شهدت المواقف الدولية والأممية المتصلة باليمن تحولا لافتا في الأيام الماضية يعكس تجاهلا متزايدا للمسار السياسي والتعامل مع الملف اليمني باعتباره أزمة إنسانية، بعيدا عن الخلفيات السياسية للصراع المستمر منذ أكثر من سبع سنوات.
وعزا مراقبون يمنيون التحول الذي طرأ على الموقفين الأممي والدولي وعكسته تصريحات المسؤولين في الأمم المتحدة وبعض الدبلوماسيين الغربيين، إلى حالة من الإحباط، بعد فشل الضغوط التي مارستها الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خلال الفترة الماضية لتمرير مبادرة لوقف إطلاق النار واستئناف المشاورات السياسية بين الفرقاء اليمنيين.
ويشير المراقبون إلى أن المجتمع الدولي بات يبحث عن مسار جديد للتعامل مع تداعيات الملف اليمني بعيدا عن تعقيداته السياسية والعسكرية وأبعاده الإقليمية، بعد فشل كل الجهود التي بذلتها الدول الفاعلة في الملف اليمني للدفع باتجاه صيغة توافقية نتيجة التعنت الحوثي ومحاولته فرض سياسة أمر واقع عبر القوة العسكرية على الأرض.
وقال الباحث السياسي اليمني فارس البيل إن المجتمع الدولي يتجه للحديث عن الأزمة الإنسانية في اليمن، لعجزه عن إيجاد حل للأزمة السياسية، في محاولة “للتغطية على تعثره سياسيا بالحديث عن الجانب الإنساني، الذي هو الأكثر إثارة والأسهل شأناً وعائدا”. وأشار البيل في تصريح لـ”العرب” إلى أن المجتمع الدولي يحاول أن يستثمر هذا الجانب مقابل العجز في الجانب الآخر.
وأضاف “لو اتخذ المجتمع الدولي الأزمة الإنسانية أداة ضغط حقيقية لحقق اختراقا في مسار السلام المتعثر، فالأزمة الإنسانية ناتجة بالأساس عن الصراع السياسي، ولا بد من معالجة السبب ومجرد الحديث عن الأزمة الإنسانية، واقتراحات التخفيف منها، لن يقود إلى معالجتها، إذ أنها تنتج من خلفيات الصراع السياسي”.
وشدد البيل على أن المجتمع الدولي إذا أراد حلا للأزمة الإنسانية في اليمن التي يتخوف منها فعليه أن “يسارع للجم الميليشيا الحوثية، كما أنه يمتلك الأدوات اللازمة لفرض السلام في اليمن في وقت قصير، لكن الأمم المتحدة تخضع لحالة الاستقطاب والتوازنات، وتجعل من الأزمة اليمنية ورقة في ملفات الصراعات الدولية، ثم تتحدث عن الكارثة الإنسانية، بينما الحل لهذه الأزمة الإنسانية هو إيقاف من يتسبب بها كل يوم، وفرض الحل السياسي الموجود في حيثيات القرارات الأممية”.
وتمحورت الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن الدولي الخاصة باليمن حول البعد الإنساني وتداعياته، حيث تركزت كلمات أعضاء المجلس وممثلي الأمم المتحدة ومنظماتها حول الأزمة الإنسانية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد جراء الحرب، كما تراجع سقف الطموحات الدولية والأممية في ما يتعلق بالتوصل إلى تسوية سياسية، نتيجة فشل الجهود التي بذلها المبعوثان الأممي والدولي إلى اليمن للدفع بخطة وقف إطلاق النار واستئناف المباحثات، إلى جانب فشل الوساطة العمانية في إقناع الحوثيين بالقبول بالمبادرتين الأممية والسعودية لحل النزاع في اليمن.
وحول التحول الذي طرأ على الخطاب الدولي والأممي حول اليمن وتزايد التركيز على الجوانب الإنسانية دون السياسية، اعتبر الباحث السياسي اليمني مصطفى الجبزي أن العالم يتعامل منذ وقت مبكر مع الملف اليمني باعتباره ملفا إنسانيا، نتيجة لتدهور الأوضاع الإنسانية في البلاد، إضافة إلى نشاط وخطاب واستراتيجية المنظمات العاملة في الجانب الإنساني التي وجدت مجالا كبيرا يمكن الاشتغال عليه وتنفيذ برامج ومشاريع ما كان يمكن تنفيذها في ظل وجود دولة حقيقية.
ولفت الجبزي في تصريح لـ”العرب” إلى أن استخدام الملف الإنساني كان لتحقيق أهداف سياسية، “حيث يتخذ الحوثيون من الشعب اليمني رهائن مقابل الحصول على تنازلات وامتيازات وتمويلات، بينما يستخدم المجتمع الدولي الملف الإنساني كوسيلة ضغط على التحالف العربي وعلى الحكومة اليمنية لتقديم تنازلات”.
وتابع “التشديد على الحالة الإنسانية يبعد الملف اليمني عن طبيعته السياسية والقانونية باعتباره حربا لاستعادة الدولة وصد الانقلاب والعودة إلى العملية السياسية”.
واعتبر مراقبون أن تكريس جهود وأنشطة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي على الجانب الإنساني من الأزمة اليمنية وتجاهل جذور وأسباب هذه الأزمة، قد يكون في شقه السياسي استجابة لأجندة الحوثيين التي انتهجت خلال الآونة الأخيرة خطابا يقوم على التهرب من استحقاقات الحوار والمبادرات الرامية لإنهاء الحرب في اليمن، عبر طرح قائمة من الاشتراطات تحت غطاء إنساني واقتصادي.
ويطالب نشطاء يمنيون في مجال حقوق الإنسان والإغاثة بفصل الملف الإنساني في اليمن عن تعقيدات المسار السياسي، وألاّ يتم توظيف القضايا الإنسانية في الصراع الذي يشهده اليمن.
وتؤكد الناشطة اليمنية ورئيسة مبادرة مسار السلام رشا جرهوم في تصريح لـ”العرب” على أنه تم تسييس الملف الإنساني وتمرير ترتيبات سياسية وعسكرية وأمنية باسم العمل الإنساني، مشيرة إلى أن اتفاق ستوكهولم أكبر دليل على ذلك.
وتضيف “المفترض أن الأطراف اليمنية تعطي أولوية كبرى للمفاوضات الإنسانية وأن تختار مفاوضين ومفاوضات تكنوقراط ليشكلوا لجنة إنسانية مشتركة ويغلبوا المصلحة العامة ويعملوا على تحييد الاقتصاد والقطاعات الخدمية مثل التعليم والصحة، والكهرباء، والمياه، وغيرها. وكل ذلك ذكرناه كحركة نسوية في خارطة الطريق التي قدمناها للسلام في اليمن في يوليو الماضي”.
ووصفت مصادر سياسية يمنية التماهي بين خطاب الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية التابعة لها وبين خطاب الحوثيين بعد فشل مساعي تمرير خطة “الإعلان المشترك” التي تقدم بها المبعوث الأممي السابق مارتن غريفيث وحظيت بدعم أميركي وأوروبي وإقليمي، بأنه محاولة للبحث عن مخارج سهلة لا تصطدم بعقبة التعنت الحوثي أو تعيق عمل برامج الأمم المتحدة الإغاثية والإنسانية والصحية في اليمن، وهي ذات الذرائع التي دفعت تلك المنظمات لممارسة ضغط على واشنطن أفضى إلى رفع الجماعة الحوثية من قائمة المنظمات الإرهابية في وقت سابق.