أخبار العالمالرئيسيةمحلياتمنوعات

دار الإفتاء المصرية يثير ضجة عارمة ويشعل شبكات التواصل بعد فتوى حول اغتصاب الرجل لزوجته

اقرأ في هذا المقال
  • رفْض دار الإفتاء المصرية للاغتصاب الزوجي أحدث صدمة لدى شرائح واسعة من المصريين على اختلاف درجات تديّنهم، ذلك أنّ هذه الفتوى الاستثنائية اخترقت من جهة حاجز الصمت حيال فراش الزوجية الذي استقر في فهم جزء كبير من المجتمع كخط أحمر وسرّ مقدّس، فيما خلخلت من جهة أخرى أسس ثابتٍ دينيٍ ومجتمعيٍ يتمثّل في اعتبار الرجل هو صاحب الكلمة الفصل في أدق دقائق علاقته بالمرأة.

يمن الغد / القاهرة – أحمد حافظ 

ألقت الانتفاضة الدينية ضد ثقافة تركيع الزوجات وإجبارهن على المعاشرة بالإكراه أخيرا حجرا ثقيلا في بِركة الاغتصاب الزوجي، بعدما أفتت دار الإفتاء المصرية بأن إجبار الزوجة على العلاقة الجنسية بالإكراه ليس من الإسلام في شيء، والرجل الذي يرتكب هذا الخطأ يكون ارتكب مخالفة تتنافى مع العقيدة الدينية. 

وأقرت دار الإفتاء بأنه “يحق للزوجة أن تمتنع عن معاشرة زوجها إذا كانت غير مستعدة لذلك نفسيا وجسديا ولا يجوز إقامة العلاقة معها عنوة باعتبار أنّ الحياة الزوجية قائمة على المودة والتراحم، والأصل في العلاقة هو القبول المشترك لا البغض والإكراه”، ما أحدث جدلا اجتماعيا محتدما بين الكثير من الفئات. 

ومثّلت الفتوى لدى قطاعات كثيرة جرأة غير مسبوقة للمؤسسة الدينية الرسمية بأنها تساند المرأة في رفض المعاشرة إذا كانت غير مستعدة لها باعتبار أن العرف الأسري التي توارثته الأجيال يتعامل مع العلاقة الجنسية كحق مكتسب دينيا للرجل، ولا يحق للزوجة الاعتراض تحت أي ظرف أو سبب. 

ولم تسلم المؤسسة الدينية من اتهامات العلمنة والدعوة إلى تحريض النساء على أزواجهن، لكنها التزمت الصمت مكتفية بالرأي الشرعي الذي حسم قضية الاغتصاب الزوجي دينيا، وأسكتت الأصوات التي خاضت معارك في سبيل مساندة الرجال والتعامل مع جسد المرأة كملكية خاصة للذكور. 

الاعتقاد المتوارث بأن الملائكة تلعن المرأة التي ترفض دعوة زوجها للفراش خلق عقدة ذنب مستحكمة لدى النساء وجعلهن في حالة استسلام للترهيب والإكراه 

ويتعامل المجتمع المصري المعروف عن شرائح كبيرة فيه التزامها الديني الصارم مع الاغتصاب الزوجي باعتباره مصطلحا علمانيا دخيلا على الإسلام لأن الأغلبية نشأت على أن العلاقة الحميمية يحددها الرجل وحده على مستوى التوقيت والكيفية بزعم أن الشرع أباح له ذلك ومنحه حق المعاشرة وقتما وكيفما شاء. 

وما أصاب الأغلبية بالصدمة والذهول أن أعلى جهة للفتوى بالبلاد اخترقت حاجز الصمت حيال فراش الزوجية الذي ظل لعقود طويلة سرّا مقدسا عند المجتمع، ولا يجوز التطرق إلى ما يجري داخل غرف النوم لأن الرجل هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة ويمارس “حقه الشرعي” بالطريقة التي ترضيه. 

ويصعب فصل الصدمة من تحريم المعاشرة بالإكراه عن اتخاذ المؤسسة الدينية مسارا مغايرا لشكل العلاقة الزوجية عن ذلك الطريق الذي يرسمه دعاة التطرف الفكري وأغلبهم يصدرون فتاوى تمنح الحق المطلق للرجل في تملّك جسد المرأة بغض النظر عن أي أمور أخرى كأنها جارية. 

صحيح أن حسم قضية الاغتصاب الزوجي بشكل رسمي ومعلن بأنه محرم ولا شيء يبرره جاء متأخرا، وربما يكون محاولة من المؤسسة الدينية الإيحاء بتحررها وتحضرها وعدم تشددها، لكن المعضلة الكبرى تكمن في الميراث المجتمعي حول مفهوم التكاثر الذي كرّس صورة دونية عن المرأة في نظر الرجل كماكنة للجنس وآلة للإنجاب. 

انحراف موروث 

أسهم المفهوم الديني الخاطئ لشكل العلاقة الزوجية، في تكريس المعاشرة بالإكراه لأن المجتمع ورث نصوصا فقهية عبر أجيال متعاقبة مفادها أن المرأة التي يدعوها زوجها إلى الفراش وترفض، فإن الملائكة تظل تلعنها طوال الليل ما جعل أغلب النساء يقبلن عنوة ويلتزمن بالطاعة التامة أمام ترهيب أزواجهن. 

وإن تجرّأت واشتكت إلى عائلتها من إكراهها على المعاشرة الجنسية تصطدم بنفس الرؤى الدينية وكأن المجتمع لا يفقه في الإسلام سوى الحديث الذي يتطرق إلى لعنة الملائكة للممتنعة عن زوجها، وهو ما دفع المؤسسة الدينية لنسف هذا المعتقد الفكري والطعن في صحته وتفسيراته وإقرار حق المرأة في القبول أو الرفض. 

لكن شيماء محمد الفتاة المصرية التي تزوجت بشكل تقليدي لا تتفاءل كثيرا بموقف دار الإفتاء الذي حسم شكل المعاشرة وحرّم الاغتصاب الزوجي، فهي تعتقد أن الفتاوى الشاذة يكون تأثيرها على المجتمع أقوى من الفتاوى التي تصدر عن جهة رسمية باعتبار أن شيوخ المساجد والسلفيين يختلطون بالناس بشكل أكبر من رجال المؤسسة الدينية الذين يميلون إلى الوسطية. 

وتقول شيماء لـ”العرب” إن رجال الدين المتشددين جعلوا عقول القاعدة العريضة من الناس تحت سيطرتهم، مؤكّدة أنها كثيرا ما اشتكت لزوجها من سوء معاشرته لها بالإكراه وطلبت التراضي فكان يرد عليها بأن هذا حقه الشرعي، وعندما واجهته بفتوى دار الإفتاء أبلغها بأنه يستمد موقفه من الشرع وليس من جهة دينية حكومية. 

وينتمي زوج شيماء إلى فئة محدودي التعليم والثقافة ويميل إلى استفتاء شيوخ المساجد ولذلك لم يغير قناعاته تجاه المعاشرة الزوجية بعدما أصبح أسيرا لفتاوى عشوائية يصدرها أئمة يتعاملون مع جسد المرأة كأداة جنسية. 

ويرى أغلب الرافضين للاغتصاب الزوجي أن موقف دار الإفتاء الذي يضرب حجج المتشددين لا يمكن أن ينجح بشكل جذري في تغيير قناعات المجتمع تجاه مفهوم المعاشرة عموما من دون أن يصل هذا الرأي إلى عموم الناس. 

وصارت جهة الفتوى تركز على جمهور منصات التواصل الاجتماعي بشكل أكبر لا الشريحة الأمية التي تميل إلى الفتاوى العشوائية وقاطني المناطق الريفية والشعبية التي لا تمتلك فيها المرأة أي حق في الاعتراض على العلاقة بحكم العرف والميراث الفكري حول حتمية قبولها المعاشرة. 

ويعتقد هؤلاء أن إقناع المجتمع بأن الاغتصاب الزوجي جريمة يرفضها الإسلام ولم يدع إليها لا نصا ولا تفسيرا يتطلب تغيير الثقافة المجتمعية حول إجبار المرأة على الطاعة العمياء لزوجها وأن ذلك هو الباب السحري لدخولها الجنّة ويقودها تمردها إلى جهنم، لأن النظرة الدونية للمرأة تمثل خطرا يهدد استقرار الأسرة. 

ويقترح علماء دين أن يتم تخصيص خطبة الجمعة في جميع المساجد حول عدم مشروعية الاغتصاب الزوجي والتعريف بالتعاليم الإسلامية الصحيحة عن العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة حتى يصل صوت المؤسسة الدينية إلى فئة كبيرة من الناس مع الطعن في كل الحجج والادعاءات التي يسوق لها الدعاة المهووسون جنسيا وتفنيدها بشكل عقلاني مبسط. 

وإذا كان هذا المقترح أكثر واقعية وتأثيرا من الفتوى الإلكترونية فإنه قد يكون من الصعب تطبيقه لأن عقلية المجتمع المحافظ لن تتقبل تداول قضية المعاشرة على منابر المساجد لأن الناس اعتادت مناقشة هذه المسائل بشكل سري وعلى نطاق ضيّق ما يتطلب إرادة سياسية لمواجهة الاغتصاب الزوجي بالمزيد من جرأة المؤسسات الدينية كافة، لا جهة واحدة. 

انضمام الضحية إلى الجلاد 

يقول أحمد كريمة أستاذ الفقه والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر إن المعاشرة بالإكراه لا يقبلها الشرع ولا يستوعبها المنطق، وأيّ كلام غير ذلك ليست له علاقة بالإسلام، لأن العقيدة أقرت أن الزواج قائم على المودة والتراحم والتراضي والإنسانية والمعاملة بالمعروف والإحسان، ويجب أن يصل هذا المعنى إلى كل الناس عبر المساجد ووسائل الإعلام والمناهج التعليمية، لافتا إلى أن مواجهة الهوس الجنسي عند شيوخ السلفية وغيرهم تتطلب ضرب أفكارهم وسط العامة. 

وأضاف كريمة لـ”العرب” أن الإكراه بين الزوجين على فعل شيء بعينه يؤسس لحياة أسرية قائمة على الكراهية وعدم الراحة النفسية، والإسلام منح المرأة الحق في عدم المعاشرة طالما أن لديها مبررات مقنعة، مثل المرض العضوي والنفسي وغيرهما، وهي نفس الأعراض التي تصيب الرجل ولا يتم إجباره على العلاقة، لكن أزمة المجتمع أنه يرضخ لتفسيرات فتاوى يطلقها أعداء المرأة من المتشددين. 

وإذا كانت أغلب الآراء الرافضة للاغتصاب الزوجي متذمرة من إقحام الرجال للإسلام في تحديد شكل المعاشرة، فهناك معضلة أخرى ترتبط بأن الكثير من الزوجات يوافقن على العلاقة الجنسية لدوافع دينية مشابهة تقريبا لنفس المبررات التي يقتنع بها الرجل وهو الحق والواجب الشرعي، حتى لو كانت ظروف الزوجة لا تساعدها نفسيا أو جسديا على التواصل، لكنها تضطر للقبول من طرف واحد كضرورة دينية. 

ويشير خبراء في علم الاجتماع إلى أن تطهير العقل الجمعي من الشهوانية يتطلب المزيد من التوعية بأن المعاشرة ليست واجبا دينيا، لا على الرجل ولا المرأة، وهذه مسألة معقدة تحتاج إلى جهد وتنوير بشكل مكثف، فالمعيار ليس بفتوى تزول بانتهاء مناقشة المجتمع للقضية نفسها، بل في استمرارية المواجهة لفصل المتعة عن الدين. 

وأشارت هالة منصور الباحثة المتخصصة في القضايا الاجتماعية بالقاهرة إلى أن تدخل المؤسسة الدينية لمعالجة الظواهر السلبية لشكل العلاقة الزوجية كفيل بأن يجعل المجتمع يعيد التفكير في القضية من منظور عصري بعيدا عن التمسك بآراء وقناعات جاهلية، خاصة إذا كان الرأي الديني الرسمي يمثل صدمة للأغلبية ويضرب المعتقد المتوارث منذ عقود طويلة ولم تتم مواجهته. 

وأوضحت لـ”العرب” أن المعاملة الحسنة والمودة والتراحم بين الأزواج في المجتمعات الإسلامية تحتاج إلى فتاوى وسطية تدعمها وتجعلها ثقافة عامة، بعيدا عن أساليب القهر والإذلال التي كرسها المتشددون في عقول الناس، لأن أغلبية التيارات المتطرفة التي تحطّ من قدر المرأة صنعت ثقافة مجتمعية على وقع صمت جهات دينية رسمية عن مواجهتها والطعن في فتاواها لفترات طويلة. 

براءة الشريعة 

أكدت منصور أن تبرئة الشرع من المعاشرة البغيضة تمهد لتغيير قناعات شرائح مجتمعية كثيرة لقدسية الفتوى في حياة الناس، وتظل الأزمة في الفئات التي ترتب على أن جسد المرأة ملكية خاصة، وهؤلاء لا يتأثرون بأي رؤى تناهض قناعاتهم، والحل الأمثل في التركيز على النشء والأجيال الصاعدة بحيث يتم تعريفهم بأن الإكراه في العلاقة ليس من الشرع، ومن الرجولة أن تكون هناك مودة وتراحم وعاطفة بين الزوجين. 

صنع موقف دار الإفتاء حالة جعلت بعض الناس يفكرون نسبيا في أنهم على خطأ، لكن تظل الكارثة في خروج آراء دينية مناهضة يطلقها علماء بارزون في المؤسسة الأزهرية ويدافعون عن حق الرجل في معاشرة زوجته بالإكراه، ويصفون من يطلقون مصطلح الاغتصاب الزوجي بأنهم رجعيون ويطبقون الثقافة الغربية المتحررة، وهؤلاء لهم جمهور يصدقهم. 

ولا يكف الداعية عبدالله رشدي عن إصدار فتاوى تستهدف تركيع المرأة لزوجها جنسيا مهما كانت غير مستعدة لذلك، باعتبار أنها تؤدي واجبا دينيا، وعكس ذلك فهي ملعونة، ودعمه عباس شومان وكيل الأزهر السابق وعضو لجنة الفتوى بالمؤسسة حاليا، لدرجة أنه اعتبر المرأة التي تمتنع عن زوجها في المعاشرة “ناشز”. 

وتوحي هذه التوجهات التي تعجّ بها جهات الفتوى في مصر بأن أزمة الاغتصاب الزوجي لن يتم حلها برأي صادر عن المؤسسة الأم ولا بديل عن إسكات العلماء المتشدّدين بداخلها، سواء كان ذلك بالترغيب أو الترهيب، لأن هؤلاء لديهم قواعد كبيرة ويمكن توظيف فتاواهم ليتم وضعها في مقارنة مع فتوى الجهة الرسمية ليظهر أمام المجتمع أن القضية لم تحسم شرعا. 

من الضروري إقناع المجتمع بأن التراحم بين الأزواج أساس الشرع، وليس المعاشرة بالإكراه، وهو ما يتطلب أن تكون في صدارة المشهد الديني شخصيات يتعامل معها الناس كقدوة، لا رجال دين بينهم مغتصبون لزوجاتهم ويفندون الدوافع والمبررات ويفسّرون بما يتفق مع قناعاتهم، لأن إصلاح العقل تجاه خصوصية العلاقة الزوجية لن يتحقق بعلماء لا يفرقون بين الحميمية والشهوانية ويتعاملون مع عقد الزواج كتصريح لممارسة الجنس. 

*كاتب مصري 

زر الذهاب إلى الأعلى