اليمنية الشمالية، في سبيل تطويع الشعب اليمني صاحب الأغلبية الشافعية السنية، بل والخروج عن المذهب الزيدي الأقرب إلى السنة، والذي يمثل منبع الفكر الحوثي.
لقد باتت المظاهر الشيعية بالتسرب إلى المجتمع اليمني، بعد أن مرت بمراحل كثيرة، حيث انتقلت من السرية والخفاء، إلى الظهور المعلن عبر احتفالات حاشدة بالعاصمة وعدد من المحافظات الشمالية.
وتعمل حركة الحوثي على استغلال المناسبات الدينية والمذهبية، وتوظيفها سياسياً من جهتين، الأول، بالحديث عن المظلومية التاريخية المزعومة لشيعة آل البيت، كما يقولون، بهدف استعطاف عامة الناس، والثانية استعراض مظاهر القوة والحشد الجماهيري لإيصال رسائل من نوع ما إلى العديد من الأطراف.
حركة الحوثي بعد أن بسطت سلطتها على أكبر رقعة جغرافية في الشمال اليمني، بدأت تطبق نفس النموذج الإيراني في التبشير بالمذهب الشيعي خصوصاً في المحافظات التي تنتمي للمذهب الشافعي السني، حيث لا يوجد للحوثيين أي حاضنة شعبية فيها.
إن الحوثيون بدأوا يكشفون خفايا معتقداتهم التي كانت مثار تضارب في صحتها بين اليمنيين لسنوات عديدة، وقد ظهرت بشكل كبير خلال العامين الماضيين، لكنها بلغت ذروتها منذ نهاية العام 2013م، عن طريق الاحتفال العلني بالمناسبات التي تعزز ذلك الاعتقاد”.
وكشفت وسائل إعلام يمنيّة العديد من الفعاليات الحوثية لنشر الفكر الإثني عشري بين صفوف اليمنيين؛ خاصّة الأطفال الذين لا يملكون القدرة على التمييز بين الأفكار، ويمثّلون بيئة خصبة لزرع الأفكار.
وقد شرع الحوثيين بالفعل في تغيير المجتمع، عقب سقوط صنعاء بيدهم، عبر التجريف الفكري للمناوئين لهم، حتى داخل البيوتات الزيدية، وهي إستراتيجية إيرانية تعرف باسم “حرث الأرض”، وعبر السيطرة على المدارس والجامعات والإعلام والجهاز الادارى الحكومى، وحتى التغيير الديموغرافى، ثم نشر الأيديولوجيا الإيرانية.
إننا هنا ندق جرس الإنذار من مخططات الحوثيين وإيران لتغيير الفكر اليمني إلى الإثني عشرية، حيث نشرت صحيفة “الشرق الأوسط”، في (مارس) 2020، تقرير حول إجبار الحوثيين للطلاب على الالتزام بالمظاهر الطقسية للإثني عشرية؛ “في واقعة مماثلة اقتحمت الميليشيات الحوثية مدرسة للبنات بصنعاء، بهدف فرض الصرخة، بعد أن رفضت الطالبات ترديدها، فعمدوا إلى مهاجمة الطالبات وإفزاعهن ورمي الرصاص الحيّ، وملاحقتهن في فناء المدرسة”.
والأدهى أنه عقب سيطرة الحوثيين على صنعاء، عام 2014، أنشأوا لجنة قامت بمراجعة مناهج المدارس الابتدائيّة والثانويّة لتناسب أيديولوجيتهم، وتدرّجت الجماعة في فرض رؤيتها الاجتماعية على الشعب اليمني.
وعام 2014؛ أسسوا قسم اللغة الفارسية، في كلية اللغات، بجامعة صنعاء، وتخرّجت الدفعة الأولى العام الماضي، وحملت اسم “دفعة قاسم سليماني”، وضمّت طلاباً مقرّبين من جماعة الحوثي، ويتبنون أيديولوجيتهم، وتكوّن الكادر التعليمي من حوثيين درسوا في إيران، وأعضاء من الملحقية الثقافية الإيرانية في صنعاء.
والتفاصيل كثيرة على مؤامرة الحوثيين على اليمن لمحاولة تشييعها ، ولكن لماذا هذه الطقوس على مدار عقود من الزمن ظلّت محلّ جدل واستغراب، كيف لا ومشاهد الدماء واللطم والضرب بالسيوف تسيطر على صورة هذا اليوم، وهو ما يطرح سؤالاً: “لماذا يضرب الشيعة أنفسهم في يوم عاشوراء؟”.
لابد من التذكير بأن “عاشوراء” هو اليوم العاشر من شهر محرّم الهجري، وهو من الأيّام المستحبّ صيامها عند أكثر أهل العلم، وقد ورد في ذلك الكثير من الأحاديث التي تذكر فضله وأجر صيامه.. والسبب في تشريع صيام هذا اليوم هو أنّ الله سبحانه وتعالى نجّى فيه نبيّه موسى عليه السّلام وقومه بني إسرائيل من بطش فرعون.
وحين يصوم أهل السنة هذا اليوم الذي يتزامن مع ذكرى مقتل الحسين بن علي رضي الله عنه، اقتداءً بسنة الرسول صلى الله عليه وسلّم، فإن أهل الطائفة الشيعية يذهبون لتأدية طقوس تتمثّل في الضرب واللطم وإسالة الدماء، أما الشيعة فهم يعتقدون أنهم المسؤلون عن قتل الحسين، إذ يضربون أنفسهم كعقاب على فعلتهم.
ولكن على فرضية هذا لماذا يقدس الشيعة الحسين دون عن سائر أخوته الخمسة الذين قتلوا معه أبناء على بن ابى طالب.
والسر يكمن فى أن الإيرانيون يعتقدون أنهم أحفاد الحسين ففيهم عرق فارسى من زواجه من إبنه كسرى فارس، رغم أنه لا يوجد لرواية زواج الحسين من الفارسية أي اثر في كل المصادر، ولا أساس لها من الصحة سوى قصص وفبركات يروجها الفرس أنفسهم لكي يكون لهم نسب في آل البيت، بمعنى أن زواج الحسين رضي الله عنه من إحدى بنات كسرى وهي شاه زنان أو شهربانو هو كذبة تاريخية كبيرة ألفها وصاغها دهاقنة الفرس وحشروها في الكثير من الكتب الإسلامية ليعطوا الحسين ميزة مد سلالته إلى الفرس.
والخلاصة أن المؤامرة كبيرة ، وتعمل حركة الحوثي على استغلالها ، وتوظيفها سياسياً واقتصاديا وعسكريا، فمن الناحية الاقتصادية فإن هذه الاحتفالات والطقوس تعد مصدر دخل مهم للجماعة وتدر عليهم أموالا طائلة من خلال الجبايات والتبرعات التي تفرضها على التجار والمواطنين.. وخير دليل أنه جاءت فعالية الحوثيين بـ”يوم عاشوراء بعد أقل من شهر من احتفاء الجماعة، بما يعرف “يوم الغدير” او “الولاية” والذى أنفقت المليشيات فيه ميزانية ضخمة للدعاية ونشر صور زعيم الجماعة ودعوات الإقرار “بحق الولاية للسلالة الهاشمية” وزعت على كامل النطاق الذي تسيطر عليه مليشيات الحوثي المتمردة بصنعاء ومحافظات أخرى.. وقدرها البعض بحوالي 2 مليار ريال يمني لإحياء يوم عاشورا ، بينما يواجه ملايين اليمنيين خطر المجاعة وتفشي الاوبئة القاتلة وحرمانهم من رواتبهم.
وتبقى الأسئلة تراودنا ..
ماذا لو وفروا كل تلك المبالغ واطعموا الجياع؟
ماذا لو أعطوا وقتهم لقراءة كتب علمية وطبية؟
متى نرى اليمن السعيد دولة متقدمة بعيدا عن التناحر السياسى والعقائدى الذى دمرها إلى أشلاء.
* أكاديمية ودبلوماسية يمنية